تضخّم أسعار اللاعبين يخلق الفوضى في السوق
طرأ على المشهد المالي في كرة القدم الأوروبية والعالمية تحوّل ملحوظ خلال العقد الماضي، وكان أحد التطوّرات الأكثر لفتاً للانتباه هو ارتفاع رسوم النقل التي أصبحت مرادفة للرياضة.
بينما تهدف اللوائح القانونية في بطولات كرة القدم إلى الحفاظ على تكافؤ الفرص، ساهمت بعض الآليات عن «غير قصد» في زيادة رسوم النقل، فمثلاً أدّت لوائح اللعب النظيف المالي، التي قُدِّمت في البداية لتعزيز الاستقرار المالي بين الأندية، إلى عواقب غير مقصودة كَدَفع الأندية للتركيز على التعادل عبر البحث عن مصادر دخل إضافية، إذ تُمثِّل رسوم التحويل الباهظة وسيلة قابلة للتطبيق لتوليد الأموال.
وبالتالي، أدّى هذا التحوّل في التركيز من الإدارة المالية المستدامة إلى المكاسب قصيرة الأمد، بالإضافة إلى تغذية بيئة مواتية للتقييمات المتضخّمة، فكانت بكل بساطة قيمة صفقات اللاعبين عند انتقالهم بين الأندية. وصَبّت العديد من «الأندية المُطوِّرة للمواهب» (أمثال موناكو الفرنسي، بوروسيا دورتموند الألماني، بنفيكا البرتغالي…) تركيزها على تضخيم أسعار لاعبين لدى بيعهم، أمثال الفرنسي كيليان مبابي (إلى باريس سان جيرمان الفرنسي مقابل 120 مليون يورو) والأرجنتيني إنزو فيرنانديز (إلى تشلسي الإنكليزي مقابل 120 مليون يورو) والنروجي إرلينغ هالاند (إلى مانشستر سيتي الإنكليزي مقابل 80 مليون يورو)…
الترويج والتسريبات الكاذبة
علاوةً على ذلك، لا يمكن التقليل من تأثير ملكية الطرف الثالث ووكلاء اللاعبين، إذ خلقت أوجه الغموض في اللوائح مجالاً للمضاربة والاستغلال، ممّا أدّى إلى ارتفاع الأسعار وخلق طلب مصطنع للاعبين.
بكلامٍ آخر، سمحت الشبكة المُعقّدة من المصالح الخاصة، إلى جانب الافتقار إلى الرقابة الشاملة، لبعض الوكلاء بالتلاعب بالسوق عبر الترويج الكاذب للاعبيهم بأنّهم مطلوبون من أندية أخرى فيرتفع السعر نتيجة ارتفاع الطلب ونُدرَة العرض، ممّا أدّى تلقائياً إلى ارتفاع رسوم التحويل بشكل غير متناسب.
التحويلات الأيقونية
شهد العقد الماضي سلسلة من عمليات نقل اللاعبين الضخمة التي وضعت معايير جديدة لرسوم النقل، تشمل الأمثلة البارزة انتقال البرازيلي نيمار من برشلونة إلى سان جيرمان ومبابي أيضاً. ولقد أعادت هاتان الصفقتَان اللتان استحوَذتا على العناوين الرئيسية، تشكيل تصوّر قيمة اللاعب وخلقت تأثيراً مضاعفاً في جميع أنحاء العالم الكروي.
غير أنّ هذه القيمة المضاعفة تضاعفت أشواطاً مع دخول مالك تشلسي تود بوهلي والملّاك السعوديِّين في نيوكاسل العام الماضي، وصولاً إلى الهجمة المليارية للأندية السعودية على نجوم الصفّ الأول في أوروبا، إذ باتت أجور وقيمة الصفقات تتضاعف عشرات المرات في سوق الانتقالات الواحد، وكأنّ الأسعار جنّ جنونها.
كما تحوّلت الهالة المحيطة بمثل هذه التحويلات إلى رموز حالة للأندية (مثلاً الأندية السعودية تعني أموالاً لا محدودة)، عبر تنميط صور لبعض الأندية على أنّها تدفع بلا هوادة ولا حسيب ولا رقيب، فمثلاً مانشستر سيتي خرق مئات المواد من قوانين اللعب المالي النظيف ولم يُعاقَب مرة، فيما أنفقَ تشلسي مليار يورو في موسم، فظَهرَ كأنّ أحداً لا يمكنه أن يضع له حداً.
الآثار والعواقب المستقبلية
إنّ التصعيد غير الخاضع إلى رقابة لرسوم الانتقال له عواقب بعيدة المدى تمتدّ إلى ما وراء حدود الملعب. فقد أدّت الضغوط المالية المفروضة على الأندية التي تحاول تأمين أفضل المواهب، إلى تصاعد الديون وعدم الاستقرار المالي (أمثال برشلونة وميلان وأرسنال). فلهذه الظاهرة القدرة على تقويض استدامة الرياضة على المدى الطويل، ما يُعرّض جوهر المنافسة واللعب النظيف إلى الخطر.
كما أنّ الأندية الصغيرة مُعرّضة إلى الخطر بشكل خاص، لأنّها تكافح من أجل المنافسة في بيئة تُهَيمن عليها القوى المالية. فيما قد يؤدّي التركيز على التحويلات الباهظة إلى المبالغة في التركيز على الذكاء الفردي، وتحويل الانتباه عن جوهر العمل الجماعي والجهد اللذين يدعمان جاذبية كرة القدم.
ومع استمرار تضخّم تقييمات اللاعبين، تتعرّض العلاقة الثقافية والعاطفية بين المشجّعين وأنديتهم إلى خطر تآكل إفساحاً في المجال لولاءات عابرة تتمحور حول اللاعبين النجوم.
للتخفيف من التضخّم
من الضروري اتّباع نهج متعدّد الجوانب عبر وضع أطُر تنظيمية أكثر صرامة لمراقبة تقييمات اللاعبين والحَدّ من التحويلات المتضخّمة بشكل مصطنع. فيمكن أن يؤدّي تنفيذ منهجيات التقييم الشفافة والموحّدة التي تتضمّن المقاييس القائمة على الأداء والطلب الحقيقي في السوق، إلى تعزيز تقييم أكثر واقعية لقيمة اللاعب.
كما أنّ استكشاف سُبل لتعزيز تنمية الشباب ورعاية المواهب المحلية، من خلال الاستثمار في البرامج الشعبية مثلاً، يعطي الأولوية لتطوير اللاعبين المحليِّين ثم ترفيعهم إلى الفريق الأول، ممّا يخفّف من فاتورة الانتقالات ويَحدّ تلقائياً من التضخّم في الأسعار وتالياً في أجور اللاعبين.
الجمهورية