حزب “المئة ألف مقاتل والمئة ألف صاروخ”… وضعفه المتراكم!

لا يمكن تفسير العرض العسكري الذي قدمه “حزب الله”، أمس الأحد، بمدرعاته ومدافع دباباته المجمعة في البقاع، إلا بحاجته إلى استعراض فائض القوة، وذلك للتغطية على علامات الضعف التي تتراكم، وتشكل بالتأكيد تهديدا مباشرا لوجوده حاكما بأمره على الساحة اللبنانية.

والحزب مدرك لهذا الواقع، فهي ليست المرة الأولى التي يكثف استعراضاته العسكرية بعد كل ضربة يتلقاها عندما يحسب أنه قادر على الاعتداء، فيخسر رهانه وتفلت الأمور من سيطرته. حينها يسارع إلى امتشاق لغة التهديد وبشكل متكرر وبسقوف مرتفعة.

موقعة الكحالة واشتباك الحزب مع أهالي البلدة، واضطراره إلى الاستعانة بالجيش اللبناني للخروج من مأزقه بعد سقوط قتيل له، تدخل في هذا السياق، فهي كشفت جانبا من جوانب ضعف، واضح أنه يتراكم.

والأهم أن ما ينتاب حزب “المئة ألف مقاتل والمئة ألف صاروخ والعدد والمدد من ترسانة الأسلحة” لم يعد يقتصر على إفهام المارقين والرافضين جبروته بجهوزيته “لاحتلال البلد”، وانما تجاوز ذلك إلى حلفائه.

فقد شهد الأسبوع الماضي، إضافة إلى موقعة الكحالة وارتداداتها، موقعة أخرى قريبة من عقر داره في جنوب لبنان، حيث أسفر اشتباك بين عناصر الحزب وما يعرف بميليشيا “سرايا المقاومة”، التي يدربها الحزب ويسلحها، من خارج بيته الشيعية الحاضنة، عن سقوط قتيل له، وبالطبع لم يحظ هذا القتيل بتشييع وخطابات وتحريض كما حظي قتيل الكحالة.

وتكرار مثل هذه الاشتباكات له دلالات لا يستهان بها تفضح اهتراء يصيب أي تشكيل عسكري خارج إطار الدولة، ويضعفه.

وهي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة على ما يبدو، فأسباب مثل هذه الأحداث المتنقلة موجودة ولا سيما بعد إظهار الفريق المسيحي، وتحديدا من كان متحالفا معه، رفضه لدور الحزب المصادر سيادة البلد ومؤسساته وقراراته المصيرية، وتحديدا لجهة إصراره على فرض رئيس للجمهورية هو سليمان فرنجية.

بالمختصر، كشفت حادثة الكحالة خسارة الحزب لشرائح لبنانية أساسية كانت إما تؤيده، أو تقف على الحياد بينه وبين خصومه. كذلك كشفت مدى صعوبة، أو ربما استحالة إجراء “الحليف المعلق” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل صفقة بالموافقة على مرشح الحزب مقابل حصوله، كالعادة، على امتيازات تكرس له مزيدا من النفوذ وتحفظ له ماء وجهه في بيئته المسيحية.

فالحزب وضع باسيل بعد الحادثة في موقف محرج، لأنه لم يجد إزاء خسارته أمام أهالي الكحالة واضطراره للاستعانة بالجيش اللبناني حتى ينسحب، إلا اتهام الأهالي، ومنهم من كان يؤيده، بالعمالة لإسرائيل، وبالعمل على اشعال نار الفتنة والحرب الأهلية، مع أن الحادثة لم تكن لتقع لولا أن الحزب حاضر ليستخدم سلاحه “الخفيف” بوجه فريق آخر من اللبنانيين، لم يتورعوا عن مواجهته بسلاحهم الخفيف.

وهذا يعيدنا بالذاكرة إلى موقعة أخرى حصلت بين الحزب وأهالي منطقة مسيحية أخرى هي عين الرمانة على خلفية طمس التحقيق في جريمة تفجير المرفأ، قبل حوالي السنتين، وقبل ذلك اشتباكات مع العشائر العربية، وأخرى في قرية شويا الجنوبية، وفيها كلها، حمل الحزب سلاحه الخفيف وتمت مواجهته وهزيمته، بالسلاح الخفيف الآخر الذي يبرر أصحابه وجوده معهم بأنه للدفاع عن النفس في غياب الدولة القادرة على مصادرة السلاح غير الشرعي.

وهذه السردية من الأحداث الأمنية التي تدحض شعار “سلاح المقاومة”، وتسهِّل كسر “حرمته”، كفيلة بتسليط الضوء على ضعفه المتراكم، الذي يضع مستقبل الحزب على المحك، وفي مرحلة دقيقة جدا من مسيرته، إن لجهة الوضع اللبناني المتأزم والمتفجر والرافض هيمنته إلى حد المطالبة بالفيدرالية للتخلص منه، أو لجهة تطورات الوضع الإقليمي الدقيق، وتحديدا بما يتعلق بمشغل الحزب الإيراني، الذي يستثمر في الورقة اللبنانية، حتى لو تطلبت مصلحته حرق هذه الورقة وفق ظروف المرحلة..

سناء الجاك- سكاي نيوز

 

مقالات ذات صلة