قطاع الكهرباء يشكل أكبر مصدر للعجز والفساد في لبنان

ضغوط على حاكم البنك المركزي للتراجع عن موقفه بعدم تمويل مصاريف الحكومة والقبول بتحويل 40 مليون دولار لصالح وزارة الطاقة

باتت قضية الكهرباء في لبنان وكأنها “لعنة” لا تنفك عن صدور اللبنانيين، حيث يلازم الفشل جميع الخطط والحلول التي يضعها المعنيون، وذلك على الرغم من كون القطاع أحد أبرز مكونات تنامي الدين العام الذي وصل إلى حوالى 100 مليار دولار وفق موازنة 2020، حيث يشكل عجز مؤسسة الكهرباء حوالى 43 مليار منه.

ويكاد لا يصدر تقرير من صندوق النقد الدولي إلا ويشدد على ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في القطاع لضبط الهدر والاستنزاف المستمر للأموال العامة، مطالباً بإعادة هيكلته ورفع التعديات عن الشبكة وتحسين الجباية، إضافة إلى تعيين هيئة ناظمة للقطاع، إلا أن تلك الإصلاحات لم تشهد تقدماً على الرغم من جميع الوعود والتعهدات الحكومية.

فشل الخطة

نهاية العام الماضي كشف وزير الطاقة وليد فياض عن خطة لرفع التغذية الكهربائية في البلاد من ثلاث ساعات يومياً إلى 12 ساعة، معلناً حينها عن سلسلة إجراءات منها رفع التعرفة بحدود الـ60 ضعفاً عن السابق، وربط سعرها بالدولار وإضافة 20 في المئة من إجمالي الفاتورة، تجنباً لخسائر التضخم المستمر في العملة الوطنية، وقد وافق حينها المصرف المركزي على سلسلة سلف بقيمة 200 مليون دولار لشراء الفيول وتزويدها للمعامل الحرارية.

إلا أنه ومع مرور ثمانية أشهر على إطلاق الخطة، لم تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من رفع التغذية لأكثر من أربع ساعات في اليوم الواحد، في حين كانت الفواتير تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين الذين يدفعون ثمن الخدمة مرتين للمولدات المحلية ومؤسسة كهرباء لبنان، وما زاد من الأزمة أن كلفة فاتورة كهرباء لبنان باتت أكثر من كلفة المولد مقارنة بعدد ساعات التغذية، وذلك بسبب تركيبة الفاتورة التي تتضمن رسماً شهرياً ثابتاً للاشتراك بغض النظر عن ساعات التغذية وكمية الاستهلاك.

تمرد “برايم ساوث”

وفي أحدث الأزمات الكهربائية، أوقفت شركة “برايم ساوث” المشغلة لمعملي توليد الطاقة الرئيسين في البلاد “دير عمار” و”الزهراني” اللذين يوفران حوالى 550 ميغاواط من الطاقة، بسبب نقص السيولة وعجز الدولة عن دفع مستحقاتها ما أغرق لبنان في الظلام الشامل وتوقف تزويد مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت بالتغذية الكهربائية، حيث انتقل للعمل موقتاً على المولدات الخاصة به حتى نفاد مادة المازوت لديه، وكذلك توقفت محطات ضخ المياه إلى معظم المناطق اللبنانية.

ووفق بيان مؤسسة كهرباء لبنان، سبق للمؤسسة أن طلبت، من مصرف لبنان تحويل 10 ملايين دولار أميركي، لحساب المشغل المذكور بموجب عقد تشغيل وصيانة معملي “دير عمار” و”الزهراني”، وذلك وفقاً للآلية المتفق عليها مع مصرف لبنان لتحويل إيرادات المؤسسة من جباية فواتير الكهرباء بالليرة اللبنانية إلى دولارات أميركية، ووفق قرار مجلس الوزراء رقم 15 تاريخ 26 مايو (أيار) الماضي، ولكن لم يتم تسديد هذا المبلغ للمشغل حتى تاريخه.

ثلاث ساعات

وفي وقت يتم تقاذف أسباب الأزمة بين المعنيين السياسيين من جهة، والمصرف المركزي الرافض حتى الساعة دفع أي دولار من الاحتياطي الإلزامي للشركة المشغلة، نجحت وساطة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بمعالجة الموقف مرحلياً وتراجع الشركة المشغلة عن قرارها، بتعهده دفع سبعة ملايين دولار شهرياً من أصل 85 مليون دولار من مستحقات الشركة خلال أيام قليلة، لتعود بذلك الشركة لتأمين التغذية ثلاث ساعات يومياً.

وفي هذا السياق، قال وزير الطاقة، إن هناك جباية حصلت بالليرة اللبنانية بما يعادل 58 مليون دولار وتمت الاستفادة من جزء منها لدفع بعض المستحقات وبقي رصيد حوالى 37 مليون دولار، مطالباً المصرف المركزي بتحويل أموال من الليرة إلى الدولار ودفع المستحقات من حساب “كهرباء لبنان”.

صيرفة وسلامة

وفي هذا السياق يوضح مصدر في مصرف لبنان، أن وزارة الطاقة تملك الأموال بالليرة اللبنانية في حين تطلب من البنك المركزي تحويلها إلى الدولار الأميركي وفق اتفاقية سابقة في عهد الحاكم السابق رياض سلامة، الأمر الذي يعتبره الحاكم الجديد وسيم منصوري مخالفاً للقانون في ظل غياب تشريع واضح في هذا الإطار، لا سيما أن عملية تحويل الأموال إلى الدولار تعني المس بالاحتياطات من العملات الأجنبية وهو أمر اعتبره منصوري ونوابه منذ اللحظة الأولى خطاً أحمر.

وكشف أن منصوري يدرس جدياً وبشكل استثنائي ونظراً لخطورة الموقف، التراجع عن قراره بعدم تمويل مصاريف الحكومة، والموافقة على الاستمرار بالإجراءات السابقة وتحويل ما يعادل 40 مليون دولار لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، على أن تقوم الحكومة ووزارة الطاقة بإجراءات أخرى من ضمنها جباية فواتير الكهرباء بالدولار الأميركي، كاشفاً عن سلسلة اتصالات تلقاها من ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

ولفت إلى أن إجراءات التحويل التي كان يعتمدها سلامة عبر منصة “صيرفة” لم تعد قائمة حالياً، مطالباً وزارة الطاقة بمراجعة عقدها مع الشركة والدفع بالليرة اللبنانية للشركة التي تستطيع شراء الدولار من السوق، أو أن تتفق مع الحكومة على آلية لدفع المستحقات بالدولار لا سيما أن لديها حساباً مفتوحاً بالدولار الأميركي وهناك بعض الضرائب تجبيها بالدولار.

حقوق السحب

ويشير وزير الطاقة وليد فياض إلى أنه في حال فشلت المفاوضات مع مصرف لبنان، سيتم اللجوء إلى خيارات بديلة، منها شراء الدولارات من السوق عبر شراء مصرف لبنان دولارات بشكل تدريجي لا يؤثر على الاستقرار النسبي لسعر الصرف، على أن يتم تقسيط الأموال لمقدمي الخدمات بعد الاتفاق مع وزارة المال. أو اللجوء في أسوأ الأحوال إلى استخدام جزء من الأموال المتبقية من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي الـSDR والتي تقدر بنحو 120 مليون دولار من أصل مبلغ 1.135 مليار دولار، بدأ لبنان باستخدامها بعد موافقة الصندوق في 16 سبتمبر (أيلول) 2021.

اللامركزية الكهربائية

وفي السياق اعتبر عضو لجنة الاقتصاد النيابية رازي الحاج، أن الكهرباء في لبنان مثل قصة “إبريق الزيت”، وأن جميع الحلول التي تم الحديث عنها تؤدي دائماً إلى “صفر كهرباء”، وذلك على الرغم من المليارات التي تنفق على القطاع.

ولفت إلى أنه تم هدر 40 مليار دولار دعماً للكهرباء منذ عام 2010، في حين أن الهدر التقني والفني بالإنتاج والتوزيع يقارب 25 في المئة، والسلطة تعد المواطنين بالكهرباء 24 ساعة، إلا أن النتيجة عكسية تماماً بسبب اللجوء إلى حلول ترقيعية.

وبرأيه الحل الجذري هو اعتماد اللامركزية الكهربائية عبر ترك القطاع الخاص يقوم بالإنتاج والتوزيع والجباية تحت رقابة “الهيئة الناظمة”.

الطاقة الكهرومائية

وعلى الرغم من وجود 13 نهراً في لبنان، تبرز عدم إدارة الموارد المائية التي تستطيع إيجاد حلول لمشكلة الطاقة، حيث يمكن إصلاح كافة المعامل الكهرومائية وإعادتها إلى وضعها السابق مع دراسات بيئية، إذ تشير دراسات عديدة إلى إمكانية تنفيذ مشاريع كهرومائية صغيرة الحجم على مجارٍ خفيفة باستعمال وتركيب “توربينات” أفقياً وعمودياً، ويمكن ربطها بالطاقة الشمسية للعمل بشكل أكثر.

ويمتلك لبنان حالياً 16 محطة كهرومائية يمكنها إنتاج حوالى بين 800 و1000 ميغاواط في حال إعادة صيانتها، وبالتالي تأمين تغذية بحدود 10 ساعات يومياً، بـ”صفر” كلفة مالية، علماً أنه يمكن للبنان إلغاء المعامل الكهربائية والتوجه إلى المصادر البديلة الصديقة للبيئة عبر تطوير شبكة من المعامل الكهرومائية وإنشاء مزارع لتوليد الطاقة الشمسية والهوائية.

إلا أن تلك الحلول دائماً مستبعدة بحسب معظم التقارير لحساب المعامل الحرارية العاملة على الفيول والغاز لارتباطها بشبكة معقدة من الشركات المستوردة للنفط بالشراكة مع النافذين في السلطة اللبنانية.

اندبندنت

مقالات ذات صلة