هل تعاطت الــMTV مع حادثة “الكحالة كــ”خبطة اعلامية” و”مادة إخبارية مثيرة”؟

اتهام “إم تي في” المرفوض..والقناة غير المنزّهة عن الخطأ

يستدعي هجوم “حزب الله” على قناة “أم تي في” نقاشاً هادئاً، خارج الاصطفافات السياسية، لا ينظر الى تحريض الحزب على القناة على أنه مبرر، كما لا يعتبر الاعلام منزهاً عن الحسابات السياسية، وذلك في غياب مواثيق شرف وضوابط اعلامية، سواء عبر القانون أو عبر تفعيل التنظيم الذاتي داخل المؤسسات.

والهجوم على القناة، ووسمها بالـ”خبث” حيناً، واتهامها بالتحريض في أحيان أخرى، هو في المبدأ مُدان ومستنكر ومُستهجن، ولا مبرر له ولا أعذار، وينطوي على أخطار تهدد العاملين، وعلى تهديدات للوسيلة الاعلامية نفسها يقوّض حريتها.

الإعلام، في وظيفته المجردة عن أي حسابات سياسية، هو ناقل للوقائع. يُنتقد حين يفتعلها أو يختلقها أو يضخمها. هذه هي الأصول المهنية، في أي بلد طبيعي غير لبنان، وهي الأصول التي لم تطبقها تغطية قناة “أم تي في” لحادثة الكحالة، فوجب نقدها من دون تخوينها، نقاشها لتصويبها من دون “هدر دمها”.

ثمة خطان متوازيان في النقاش. جمهور حزب الله، يفترض أن الاعلام في لبنان يجب أن يكون موجهاً، يتعامل مع بيانات رسمية، أو مضبوطاً تحت سقف التسويات السياسية والمعالجات السرية لأي أحداث، تماماً كما هو الأمر في تجارب بلدان تحكمها أنظمة مستبدة أو شمولية، ينحدر فيها مستوى الحرية الى حدود دنيا، وهذا ما لا يمكن للبنانيين القبول به.

وفي المقلب الآخر، يُسقِط المدافعون عن “إم تي في”، على تغطيتها الأخيرة، تجارب بلدان مختلفة تتمتع بمستوى عالٍ من الحرية المجردة من الحسابات الطائفية، حرية المواطنة تحت سقف القانون. ويذهب هؤلاء الى اعتبار لبنان مثل النروج مثلاً، بلداً بلا نزاعات أهلية، ولا اعتبارات طائفية وسياسية، والأهم أنه محكوم بمؤسسات حقيقية وفاعلة والدولة فيها راعية الحقوق والواجبات والأمن القومي.

ثمة مبرر واحد من جهة “إم تي في”، جرى تعميمه، وتناقله موظفون واعلاميون في القناة، يقوم على فرضية إنها تعاطت مع “سكوب” (سبق صحافي)، وأن أياً من وسائل الإعلام الاخرى، ما كان ليتردد في طمسه لو حصل عليه. ويزيد هؤلاء بأن التغطية ليست سبباً في ما حصل، بل هي نتيجة، بينما أصل المشكلة تقع في الشاحنة التي تنقل السلاح.

هذا التبرير يندرج في إطار “كلام حق”، لكنه في الوقت نفسه، اختزال لواقع لبناني يقف على كف عفريت. فالبلاد المنقسمة عمودياً، سياسياً ومذهبياً، وتتازع الخيارات الوطنية بين التقسيم والفدرلة والتعايش مع سلاح حزب الله، أو حتى التعايش مع الطائفة الشيعية. لا يمكن تطبيق المعايير البديهية عليها، وإلا لماذا ينصّ قانون العقوبات اللبناني في مادته 317 على أن “كل عمل، وكل كتابة، وكل خطاب، يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة، يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات”؟

تلحظ مواثيق الشرف الاعلامية والسياسات الداخلية، تلك الخصوصية اللبنانية، في بلد اختبر ثلاثة حروب أهلية منذ العام 1840، وعشرات التوترات بين طوائفه ومذاهبه وعشائره، ولم يتعلم من دروس الماضي، كما لم يتخطَّ الحسابات الطائفية في أي اشكال.

وعليه، لم تأخذ القناة بعين الاعتبار هذا الجانب. بمعزل عن الاتهامات لها بالتسييس أو الاصطفاف الى جانب قوى سياسية تتبنى معارضة حزب الله ومواجهته، يفترض حُسن النية أن القناة تعاطت مع الحدث من موقع “الخبطة الاعلامية” و”المادة الإخبارية المثيرة”، وهو خطأ، حسب العُرف اللبناني الذي لا يماثله عُرف آخر في العالم. العُرف نفسه الذي فرض آلية مهنية في أوساط الصحافيين اللبنانيين تقول بتقنين “كَتم الخبر” إذا ما تعارض مع المعايير الوطنية، أو على الأقل، تأجيله، أو صياغته برويّة.

يقول صحافيون من باب التندّر إنهم غالباً ما لا ينشرون أكثر من ثلث ما يعرفون، ولا يتلقون من سياسيين إلا ثلث الحقائق. يقنّنون في الخبر، من باب حماية السلم الأهلي، ولتجنب الدعاوى القضائية أو حتى التهديدات بكافة أشكالها.. فيما يتحفّظ السياسيون لأسباب متعلقة بطبيعة الملفات والتفاوض والصفقات والتنازلات ورفع سقوف الشروط. ويتفق الطرفان على العبارة اللبنانية: “المجالس بالأمانات”! و”إم تي في” لم تهبط في لبنان من المريخ، هي ابنة البلد ومناخه الإعلامي والسياسي، وبالتالي يُفترض أنها ليست غريبة عن نوع المسؤولية المفترض التحلّي بها.. مسؤولية من نوع مختلف عن سائر أنحاء العالم المتقدّم، لكنه لبنان الذي يعرفه الجميع.

البناء على ما سبق، يدفع للإفتراض بأن القناة غير منزّهة عن الخطأ في حادثة الكحالة. كان يمكن أخذ العوامل السياسية والانقسامات الطوائفية بعين الاعتبار، فتؤجّل النشر الى ما بعد انتشال الشاحنة، أوتقدم “معلوماتها” بشكل أهدأ، أكثر رصانة، وبلا تجييش وتحشيد. ليتحدد النقاش، عندها، في الإطار السياسي القائم حالياً، لجهة الجدال حول سلاح حزب الله، واستمراره بالتسلح، وصولاً الى تسعير طروحات مناقشة الاستراتيجية الدفاعية أو رفضها بالكامل وحصر السلاح في يد المؤسسات الرسمية، حسبما ورد في بيان النواب الـ31 اليوم الأربعاء.. ولكانت البلاد تجنبت قتيلين، من دون أن تخسر المعارضة فرصة الانقضاض السياسي على الحزب، لكن بلا خسائر في الأرواح.

في ظل هذه التعقيدات، وتمسّك كل فريق باتهاماته ومبرراته، يظهر أن النقاش خرج من إطار النقاشات الاعلامية. انزلق الى السياسة، بكل موبقاتها وحساباتها اللبنانية، ووضع الإعلام في مصاف “الذراع” لاصطفافات سياسية، سواء اعلام “حزب الله”، أو معارضيه، بما يتخطى دوره المفترض كناقل لخبر، أو لإعلام الجمهور… أو حتى الترفيه عنه.

نور الهاشم- المدن

مقالات ذات صلة