«طعن بظهر المودعين»… وتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور!
كانت الطبقة السياسية مع المصرف المركزي بتكافل وتضامن تامّين وخلال سنوات طويلة تسطو على أموال المودعين وتبيعهم أوهاماً من الأرباح، لينكشف هذا الغشّ تدريجياً منذ 3 الى 5 سنوات. ولكنها لم تكتفِ بعد، فها هي اليوم تحت حجّة الحاجة الملحّة وخطر الفراغ في حاكمية مصرف لبنان وتهديد نوّاب الحاكم بالاستقالة إذا لم يُشرّع لهم مجلس النواب المسّ بالإحتياطي الإلزامي، تريد السطو على ما تبقّى من أموال المودعين.
وقاحة السلطة والمصارف تخطّت الخطوط الحمراء، وبات لزاماً على أصحاب الحقّ تصعيد الدفاع عن حقوقهم والساكت عن الحق شيطان أخرس، فهل يستمرّ المودعون والشعب اللبناني بالصمت على إراقة آخر قطرات من تعب سنينهم؟ للوقوف على ردّة فعل المودعين تحدّثت صحيفة «نداء الوطن» إلى مسؤولين في جمعيات تمثّلهم.
الإقتراح «طعن بظهر المودعين»
بداية يؤكّد رئيس جمعية المودعين حسن مغنية، لـ»نداء الوطن»، أن «الإحتياطي الإلزامي ليس ملك مصرف لبنان ولا ملك الدولة اللبنانية»، ويصف طلب تشريع المسّ بالإحتياطي بأنه «استكمال للسرقة، واستمرار للنهج ذاته. وبأنهم يتصرّفون وفق المثل القائل «إصرف ما في الجيْب يأتِك ما في الغيْب».
وإذ يستغرب طلب التشريع، فإنه يشير إلى «تقاذف التهم المتعلّقة بفقدان الودائع، حيث إن المصارف تدّعي أنها أعطتها إلى مصرف لبنان وهو بدوره يدّعي أنه أقرضها للدولة»، لذلك يُحمّل مغنية «الأطراف الثلاثة أي المصرف المركزي والمصارف والدولة مسؤولية فقدان الودائع»، مُحذّراً إيّاهم من «المسّ بالإحتياطي الإلزامي، وهو ما تبقّى من أموال المودعين».
وأنّ مجرّد الكلام عن اقتراح كهذا، يعتبره مغنية أنّه «طعن بظهر المودعين من قبل جميع الأحزاب السياسية»، رافضاً «حصر المسؤولية بمصطلح «الدولة « لأنها كلمة فضفاضة، حيث إن الدولة هي اليوم ممثلة بالأحزاب السياسية الحاكمة وبالذات الموجودة بالحكومة»، وينتقد مغنية الأحزاب تلك بحدّة، مذكّراً بشعاراتها الرنّانة خلال الانتخابات النيابية الأخيرة والتي كانت أبرزها حماية الودائع واستعادتها، لدرجة أن مرشّحيها «عيّشونا الحلم»، إلا أن هذه الأحزاب ذاتها – حسب مغنية – «تودّ أخذ قرار اليوم يصار بموجبه إلى صرف الإحتياطي الإلزامي أي ما تبقّى من أموال المودعين على منتفعين وتجار كما حصل خلال أزمة المحروقات، ذلك لأن هذه الأحزاب الحاكمة اليوم قد جفّت مصادر تمويلها الخارجية وتستمرّ في النهل من مصادر تمويل داخلية».
وينتقد مغنية السياسة القائمة منذ عام 1992 على مفهوم التراضي، إن كان على صعيد التوظيفات أو التلزيمات أو حتى الأمن. فكل شيء في لبنان يقسم بالتراضي، واليوم يتمّ العمل على تقسيم ما تبقّى من الإحتياطي الإلزامي بالتراضي.
وفي عملية نقد ذاتي، ينتقد أيضاً «السواد الأعظم من المودعين وليس جميعهم لعدم تحرّكهم»، لافتاً إلى أنه «عندما تُوجّه الدعوة إليهم للتحرّك من قبل جمعيات المودعين فأغلبهم لا يتحرّك»، وعن التحرّكات التي من الممكن اللجوء إليها في حال أقرّ الاقتراح، يقول «حتى الساعة ليس لدينا أي مخطط، لنترك كل شيء إلى حينه وعندها نبني على الشيء مقتضاه».
وفي ختام حديثه يشدّد مغنية على أنّ «الكلام في الماضي لم يعد يفيد، فمن المفترض أن الجميع أصبح يعلم ماذا حصل»، ويتوقع أن «تتمّ مغمغة قضية المودعين من دون أن تتم محاسبة أيّ من المسؤولين عن هدر أموالهم».
باتّجاه مصرف لبنان هذه المرة
بدوره يقول رئيس جمعية «صرخة المودعين» علاء خورشيد «الإحتياطي هو من أموال المودعين، ما يحصل هو استغباء للناس بدرجة كبيرة، كما أن أغلبية الشعب اللبناني أيضاً تتصرف بطريقة غريبة جداً»، ويلفت إلى أنّ «المبلغ كان يُقدر بـ33 مليار دولار أول الأزمة وصرفوا منه، فلماذا اليوم أصبحوا يريدون التشريع؟».
ويردف خورشيد قائلاً، «منذ زمن وهم يصرفون من الإحتياطي أي منذ عام 2014 و2015 تقريباً، فإن كافة الإجراءات التي كانوا يقومون بها خاسرة وذلك على حساب أموال المودعين، فهناك أشخاص أثروا، وبالطبع فإن السياسيين على رأسهم وكذلك أصحاب المصارف أيضاً، وكل ثرواتهم هذه من أموال الناس».
ويؤكد، أنّه «إذا أُقرّ اقتراح كهذا فستكون هناك خطوات لمواجهته، وستكون مختلفة عن التحرّكات السابقة»، وإذ يُقرّ أن «تحركاتهم اليوم تستهدف مباشرة المصارف»، لكن ذلك لا يعني «عدم إدراكهم بأن الفساد يعشعش بكافة أرجاء البلاد، إلا أنّ معركتهم الأساسية هي مع المصارف وهي هدفهم الأساسي، فالدولة لم تفرض عليها إقراضها بل هي قامت بخطأ كبير عندما طمعت بالفوائد الكبيرة»، وفق ما يلفت خورشيد.
ولدى سؤاله عن الأهداف الجديدة لتحرّكاتهم؟ يشير لـ»نداء الوطن» إلى أنّه «من الوارد جداً أن يكون المصرف المركزي، ذلك لأن علاقتنا معه بالمباشر»، مشيراً إلى أن «تحركاتنا لا تهدف إلى الخراب بل للتنبيه ولحضّ الجميع لأن يعي أن هناك مشكلة كبيرة في البلد لا بل كارثة، مع إدراكنا أن هناك الكثير من قضايا الفساد ولكن الموضوع الوحيد الذي لا لبس فيه هو موضوع المودعين».
وفي حين يستبعد «استهداف منازل السياسيين»، مبرراً ذلك بالقول: «نحن لم نعطِ أموالنا لا لبري ولا لجنبلاط ولا لعون ولا لميقاتي»، إلّا أنه يشدّد على أن «اللعبة اليوم أصبحت مفضوحة كثيراً».
وإذ يُنبه خورشيد بأن «كافة تعاميم رياض سلامة غير قانونية وغير دستورية»، مضيفًا «فعلى الرغم من كم الفساد الهائل الموجود في البلد، هناك قضايا حساسة لا يستطيعون تشريعها، لذا علينا أن ننتظر، ولكن في حال صدر القانون وأقر الإقتراح من خلال تهريبة ما في مجلس النواب كما يحصل في العادة، عندها سيكون لدينا ردة فعل قاسية جدًا».
المسّ بالإحتياطيّ يوصل المواجهة إلى أقصاها
يلفت مؤسس «تحالف متّحدون» المحامي رامي عليق إلى أنهم حتى «من دون المسّ بالإحتياطي الإلزامي، قاموا كمودعين بضغط كبير إن كان في الشارع أو حتى في القضاء»، لافتاً إلى أنهم «كانوا يتوقعون الوصول إلى هنا، لأنه ليست هناك أموال، فالخارج لم يعد يموّل. إضافة إلى أن لا جباية في الداخل في ظلّ عدم تقديم أي خدمات من قبل الدولة».
ويؤكد عليق لـ»نداء الوطن» أنهم «منذ زمن مارسوا التعدّي على الإحتياطي الإلزامي، وما ساعدهم على القيام بذلك هو عدم الإدّعاء من قبل المودعين، بدعاوى على الأقل من أجل تنفيذ حجوزات احتياطية وتنفيذية على الاحتياطي الإلزامي»، ويذكّر «بالقرار الذي أصدرته رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت القاضية مريانا عناني في تموز من العام الماضي، والمتضمّن الحجز لمصلحة مودعين على الإحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان، موجّهاً اللوم هنا الى «المودعين على خلفية تقصيرهم حينها، وانسياقهم خلف الدعايات والإغراءات وعدم تقديمهم دعاوى كافية لحماية هذا الإحتياطي الإلزامي بواسطة إشارات الحجز الإحتياطي والتنفيذي، لكن للأسف انساقوا للدعايات والإشاعات المغرضة».
وأما في حال أقرّ الاقتراح، فيلفت عليق إلى أنهم «منذ البداية وحتى قبل الوصول إلى تعدٍّ كهذا، كنا في الشارع واستعملنا القوة، ودخلنا بموضوع استيفاء الودائع بالقوة والقانون. وما يحصل مؤخّراً من دخول إلى المصارف بالقوة وما تبعها من إجراءات هو خير دليل على ذلك».
وهنا يكشف أنهم «بصدد تغيير طريقة تحركاتهم، حيث إنه إضافة إلى المصارف ستصبح منازل أصحاب المصارف في مرمى أهدافهم، كما أنه ستكون لهم خطط جديدة وموسعة تستعمل للمرة الأولى». ويؤكد أن «موضوع المسّ بالإحتياطي الإلزامي لا يمكن السكوت عنه أبداً وهو حتماً سيوصل المواجهة إلى أقصاها»، مشيراً إلى أنّ «المودعين أصبحوا على قناعة تامة أن لا ثقة أبداً بالسلطة التي لا تقوم بأي شيء سوى بالخديعة».
ويرجّح عليق ألا يُقرّ «الاقتراح، لأنه ليس هناك أي طرف على استعداد أن يحمل «كرة النار» هذه، فالفكرة ليست نظيفة»، مستغرباً طرحها «في هذا الوقت الراهن، حيث كل ما يحصل من تمادٍ وجشع وسوء إدارة لن يترك أي شيء للمودع».
ويؤكد أنهم كممثلين للمودعين «لن يقفوا مكتوفي الأيدي، حيث التجارب خلال السنوات الـ 4 الماضية علّمتهم ألّا يصدّقوا الوعود، ففي كل مرة كانوا يصابون بالخيبة».
ويختم عليق بالقول: «المواجهة ستكون مكلفة لكنها حتمية وهي فرضت علينا، و حتى لو لم يقرّ الاقتراح لكن في ظل وجود هذه الطبقة الطبقة الفاسدة لسنا بحاجة الى أي دليل ولا الى أي مضيعة وقت، سنخوض مواجهة حاسمة إما نحن أو هم وإلا لن تصلح الأمور. وسيشهد المواطنون في الأيام المقبلة عمليات نوعية مختلفة عن العمليات العادية السابقة التي لم تؤدّ إلى النتيجة المرجوّة بسبب الإجراءات التي يتّبعونها، لكن الأيام المقبلة ستحمل تطوّرات جديدة، ونحن نقول ونفعل».
بات تاريخ 31 تموز تاريخاً مفصلياً لأنه قد ينهي حقبة استمرّت حوالي 30 عاماً عاش فيها اللبنانيون على وهمٍ ليستيقظوا على سقطة مدوية ما زالوا يعانون تداعياتها منذ أكثر من 3 سنوات، فهل سيستطيعون النهوض من جديد؟
نداء الوطن