البيئة المسيحية تدفع باسيل إلى الانقلاب على “فتات” حزب الله !

دفعت حادثة الكحالة إلى “انكشاف” موقع جبران باسيل زعيم التيار الوطني كـ”غطاء” لسلاح حزب الله في بيئة مسيحية ترفض التعايش معه، وهو ما دفعه إلى التساؤل عما إذا كان التيار يحصل من “الفتات” على ما يساوي المغامرة بمكانته في هذه البيئة.

فعدا تيار المردة الذي يتزعمه سليمان فرنجية، وهو قوة سياسية صغيرة، فإن التيار الوطني الحر بقيادة باسيل هو الطرف المسيحي الوحيد المتحالف مع حزب الله. وعلى الرغم من أن باسيل جرب في أكثر من مناسبة أن ينقلب على هذا التحالف منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، إلا أن “الابن الضال” ظل يعود الى أحضان حزب الله، أملا في التوصل إلى تسويات تسمح له بالظهور كقوة أساسية قادرة على جلب المنافع في الوسط المسيحي. ولكن هذا الأمل خاب عندما ظلت الأزمة الاقتصادية تتفاقم، وعندما فشل الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون (مؤسس التيار) في إيجاد حلول لها، بسبب ممانعة حزب الله في الإصلاحات. وفيما بعد بسبب اختيار حزب الله لفرنجية كمرشحه للرئاسة، مما أحبط تطلعات باسيل. حتى جاءت حادثة الكحالة، بما أثارته من استياء مسيحي عريض، لتجعل دور باسيل كغطاء لحزب الله دورا مستحيلا.

وقال باسيل في معرض تعليقه على حادثة الكحالة “إن ما جرى له دلالته الكبيرة بأنّ هناك أماكن ومواقع وشعبا عصيّا على أي إساءة، ويدل على أهمية أن تكون المقاومة محتضنة من الشعب اللبناني، وإلا تفقد مناعتها وقوّتها، يحمي ظهرها شعب وليس شخصا. لا يكفي أن تكون هناك وحدة شيعية، الوحدة الوطنية تبقى أكبر وأكثر مناعة”.

وأضاف “الدلالة كبيرة على أهمية الإستراتيجية الدفاعية الوطنية التي تنظّم موضوع السلاح، كي لا يشعر أحد بخطر منه بأي منطقة في لبنان، الطرقات والتواصل داخل البلد أهم بكثير من المحاور والممرّات والمعابر الخارجية”.

ويقول مراقبون إن هذا الموقف يعد بمثابة “تكويعة” جديدة لباسيل، سببها الرئيسي هو أن البيئة المسيحية لم تعد تتحمل تعديات حزب الله واستعداده لاستخدام سلاحه داخل البلدات المسيحية، أو تحويلها إلى ممرات لوجستية له.

وكان النائب عن التيار الوطني الحر، سيزار أبي خليل، أكثر وضوحا من باسيل عندما كذّب رواية حزب الله لما جرى في الكحالة، واعتبر أن تصريح باسيل بمثابة إعلان عن غياب “الغطاء المسيحي” تماما، ودعوة لحزب الله إلى تقديم تنازلات مقابل استعادته.

ويقول ناجي الحايك، الناشط السياسي في التيار، إنه “ما من استهداف مؤامراتي للعلاقة مع حزب الله، وإنما هناك نقمة ناجمة عن تجاوزات حزب الله نفسه، وتعاطيه مع حلفائه المسيحيين والبيئة المسيحية عموما، لاسيما مع تجاهله لمصالح حلفائه ومطالبهم، واقتصار نتائج التحالف والعلاقة معه على الأثمان التي دفعها التيار والمسيحيون دون مقابل”.

وشدد الحايك على أن ما يطلبه المسيحيون في لبنان من حزب الله اليوم “بسيط جدا وليس تعجيزيا، التيار الوطني كان يقف إلى جانبه ويحقق له ما يريد دون أي مقابل سوى الفتات”.

وللمرة الأولى بدأ أنصار التيار الوطني الحر يطالبون بأن تقوم العلاقة مع حزب الله على أساس “توازن المصالح” بدلا من التبعية بلا ثمن باعتبارها “واجبا”.

ومع ذلك يقول مراقبون إن “الثمن” الذي يطلبه باسيل غير قابل للتحقيق، بأن يكون هو مرشح الحزب للرئاسة بدلا من فرنجية، لأن الحزب حسم أمره من هذه الناحية، وقدم لباسيل ما يناسبه من فتات عندما وافق على “تنازلين” سابقين يتعلقان بإقرار مشروعي اللامركزية الإدارية والمالية.

ويرى مراقبون أن باسيل بات قادرا على ملاحظة أن تياره يفقد المزيد من نفوذه داخل بيئته المسيحية، ليس لأنه لم يحصل على ثمن الغطاء الذي وفره لحزب الله من خلال “اتفاق مار مخايل” عام 2006 فحسب، بل أيضا لأن الأغلبية المسيحية باتت مقتنعة بأن الطلاق مع حزب الله وتجريد سلاحه من الغطاء المسيحي ودفعه إلى أن يبقى كسلاح طائفي يخدم أغراضا أيديولوجية وتوسعية إيرانية، لا علاقة للمسيحيين والمسلمين السنة بها، وهو الذي يجبر باسيل على إعادة النظر في “الفتات”.

وفي دلالة على مدى عزلة حزب الله قالت مجموعة من الأحزاب والتجمعات السياسية، هي “الكتلة الوطنيّة” و“تقدّم” و“خط أحمر” و“لقاء الشمال 3” و“تيّار التغيير في الجنوب” و“ائتلاف انتفض للسيادة للعدالة” (طرابلس) و“عكار تنتفض”، إن حادثة الكحالة “تشكل مع ما سبقها من أحداث أمنيّة متفرّقة تطوّرًا سياسيًا وأمنيًا خطيرًا يجعل من كل منطقة وقرية في لبنان هدفًا للاستباحة ودرعًا بشريًا يتلطّى خلفه سلاح حزب الله وكل سلاح خارج سلطة الدولة والمتنقّل بين البيوت والمدن والمرافئ”.

وأضافت في بيان مشترك “إنّ منطق الفرض والقوّة الذي يمارسه حزب الله بحق جميع اللبنانيّين يشكّل تهديدًا لمشروع بناء الدولة ومنع قيامها، حيث إنّه عبر حروبه المتنقلة في لبنان والخارج، يُطيح بالأمن والسيادة والسّلم الأهلي، وهو يزيد من خطر الانزلاق إلى المزيد من الفتن وتعميق الانقسام الداخلي، الأمر الذي يُحيي هواجس الحرب الأهليّة ويسمح بالاستثمار فيها”.

ويرى الكاتب السياسي منير الربيع أن ردود الفعل الشعبية والتعليقات التي تلت حادثة الكحالة توضح أن الجماعات اللبنانية المختلفة “ما عادت مستعدة للتعايش مع بعضها البعض، وسط تنامي أصوات التقسيم والانفصال والطلاق بينها”.

ويقول مراقبون إن فكرة “الطلاق” مع حزب الله تمضي في اتجاه اللامركزية الإدارية والمالية، وصولا إلى الفيدرالية، بحيث يمكن لكل منطقة من مناطق لبنان أن تسيطر على شؤونها الخاصة، فلا تستباح من سلاح حزب الله.

العرب

مقالات ذات صلة