توقيف رياض سلامة: مَن سيتجرأ وينفّذ… اليكم السيناريوهات المتوقعة؟
لا شك في أنّ تَسارُع التطورات القضائية المتعلقة بملف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة شَغلَ الوسط القضائي السياسي والشعبي، خصوصاً بعد صدور العقوبات الاميركية عليه، والتي بَدت وكأنها «تواكب» او «تبارك» المسار القضائي اللبناني المتجه الى معقابته ايضاً لا تبرئته. الا ان الفارق بين المسارين هو ان القضاء الاميركي يصدر قراراته بناء لقوانين صارمة وواضحة تستند الى ادلة حيثية ونصوص القوانين واثباتات لتنتقل بعدها الى التنفيذ، فيما يتخبّط القضاء اللبناني بالاجتهادات السياسية والقضائية والدستورية التي تَعوق نَفاذ قراراته او أحكامه المبرمة بفِعل عوامل عدة اصبحت واضحة للداخل وللخارج، وربما لأجل ذلك استعجَلَ الخارج إصدار العقوبات المبرمة لعلمه بأنّ القضاء اللبناني لن يتحرك من دون «هزّة عصا»
لبنانياً، تبدّلَ المشهد السياسي بين ليلة وضحاها بين مدافعٍ عن سلامة ومُناهِض لدوره اذ تبدو العصا الاميركية فعلت فعلها، فسارعَ المعنيون الى لفظه ونَفض أيديهم «من دم ذلك الصدّيق»، ليتم كشف الستار عن القرار السري القاضي بتجميد ممتلكاته في لبنان ويتم تسريبه قصداً الى الاعلام في خطوةٍ تؤشّر الى انّ قرار سحب الدعم الكلي المحلي السياسي عن سلامة قد اتُّخِذ سواء من الخارج او من الداخل ومن الافرقاء المعنيين بالملف بعدما كانوا المدافعين الشرسين عنه، وذلك لاعتبارات عدة اميركية وغيرها وسط صمت اطراف وجهات سياسية وشخصيات اعلامية ارتبط اسمها بمضمون التدقيق الجنائي إبّان صدور القرار، هي التي لطالما كانت تَستشرس في الدفاع عن الحاكم.
وفي هذا السياق، تكشف مصادر قضائية رفيعة ان عاملين اساسيين ساهما وسَرّعا في تقدم مسار ملف سلامة: الاول هو قرار قاضي الامور المستعجلة في مجلس الشورى كارل عيراني الذي كان مُبرماً، فألزَمَ فيه وزارة المال بتسليم التقرير الذي اعتبره ملكاً للشعب اللبناني فوراً ومن دون إبطاء. وأهمية القرار انه نَزع عن التقرير صِفة السرية «ليتم كَشف مضمونه الى العلن، فأحدثَ بلبلة سياسية واعلامية بسبب كشف أسماء شخصيات وشركات عدة استفادت من «هِبات» سلامة.
امّا العامل الثاني فهو العقوبات الاميركية. في وقتٍ ترى مصادر ديبلوماسية أنّ التقرير ساعَد في الكشف عن قرار العقوبات الاميركية ولم يُسرّعها، إذ، وبحسب تلك المصادر، إنّ «العقوبات في حق الحاكم كانت جاهزة منذ مدة»، موضحةً «انّ العقوبات الاميركية لا تصدر في يوم وليلة أو بناءً على مُعطى واحد معيّن، بل تُبنى ويتم التحضير لها بعد توثيق الادلة والاثباتات، إلا انّ الادارة الاميركية كعادتها تَتحَيّن اللحظة المناسبة او ربما المواتية لها لإعلان العقوبات على الأفراد»، الامر الذي يؤشّر ايضاً الى توافق المسارَين الاوروبي والاميركي في هذا الملف وليس العكس، كما أُشيع في بعض التحليلات السياسية.
اما العامل المباشر الذي سَرّع في ملف الحاكم فهو قرار رئيسة هيئة القضايا هيلانة اسكندر التي استنتجَت من قرار قاضي التحقيق شربل ابو سمرا انه «تَرك ضمني» لسلامة، ووجدته غير مستند الى تبريرٍ حسّي وعملي وخَطّي لِتَركه. ولذلك لجأت الى استخدام كافة اسلحتها القانونية للضغط القضائي، فتقدمت خلال الـ 24 ساعة المُتاحة إليها قانوناً من الهيئة الاتهامية بالطعن بقرار ابو سمرا، ومن ثم ألحَقته بدعوى مُخاصمة الدولة وليس الارتياب المشروع بعدما تعذّر إبلاغ سلامة بموعد الجلسة المقبلة مجدداً… فيما تشير المعلومات الى انّ قرار إبلاغه لصقاً قد اتخذ ايضاً في حال تَغيّبَ مجدداً عن الحضور واذا ما تعذّر تبليغه شفهيا ًاو عبر مباشر اداري، وهي الخطوة الاستباقية التي تُخفي أيضاً وحُكماً، قراراً سياسياً استباقياً بإصدار مذكرة توقيف غيابية في حقه.
السيناريوهات المتوقعة
قضائياً، توضح مصادر رفيعة انّ قرار الهيئة الاتهامية الاول، الذي وافق على طلب هيئة القضايا بفسخ القرار الصادر عن ابو سمرا، ألزَمَ الهيئة الاتهامية الثانية المناوبة البَت بموضوع توقيف سلامة مِن عَدمه اذ اعتبرت الهيئة الاولى الاتهامية انّ قرار ابو سمرا تضمّنَ فعلاً قراراً ضمنياً بالتَّرك في وقت كان يتوجّب توقيفه.
وتشير المصادر نفسها الى انّ للمحكمة خيارات عدة، منها:
1 – يُنجَز التبليغ لصقاً (الا انّ سلامة لن يحضر) فتصدر المحكمة مذكرة توقيف غيابية بحقه تتم مراجعتها من جانب النيابة العامة ويمكن استئنافها امام الهيئة الاتهامية لاحقاً. وهنا نتكلم عن الاجراءات التي ستتخذ خلال مسار التحقيق… الا انّ النقطة القانونية التي قد تتوقف عندها الهيئة الاتهامية هي عدم اطلاع النيابة العامة على التحقيق او القرار وكذلك عدم اعطاء رأيها في التحقيق لأنّ القاضي لم يعرض مجريات تحقيقه امام النيابة العامة، علماً ان قرار التوقيف او الترك خلال 24 ساعة من صدوره يمكن للنيابة العامة استئنافه، وكذلك المدعي الشخصي خلال 24 ساعة من تبليغه له، سواء في الجلسة او في مقره.
رأي النيابة مُلزَم أو مُلزِم؟
من جهة أخرى، تلفت مصادر قضائية مطلعة الى انّ المشكلة في هذا الملف هي ان ليس هناك قرار واضح لِعَرضه على النيابة العامة الاستئنافية. فالقاضية هيلانة اسكندر، بحسب استنتاجاتها، ارْتَأت أنّ تحقيق ابو سمرا أظهَرَ انّ هناك قراراً ضمنياً بعدم توقيف سلامة. الا ان هذا الاستنتاج لا يمكن للنيابة العامة الاستئنافية البناء عليه لأنها في حاجة الى قرار خطي واضح لقاضي التحقيق لا الى «استنتاج ضمني»، إذ لا يمكن البناء على «قرار ضمني بالترك» لإبداء الرأي.
في المقابل، لا توافق جهات قضائية رفيعة هذا الواقع، مؤكدةً انّ مجريات التحقيق امام النيابة العامة الاستئنافية هي أمور مُلزمة وضرورية عند اجراء التحقيقات الجزائية بغضّ النظر عما اذا كان قراراً نهائياً او اعتبره البعض قراراً ضمنياً، بمعنى انه لا يمكن تخطّي دور النيابة العامة الاستئنافية في اي تحقيق جزائي أو تجاوزها والقَفز مباشرة الى الهيئة الاتهامية، علماً ان الهيئة الاتهامية لا يمكن لها ان تضع يدها على الملف وتأخذ دور قاضي التحقيق لأن ليس هناك من قرار ظني والهيئة الاتهامية يحق لها درس التحقيق فقط عندما يصدر القرار الظني وليس قبل صدوره.
نقاط قانونية غَفلت عن المحقق!
في هذا السياق، أشارت مصادر قضائية رفيعة الى نقاط مهمة غَفلَ عنها المحقق ابو سمرا، وهي:
١ – في القضاء الجزائي، وبمجرّد مثول المدعي او المدعى عليه امام قاضي التحقيق، يجب ان يتخذا محل اقامة مختاراً ضمن نطاق البلدة القريبة من مركز القضاء، ولذلك يطرح السؤال كيف يمكن لقاضي التحقيق تبليغ المدعى عليه لصقاً بحجة اننا لا نعرف عنوانه وهو في الاساس وفي التحقيق الاولي من المفترض ان يكون قد ثَبّت مكان اقامته اذ يجب ان يكون مدوّناً في خانة ضمن ملف التحقيق، الأمر الذي يدل الى انه تم التغاضي عنه.
٢ – لم تستأنف النيابة العامة ولم تعط رأيها بل لاذَت بالصمت وهذا امر غريب وجديد. امام هذا الواقع تمّت إحالة الاستئناف الى الهيئة الاتهامية التي أصدرت قراراً بفسخ قرار ابو سمرا معتبرة انه تضمّن تَركاً ضمنياً.
المصادر القضائية المتخصصة أكدت لـ»الجمهورية» أن الهيئة الاتهامية بقرارها ألزَمَت كافة الهيئات العامة التي ستتناوب على الملف الاخذ بقرارها، وبالتالي اذا تم تبليغ سلامة لصقاً فعلى الهيئة الاتهامية القبول بصحته وقانونيته واصدار مذكرة توقيف غيابية في حقه او في حال حضوره واستجوابه بإصدار مذكرة توقيف وجاهية، او تركه.
اما النقطة القانونية المُربِكة التي تُطرح في الاوساط القضائية، فهي: «هل يمكن للهيئة الاتهامية المناوبة مراجعة قرار الهيئة الاتهامية الاولى واعتبار انّ ما هو أمامها ليس تَركاً ضمنياً وانّ قرار الهيئة الاولى لا يلزمنها؟ وماذا سيكون رأي النيابة العامة التي لم تبدِ رأيها … وما الى ذلك؟
الا انّ المصادر القضائية المعنية أكدت لـ»الجمهورية» انّ الهيئة الاتهامية التي وافقت أيضاً على فسخ قرار ابو سمرا بعد الاستئناف المقدّم من هيئة القضايا، لا يمكن لأيّ هيئة اتهامية مناوبة من بعدها ان تعترض عليه لأنه قرار نهائي وغير قابل للبحث، إلّا إذا توفّرَت معطيات جديدة تؤدي الى توقيف سلامة أو إخلاء سبيله.
هيئة القضايا رابضة!
التحرك المفاجئ والسريع في الدعوى، الذي جاء من جانب رئيسة هيئة القضايا كمدعي شخصي لمخاصمة الدولة، سيمنع ابو سمرا من استكمال تحقيقه، وبفِعل هذه الدعوى التي تعتبرها مصادر قضائية متابعة أنها متسرّعة لأنها ستَكفّ يد ابو سمرا في واقعةٍ تُشبه واقعة القاضي طارق البيطار. وبالتالي، سيجمّد الملف في انتظار تشكيل الهيئة العامة في مجلس القضاء التي لها الحق وحدها في النظر والبت في خلاصة الدعاوى، الا ان الهيئة العامة في مجلس القضاء الاعلى ما زالت معلّقة لأنّ المجلس ما زال مطوّقاً باعتبارات شخصية قضائية وسياسية، الأمر الذي سيخدم سلامة وليس مصلحة الدولة العامة لأنّ الملف سيجمّد.
وفي وقت علمت «الجمهورية» ان القاضي ابو سمرا تقدّم بطلب اجازة مرضية وبتقرير طبي حتى شهر تشرين بعدما رُفِعت يده عن الملف، وبعد تبلّغه شخصياً الدعوى التي تقدمت بها هيئة القضايا، تشير المعلومات القضائية التي حصلت عليها «الجمهورية» الى انّ ابو سمرا أرادَ بخطوته تلك المساعدة لتسيير الملف وتسريعه وللإسراع في تكليف غيره من القضاة من جانب الرئيس الاول حبيب رزق لله، الذي سيَتوجّب عليه بعد كَف يد ابو سمرا تسمية وتعيين محقّق جديد لملف الحاكم.
فمَن هو المحقق الذي سيقبل المهمة الصعبة؟ واذا ما تَجرّأ وأصدر مذكرة التوقيف هل هناك مَن سيتجرأ وينفّذ؟
مرلين وهبه- الجمهورية