نفوذ روسيا يتمدد إلى لبنان؟

في حين يغيب لبنان عن عناوين الإعلام العالمي، ويتحاشى الكتاب والمحللون السياسيون الإقتراب من مستنقع أصحاب الإقطاعات اللبنانية وأوحالهم “السياسية”، وجد مراسل الأسبوعية الأميركية Newsweek لشؤون الدفاع والصراعات الدولية توم أوكونور(TOM O’CONNOR ) في 9 الجاري الوقت مناسباً للإقتراب من المستنقع اللبناني. ومع أن الرجل يدخل في تفاصيل مماحكات إستعصاء الرئاسة اللبنانية، إلا أن الموضوع الرئيسي لنصه كان روسيا وليس لبنان. وكما نقل موقع Inosmi التابع لوكالة نوفوستي النص إلى الروسية في 13 الجاري، عنون أوكونور نصه بالقول ” روسيا تبحث عن حليف جديد في الشرق الأوسط لتحدي الولايات المتحدة”.

القراءة الروسية للنص ركزت على ما ذكر يشكل عابر عن وزن لبنان الإستراتيجي في المنطقة، وهو ما لم يخطر على بال ممتهني الردح اللبنانيين أن يدّعوه يوماً. وما ذكره النص عن محاولة روسيا التقرب من لبنان، أصبحت في القراءة الروسية عنوان فقدان الولايات المتحدة نفوذها في الشرق الأوسط. فقد عنونت وكالة تاس قراءتها لنص الإسبوعية الأميركية “الولايات المتحدة تفقد نفوذها في الشرق الأوسط بسبب تعزيز علاقات روسيا مع لبنان”. وقالت نوفوستي “”إنهم يعملون من دون ضجيج زائد”. الولايات المتحدة تشعر بالغضب بسبب حليف روسيا الجديد”. وعلى هذا المنوال جاءت عناوين المواقع الروسية الأخرى التي نشرت قراءتها لنص الأسبوعية الأميركية: “هل صحيح أن تقارب روسيا ولبنان خطير بالنسبة للولايات المتحدة: ما حاجة روسيا إلى ذلك”، “… لماذا تنشيط علاقات موسكو وبيروت يثير قلق الولايات المتحدة”، “”نحو موانئ وأسواق جديدة”. وسائل إعلام تحدثت عن تقارب روسيا مع لبنان” وسواها.

عناوين مواقع الإعلام الروسية هذه تعبر عن رغبة روسيا المفهومة في زوال نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل ومغادرته. لكن وكالة الأناضول التركية الرسمية رأت نقيض هذه الرغبة ونقيض ما يشاع منذ زمن عن خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. فقد نشر موقع Inosmi الروسي المذكور في 14 الجاري مقالة لوكالة الأناضول نقلت فيه عن خبراء أتراك قولهم بأن “تصرفات الولايات المتحدة الأخيرة تشير إلى أنها ليست عازمة على مغادرة الشرق الوسط”.

ما افترضه نص Newsweek من سعي روسيا للتحالف مع لبنان لتحدي الولايات المتحدة، رأت فيه مواقع الإعلام الروسية إعترافاً أميركياً بأنه لا يزال بوسع روسيا تحدي الولايات المتحدة، على الرغم من إنهماكها بالحرب على أوكرانيا. كما قرأته هذه المواقع بأنه إنهيار للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وتحالف يثير غضب الولايات المتحدة. وما تجاهلته هذه المواقع ولم يقله النص جهارا،ً هو أن سعي روسيا للتقارب مع بلد تتلاشى دولته ويكاد يكون بحجم إحدى ضواحي موسكو، ليس دليل قوة، بل دليل ضعف وعزلة عن العالم المتطور تكاد تكون مطبقة.

البعض رأى بأن ما ورد في نص الأسبوعية الأميركية من إشارات على سعي روسيا للتحالف مع لبنان، ليست كافية للقول بمثل هذه الفرضية. فقد ذكر أوكونور أن ثمة عوامل في لبنان تساعد روسيا في محاولتها توسيع نفوذها إلى لبنان. ومن بين هذه العوامل أشار الكاتب إلى وجود طائفة أرثوذوكسية مؤيدة تاريخياً لروسيا، ووجود عدد كبير من خريجي مؤسسات التعليم العالي الروسية والشرق أوروبية، وكذلك وجود روسيا العسكري في سوريا.

موقع absatz الإلكتروني الروسي عنون قراءته في 11 الجاري لنص الإسبوعية الأميركية بالقول “الضخ في لبنان: لماذا تنشيط علاقات موسكو وبيروت يثير قلق الولايات المتحدة”. قدم الموقع لنصه بالإشارة إلى أن الأسبوعية الأميركية تقول بأن الكرملين نشط تعاونه مع لبنان. ويؤكد بأنه كشف عن سبب إهتمام روسيا بالشراكة مع هذا “البلد الشرقي”.

توقف الموقع عند الفقرة التي يشير فيها أوكونور إلى أن الكرملين يعزز وجوده في لبنان بينما البيت الأبيض مشغول بأوكرانيا وتايوان. وينقل عن الأميركي قوله بأن موسكو تؤيد ضمناً ترشيح سليمان فرنجية لمنصب رئيس الجمهورية في لبنان. وإذا تمكن من الفوز بالمنصب، ستعزز روسيا موقعها بقوة في لبنان. ومعروف عن فرنجية مرونته السياسية، لكن كثيرين يعتبرونه صديقاً حقيقياً للكرملين. كما ينقل عنه قوله بأن موسكو تستثمر كثيراً الآن في برامج التعاون مع الشبيبة اللبنانية. ولبنان قد تعنيه قضية “أمن الطاقة” الذي تعد به روسيا وتساعد بيروت في إنهاء أزمة الكهرباء.

يشير الموقع الروسي إلى ما نقله أوكونور عن مدير معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت جو باحوط قوله بأنه خلافاً لسوريا التي كانت مواقع روسيا قوية فيها دائماً، لم يكن لبنان يوماً مركز نفوذ أو وجود لروسيا. فالبلد كان دائماً مشدوداً إلى أوروبا والولايات المتحدة. فلذلك ليس من الواضح كيف سيكون رد فعل واشنطن على علاقات متنامية للبنان مع روسيا. كما ينقل عن الباحث في الجامعة عينها يغيا طاشجيان قوله بأن روسيا تطمح للعودة إلى المجال الإقتصادي والسياسي اللبناني لأنها تعتبر ذلك إمتداداً لوجودها في سوريا.

ينقل الموقع الروسي عن البوليتولوغ الروسية من أصل أرمني كارينه كيفوركيان قولها بأن علاقات روسيا ولبنان كانت تحافظ دائماً على مستوى رفيع، خاصة التعاون على خط الكنيسة الأرثوذوكسية. وتردد ما قاله أوكونر بأن في لبنان مسيحيون كثر خاب أملهم بالغرب ويتطلعون إلى روسيا. وعلى الرغم من صغر مساحته، إلا أن لبنان يتمتع بأهمية لوجستية كبيرة لوجوده على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث تكثر الموانئ. وترى أن الشراكة معه من شأنها أن تساعد روسيا في تقادي العقوبات الغربية في شحن البضائع. واعتبرت أن لبنان هو “إستمرار منطقي لسياستنا في الشرق الأوسط”. فحين جاءت روسيا إلى سوريا، أصبح من الواضح أن من الضروري تعزيز مواقع روسيا في لبنان. ورأت أن ظهور مقالات الآن عن تعزيز تعاون موسكو مع بيروت ليس صدفة، بل قد يشير ذلك إلى عزم الأميركيين على مغادرة لبنان.

ترجمة نص الأسبوعية الأميركة إلى الروسية شغل حوالي 3000 كلمة، توقفت المواقع الروسية عند بعض مقاطعها، وأهملت بشكل شبه كلي ما يتعلق بالمرشح الرئاسي سليمان فرنجية، والذي شغل معظم نص أوكونور. ونقل الأخير عن خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC إيغور ماتفييف قوله في مقابلة مع الأسبوعية الأميركية بأن الشركات الروسية قد تتوفر لها فرصة أوسع للمشاركة في قطاع الطاقة والموارد الطبيعية في لبنان، بما في ذلك إطلاق مشاريع مشتركة في البنية التحتية. ويشير ماتفييف إلى الشركة الروسية Levante Storage المسجلة في لبنان، والتي تعمل في تخزين النفط ومشتقاته في طرابلس. كما بشبر إلى إمكانية مشاركة روسيا في أعمال التنقيب عن النفط والغاز في جنوب لبنان “مما قد يخلق وظائف جديدة للبنانيين والروس”.

ويقول ميدفيدييف أن روسيا تعمل أيضاً على إجتذاب لإستثمارات اللبنانية إلى الأسواق الروسية التي تتعرض للعقوبات. وثمة شركات لبنانية أخذت تعمل في روسيا. ويذكر “مجموعة ضاهر” اللبنانية المتمركزة في الإمارات، والتي حلت في الخريف المنصرم مكان شركتي الملابس الإسبانيتين Zara و Bershka. كما يفترض أن روسيا بوسعها تعوبض لبنان عن الحبوب الأوكرانية بعد توقف “صفقة الحبوب” الشهر المنصرم.

المدن

مقالات ذات صلة