الإقامة في العصر الحجريّ: مش عيب.. المهم المعنويات مرتفعة!
تستمر الحروب الكلامية بين إسرائيل وحزب الله. والمهزلة أن انتصارات تُبنى عليها، وتحدد موازين القوى وتوازن الرعب وتكرس معادلة الردع الاستراتيجي… ولا يهم إن بقيت سلسلة المعارك الخطابية هذه من دون واقع فعلي ملموس على الأرض.. واقتصرت مفاعيلها على المنابر ووسائل التواصل الاجتماعي.. ولا يهم أنها لم تُتَرْجَم ردّاً معتبراً ووازناً على الغارات الصهيونية التي تستهدف، كلّما طاب لها، مخازن أسلحة المحور الإيراني، وبدقّة من يتلقّى المعلومات من نبعها في الربوع السورية.
ولكن مثل هذا التفصيل التافه لا يؤثر على “المداميك الاستراتيجية” المنبثقة من حالة النكران المتعاظمة التي تعتبر أن تأدية الواجب من خلال التهديد يكفي ويفي بالمطلوب.
بالتالي، لا بد أن تُثمر هذه الحروب التي تعتمد العيار الثقيل من القذائف اللغوية، بما هي عليه من متانة وحزم، تداعيات يجب أن تؤرق الأعداء، في الداخل اللبناني، تماماً كما تؤرق أعداء الخارج من شياطين كونية تستخدم “حرب النجوم” بغية القضاء على “المقاومة”.
أو أنّ المحور وأذرعه لا يملكون إلا التهديد والوعيد وتسجيل المواقف تجاه العدو الخارجي، أو لعل الهدف منها هو القضاء على أعداء الداخل فقط.. أو إرهابهم لإخضاعهم.. وإلا لم اللعب على وتر الفتنة والحرب الأهلية، التي تشبه بمفاعيلها ما يضمره لنا العدو الغاشم من عدوان يردّنا إلى العصر الحجري؟
أو لعل المطلوب من التهديد إنكار حالة الرفض الشعبية المتزايدة، وإيهام الجمهور الحاضر لأن نشوة القوة كافية للتعايش مع فقر الناس وقلة حيلتهم على باب المستشفى وعجزهم عن دفع أقساط أولاده المدرسية، واضطرارهم إلى دعم واقعهم المالي اليومي ببطاقات تُمنح إلى الأوفياء ممّن لا ينكثون بالعهد ويلتزمون بالوعد.
بالتالي فإنّ الحروب الكلامية العنيفة بالنبرة وقوّة مخارج الحروف باتت تشكّل مرتكزاً لسير المعارك الافتراضية، ووسيلة لاستعراض القدرة على السيطرة، إلى جانب وسائل أخرى، وإن على طريقة “ابي أقوى من أبيك”..
مش عيب.. المهم أن تبقى المعنويات مرتفعة..
لكن العيب في أن من يشنّ هذه المعارك يتجاهل أنّ اللبنانيين باتوا يفضلون الإقامة في العصر الحجري على ما هم فيه. على الأقل هم سيعيشون حينها في كهوف ومغاور ولا يُثقلون كواهلهم بتسديد إيجارات لشقق سكنية، وكذلك لا يدفعون فواتير بالدولار مقابل الكهرباء اللعينة، ولا يتابعون ارتفاع أسعار الوقود وانقطاعه وبيعه في السوق السوداء، ولا يحتاجون في الأساس سيارات، فيتخلّصون من التلوث الذي تسببه وحشية الحضارة وما يستتبعها من كماليات كالطبابة والتعليم والملبس والمأكل إلا ما تجود به الطبيعة الأم.
بالتالي، إذا ما عاد اللبنانيون إلى العصر الحجري، فهم سيحددون خساراتهم اليومية، لا قرش أبيض ولا قرش أسود.. ولا حقوق طوائف ولا تجييش لقضايا مصطنعة بناء على الانتماء العقائدي والديني. فالإقامة في العصر الحجري تشطب كل هذه الأعباء المعنوية والمادية التي صنعتها طغمة الفساد الحاكمة بأمرها والمتحكمة بمصيرهم، ويستغنون عن الدولة العاجزة والمرتهنة للمحور ومن يحميهم من ” أقذر الناس”، لتبقى فقط غريزة البقاء هي السائدة ووفق قوانين الطبيعة، لا وفق قوانين من يتفوق على شريعة الغاب في ابتكار وسائل التنكيل بهم.. ولا يكتفي بذلك، بل يعمد إلى نغمات التخوين وهدر دماء كل من يعارضه ويعلن رفضه للقتل الممنهج في مسيرة المحور وأذرعه بهدف استكمال الهيمنة المسلحة واستمراريتها.
فالمعطيات التي تزخر بها الساحة اللبنانية تجعل الإقامة في العصر الحجري ومواجهة وحوشه أرحم من المعاناة المستدامة في بلد الإشعاع والنور، ولا تحتاج إلى عدوان من الخارج، فقد سبق الفضل..
سناء الجاك- نداء الوطن