“إعلان بربع الكلفة” لصانعي المحتوى: عمل فرديّ… يضاهي شركات الانتاج!
إذا كانت دعاية لعلامة تجارية على التلفاز في لبنان، تستهدف 4 ملايين مشاهد، فقد تصل في ذروة المشاهدة، الى مليون مشاهد. أما فيديو سرقة منتجات كهربائية من منزل جدة صانع المحتوى باتريك داوود، وهو دعاية لحملة عبد طحان “بدّل قديمك بجديدك”، فحصد نصف مليون مشاهدة على “تيك توك” وحده، في حين تخطى إعلان يارا بو منصف عبر صفحتها لـ”رالي جميل للسيدات”، المليون والنصف المليون مشاهد.
فرضت السوشال ميديا نفسها على عالم الإعلام والدعاية، وبات لزاماً على الشركات والعلامات التجارية، ضم التسويق الإلكتروني لاستراتيجياتها الاعلانية. واليوم، يبرز التعاون مع صناع المحتوى كأحد أبرز أساليب التسويق الرقمي عالمياً. تعاون، هو بالنسبة لصناع المحتوى، عصب اقتصاد مهنتهم، وضمانة استمراريتها.
فماذا عن تجربة داوود وبو منصف؟ وأي تحديات وفرص لصانعي المحتوى في لبنان في مجال الدعاية؟ وهل كل “مؤثر”، هو صانع محتوى دعائيّ؟
باتريك داوود: من المسرح إلى إنتاج الدعاية
مشكلة “عظيمة” و”سخيفة” في آن، هي الشعور بالملل والحيرة بين الرفقة: “ما عارف لوين بدنا نضهر”؟ فجأة تُظهر إحدى رفيقاته خريطة ورثتها عن جدها، وتستدلّ على موقع فيها لرجل “يعرف الأسرار جميعها”. رجل أدغال، يصل إليه باتريك داوود بصعوبة بعد اجتياز الجبال الوعرة، ورغم بدائية حياة الرجل المختبئ في الغابة، لكنه يرشد باتريك وزملاءه إلى تطبيق الذي سيرشدهم بدوره إلى أماكن السهر.
هذا “الساركازم” والحبكة الروائية المجبولة بمؤثرات صوتية، هي نموذج عن دعاية نفذها صانع المحتوى والممثل وخريج المسرح باتريك داوود، والذي ساعدته خلفيته المسرحية بالارتقاء بالمحتوى الدعائيّ للاحترافية، واستقطاب علامات تجارية، وتنفيذ دعايات لها عبر صفحته، التي باتت بقوتها تضاهي وسيلة إعلامية بعدد متابعين يفوق المليون بين تيك توك وانستغرام وحدهما.
في السياق يقول لـ”المدن”: “خلفيتي بالتمثيل سمحت لي بابتكار الدعاية كاملة، من إجادة كتابة القصة، إلى تأديتها وإخراجها، وإيصال الفكرة للجمهور المستهدف”.
ولا يفوته معيار المصداقية مع الجمهور، “فالمنتجات التي أنفذ دعاياتها على صفحتي، هي منتجات أجرّبها بالفعل، وأكون قد اقتنعت بها، قبل شروعي بالتسويق لها”.
الكوميديا كأسلوب للدعاية
ويعتمد داوود على محتوى كوميدي في حساباته في “انستغرام” و”تيك توك”، وهو ما ينطبق على الإعلانات التي يبتكرها، لدرجة أنّ المحتوى الدعائيّ قد لا يتم تفريقه عن بقية المحتوى، لناحية الحس الكوميديّ المشترك، وهي نقطة قوة، تجعل المشاهد يتابع الدعاية كاملة، ويكون في قمة المتعة، شأنها شأن بقية الفيديوهات على حساباته.
برأي داوود، ما يميّز الإعلان الذي ينتجه، أنه ليس كدعاية التلفاز حيث يكون المشاهدون “مش مصدقين إيمتى تخلص الدعاية ليكفّوا المسلسل”، فأنا هنا أقدّم لهم المسلسل والدعاية في آن، ومن خلال حبكة القصة، أظهر نقاط قوة المنتج.
عمل فرديّ… يضاهي شركات الانتاج
ويكتب باتريك داوود الفكرة ويخرجها ويمثل فيها، إلى جانب رفاق له من خريجي المسرح أو رفاق موهوبين بالتمثيل، يمدهم بالتوجيهات اللازمة لأداء الدور. ويساعده المصور إدي شكرلله في تصوير الدعاية.
بالمختصر، هو عمل أفراد يقومون مكان شركة إنتاج بالكامل ويخرجون بأفضل نتيجة. وهنا، تتجلى مأساة خريجي المسرح والتمثيل في لبنان، لناحية ندرة فرص التمثيل، وهي مأساة ولّد منها باتريك وزملاؤه فرصة التمثيل في الدعايات التي ينفذها.
في السياق، يقول لـ”المدن” إن “التمثيل بالنسبة لي حياة، والدعاية لها مردود مالي يضمن استمرارية عملي كصانع محتوى، إلا أنّها في ظل تقلص فرص التمثيل في لبنان، تمنحني القدرة على ممارسة شغفي بالتمثيل والكتابة، من دون الحاجة لأن تستثمر بي شركة إنتاج”.
يارا بو منصف: البدء من الصفر
“ما عندك أقصر منّا هالتنورة؟ منخارك إذا فيكي تعمليلو عملية تجميل”… “بحب شو بتعملي أونلاين بس نصيحة خليه الكوميدي للشباب”…
“هيدا جزء من الإشيا اللي سمعتا لأوصل للنجاح يللي وصلتله اليوم. وقوتي إني قدرت ركز عالكلام الايجابي واتجاهل الكلام السلبي، وانتي شو سر قوتك؟” تقول يارا بو منصف في إعلانها بعد 3 سنوات من صناعة المحتوى وتخطي متابعيها عبر “تيك توك” وحده المليون ونصف المليون متابع، تروي تجربتها في صناعة الإعلان عبر حساباتها لـ”المدن”: “أول إعلان نفذته كان بعد عام ونصف العام من صناعتي للمحتوى. والشركات والعلامات التجارية تتعاون مع صانعي المحتوى ذوي عدد المتابعين الكبير، لكنني قررت وقتها أن أبدأ من الصفر”.
“مش غلط” أن يعرض صانع المحتوى في بداية مشواره، المحتوى الذي يصنعه على الشركات التجارية. وتضيف: “بدأت مشواري، بصناعة محتوى يحاكي الإعلانات، لأظهر للمؤسسات والعلامات التجارية، قدرتي على إنتاج إعلان كامل، من الفكرة إلى السكريبت والتنفيذ والتمثيل، وأتمكن من جذب الـ Brands التي أحب التسويق لمنتجاتها، وحثها على التعامل معي”.
وبدأت يارا وحدها واليوم هي تبتكر فكرة الإعلان وتؤديه وتنفذه، إضافة الى الفريق الذي يساعدها في المونتاج والتصوير. وتصل فيديوهاتها الى ملايين المشاهدات. وترتكز على نوعين من الدعاية: الدعاية المباشرة كما في “رالي جميل” والدعاية غير المباشرة كما مع Lux. وتشرح: الشركة أو العلامة التجارية هي التي تختار أي نوع من الإعلان تريد، فبعضهم يفضل الإعلان الذي يتحدث بوضوح عن خدمات المنتج، وبعضهم لا.
ولا تنكر أن هناك صعوبات واجهتها تتعلق بظروف الوضع في لبنان، فخلال عام ونصف العام “كنت أصرف على المحتوى بالكامل، من دون أي مردود مالي بالمقابل”. والوضع هنا صعب لناحية عدد العلامات التجارية التي تتعاون مع صناع المحتوى، إلا أنه وبمجرد إثبات صانع المحتوى نفسه في المهنة، يبدأ المردود المالي برفده بالاستمرارية في المجال.
اللجوء لصانعي المحتوى
تفرّق بو منصف بشدّة، بين تعاون الشركات المعلنة مع صنّاع المحتوى لـ”إنتاج دعايتها”، وتعاونها مع “المؤثرين” والفنانين وغيرهم، لـ”الترويج” للمحتوى، إذ ليس كل مؤثر، صانع محتوى.
فصناعة المحتوى هي مهنة بحدّ ذاتها، وصانع المحتوى لا يروج للمنتج وحسب، بل يخرج بفكرة الإعلان، وينفذه وينشره عبر حساباته في الوقت نفسه.
ويعزو باتريك داوود لجوء المؤسسات لصانعي المحتوى إلى ندرة أفكار الشركات للاعلانات. فميزة صانع المحتوى أنه “يفكر عنها”، ويبتكر فكرة مناسبة لجمهوره، والفيديو على صفحته يبقى لمدى الحياة ما يزيد مشاهدي الدعاية باستمرار.
ولتراجع جمهور التلفاز وتصاعد جمهور السوشال ميديا دور في صعود عمل صناع المحتوى الإعلانيّ، فمشاهدة الإعلان أكثر سلاسة على السوشال ميديا، وأكثر جدوى.
في عالم التسويق، “كلما قللنا الخطوات على المستهلك، كلما وصلت الدعاية أفضل”. والإعلان مع صانع المحتوى يتيح الدخول مباشرة الى الموقع الالكتروني للشركة المعلنة، وهو أمر غير متاح في التلفاز. أما انزعاج المشاهد من تشتيت مشاهدته لمسلسل على التلفاز بسبب الدعاية، فينتفي مع متابعته لصانع محتوى هو بالأساس “يستهضم” محتواه، بدعاية وبلا دعاية.
العامل الماديّ
العامل المادي يبقى جوهرياً للطرفين. فأصغر دعاية متلفزة يكلف إنتاجها من 10 إلى 50 ألف دولار أميركي، عدا عن كلفة عرضها، بينما ينتجها صانع المحتوى ويعرضها بشكل دائم على حساباته عبر السوشال ميديا، بربع كلفة دعاية التلفاز.
وبمعنى آخر، يجمع صانعو المحتوى بين الوسيلة الإعلامية وشركة الإنتاج، فصفحاتهم هي “وسيلة النشر” مضمونة المشاهدات، أما تنفيذهم للدعاية فهو “الإنتاج”.
وفي حين أن الدعاية هي ضمانة استمرارية مهنة صناعة المحتوى، فهي في لبنان، ضمانة لخريجي التمثيل بالعمل في مهنتهم ولو من بوابة الدعاية!
فتات عياد- المدن