ضغط دوليّ في أيلول ..أو غضب وشارع: الثنائي يتجنب مرشح التحدي؟

“مكتوب” لودريان يُقرأ من عنوانه. فقد اتّضح مضمون الرسالة الفرنسية التي استفزّت عدداً من القوى السياسية في لبنان، فجاء الجواب سريعاً وعلنياً بتشكيل جبهة من 31 نائباً وقّعوا على ردّ علنيّ رفضوا فيه “أيّ شكل من أشكال الحوار مع الحزب”، وطرحوا قضية السلاح على الطاولة.

في المقابل يبدو “الثنائي الشيعي” أكثر تساهلاً مع رسالة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بعدما قرّر الردّ على الرسالة خطّياً وعلنياً تأكيداً منه على ترحيبه بالحوار وبالمهمّة الفرنسية التي تُعتبر في عُرف كلّ من يُعنى بالشأن اللبناني داخلياً وخارجياً “الفرصة الأخيرة” للمبادرة الفرنسية وموفدها، الذي سيتوجّه في أيلول إلى المملكة العربية السعودية ليتسلّم وظيفته الجديدة: “رئيس الوكالة الفرنسية لتطوير منطقة العلا” التاريخية والأثرية والسياحية.

فرصة أخيرة للفرنسيّ والقطريّ يتحرّك

ليس بيان “الرفض” الصادر من قوى المعارضة ردّاً على أسئلة لودريان سوى انعكاس لوجود أزمة حقيقية في الأسلوب الفرنسي في مقاربة الأزمة اللبنانية. يُضاف ذلك إلى حجم الاختلاف بين المقاربتين: الفرنسية من جهة، والأميركية السعودية القطرية من جهة أخرى.

في الكواليس كلام عن انتهاء الفرصة الفرنسية الأخيرة في أيلول بعد عودة لودريان في الأوّل منه. والصفحة الجديدة ستتظهّر في توجّه دولي إلى ممارسة ضغط كبير على لبنان عنوانه “رئيس تسوية بين كلّ اللبنانيين يتمتّع بالصفات التي طالما كرّرتها المراجع الدولية وذكرها بيان اللجنة الخماسية في اجتماعها الأخير”.

“ضغط أيلول” سيضع الرئاسة على نار حامية حتى تشرين الأول المقبل. غير أنّ هذا الضغط الدولي والإقليمي ستترجمه الحركة القطرية باتجاه إيران ولبنان، وتحديداً صوب الحزب. وعماد هذا الحراك انتخاب رئيس للجمهورية قبل إجراء أيّ حوار من أيّ نوع. وعليه يمكن فهم موقف القوى المعارضة على أنّها تحاكي الموقف الدولي والإقليمي معاً، بانتظار نتيجة الحراك القطري الإيراني الذي نجح حتى الساعة في اختبار “إطلاق سراح الرهائن الأميركيين مقابل إطلاق سراح مليارات الدولارات الإيرانية”. والحراك القطري اللبناني الداخلي ما يزال مستتراً في الكواليس السياسية.

حوار الحزب وباسيل: كلّ الأوراق مكشوفة

في موازاة المسار الدولي، وتحديداً بعد انتهاء فرصة الفرنسيين الأخيرة، هناك مسار حراك لبناني داخلي أكثر ما يميّزه هو وضوحه بالنسبة للطرفين. فالحزب قد تسلّم ورقة مكتوبة من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، سيدرسها ويجيب عليها، وتتضمّن بنوداً تشريعية عليها أن تمرّ في قنوات الرئيس نبيه برّي.

لكن في انتظار نتيجة تطوّر هذا التفاوض، كلّ من الحزب والتيار يعرف ماذا يريد.

التيار الوطني الحر يرفض انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ويريد التفاوض مع الحزب على اسم آخر يوفّر للفريقين الضمانات المطلوبة. لذلك لا يريد باسيل أن يقطع سبل الحوار مع المعارضة.

في الوقت نفسه يرفض باسيل ما يعتبره ابتزازاً له من جانب الحزب وفق معادلة “إذا مش سليمان جوزف”. لكنّ باسيل يضمن صعوبة ذهاب الحزب إلى انتخاب قائد الجيش جوزف عون لأنّ التيار الوطني الحر سيكون حينها في المعارضة وسيضطرّ الحزب إلى أن يتعايش في الحكومات مع القوات اللبنانية والقوى الأخرى الخصمة له. هكذا تبرّر مصادر التيار رفض باسيل أن يضع نفسه تحت “الأمر الواقع” ضمن هذا الخيار، “وإلا فليذهب الحزب إلى الحكم مع خصومه”.

مصادر مقربة من باسيل تقول لـ “أساس” أنّ “التفاهم بين التيار والحزب لا زال صعباً وبعيداً ومعقداً، وأنّ انتخاب فرنجية من قبل التيار غير وارد قبل تحقيق الشروط الثلاثة التي يبدو أنّها صعبة جدًا”، وقد أصدر المكتب الإعلامي لباسيل بياناً جاء فيه: “أنّ كلّ ما يصدر عن موافقة باسيل على تأييد فرنجية غير صحيح إطلاقاً وهو ما يزال ملتزماً مع المعارضة ترشيح أزعور”.

في المقابل للحزب حسابات أخرى. فهو يصعب عليه التفاهم مع باسيل على غير مرشّحه سليمان فرنجية ويراهن على تغيّر موقف باسيل من فرنجية قريباً. بل سبق أن أعطى الحزب باسيل وقتاً محدّداً للانتهاء من الاتفاق بينهما على الرئاسة.

عون مرشّح الحزب “السرّيّ”؟

يرفض الحزب أيضاً ما يعتبره “سياسة شراء الوقت” من دون نتيجة، وهي السياسة التي يعتمدها باسيل لتمرير الوقت بانتظار انتهاء ولاية قائد الجيش جوزف عون، وبعد ذلك ينجح في حشر الحزب في المكان الذي يريده. علاوة على ذلك يضع الحزب على لائحته الرئاسية مرشّحين اثنين: الأوّل معلن، وهو سليمان فرنجية، والآخر غير معلن حتى الساعة وإعلانه متروك لوقت التسوية. فإذا نجح الحزب في انتخاب مرشّحه الأول يكون رابحاً، وإذا ذهب إلى التسوية يكون رابحاً أيضاً بذهابه إلى انتخاب شخصية تطمئنه.

لكنّ الأهمّ هو السؤال المطروح أمام الحزب: هل يقبل بانتخاب فرنجية حتى لو وفّر له باسيل الغطاء المسيحي لكن من دون دعم خارجي؟

يجيب المعنيون بالملفّ الرئاسي جازمين أنّ “الثنائي” لا يستطيع الذهاب إلى “رئيس مواجهة” في ظلّ الأزمة الحادّة في البلد. وبالتالي هو بحاجة، كغيره من القوى السياسية، إلى تسوية تعيد انتظام المؤسّسات وتعيد إحياء البلد بدعم خليجي أوّلاً.

ختاماً، يبدو مسار التفاوض مع إيران والحزب الأقرب إلى انتخاب رئيس: إذا نجح فسيكون للبنان رئيس في الخريف المقبل وسيصحّ كلّ الكلام عن نهضة قريبة. وإذا فشل فسيدخل لبنان أزمة كبيرة وفراغاً معطوفاً على فراغات، أخطرها ليس في الرئاسة الأولى فقط، بل في المؤسسة العسكرية حيث يعاني المجلس العسكري من فراغ في رئاسة الأركان. وفي حال فراغ قيادة الجيش ورئاسة الأركان فسيكون مصير المؤسسة ومعها البلد في عتمة دائمة بدأت مؤشّراتها تظهر كهربائياً في المطار في الساعات الأخيرة. وحينها لن تنجح الضغوط في إسكات اللبنانيين الغارقين في العتمة والجفاف والجوع ولن يكون هناك اعتذارات، بل غضب فقط… وشارع.

جوزفين ديب- اساس

مقالات ذات صلة