الحاكم المُغادر: ما بعده ليس كما قبله!
يغادر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منصبه اليوم، بعد فترة إمتدت قرابة 30 عاماً، جعلت منه أطول حكّام المصرف المركزي عمراً، تاركاً وراءه جدالاً واسعاً حول السياسة النقدية التي اتبعها، وتحديداً منذ بداية أزمة إنهيار قيمة الليرة اللبنانية، ومسؤوليته المباشرة عن هذا الإنهيار، وتداعيات ما حصل، وهل أنّ سلامة سيمضي إلى منزله ويتقاعد بـ”سلامة”، أم أن ملفات قضائية عدّة تنتظره داخل لبنان وخارجه لمحاكمته حول التُّهم التي وُجّهت إليه من أكثر من جهة.
وبعدما تعذّر تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي بسبب الإنقسام السّياسي داخل حكومة تصريف الأعمال، ونتيجة الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية الممتد منذ 10 أشهر، فإنّ نوّاب الحاكم الأربعة، وتحديداً الأوّل منهم وسيم منصوري، سيستلمون مهام الحاكم المُغادر، بانتظار تعيين حاكم جديد، وهي مرحلة ليس معروفاً متى تنتهي لأنّها مرتبطة مباشرة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
غير أنّ المرحلة المقبلة وهي غير مسبوقة في تاريخ مصرف لبنان منذ إنشائه، إذ لم يسبق أن دخل في فراغ في رأس هرمه كما هو حاصل اليوم، تُطرح حولها أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة عنها، وتحديداً من نوّاب الحاكم، من أبرزها:
أولاً: هل سيتبع نوّاب الحاكم السياسة النقدية نفسها التي سار عليها سلامة وأوصلت البلد والعملة الوطنية إلى هذا الإنحدار الكارثي، وضربت الإستقرار الإقتصادي والمالي والإجتماعي، وجعلت أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر نتيجة سياسة لم تأخذ بعين الإعتبار وضع أغلبية الشّعب اللبناني الذي يعاني أزمة لم يعرفها منذ نشأة الكيان؟
ثانياً: لا يمكن لنوّاب الحاكم الأربعة الإدعاء أنّهم غير معنيين بالسياسة النقدية السّابقة التي اتبعها سلامة، ونفض أيديهم منها، لأنّهم كانوا بشكل أو بآخر شركاء معه في كلّ القرارات والإجراءات التي اتخذها، وكان يمكنهم مثلاً تصويب الأداء، أو الإعتراض، أو كشف ما حصل للرأي العام على أقل تقدير، لكنهم لم يقدموا طيلة الفترة السابقة على أيّ خطوة في هذا الإتجاه، والسّؤال: لماذ لم يفعلوا؟
ثالثاً: يُنتظر أن يكشف نوّاب الحاكم الأربعة، وتحديداً منصوري الذي سيعقد مؤتمراً صحافياً بالتزامن مع مغادرة سلامة مكتبه، وهو مؤتمر سيُبنى على أساسه الحكم على أداء نوّاب الحاكم في المرحلة المقبلة. فماذا سيكون في جعبة منصوري وزملائه، وهل أنّ أداء المصرف المركزي سيكون مغايراً عمّا كان عليه في السّابق؟
رابعاً: هل لدى منصوري وزملائه نوّاب الحاكم أجوبة حول مصير أموال المودعين، والأموال المهرّبة إلى الخارج، وهل لديهم خطّة، ولو مؤقّتة ومرحلية، لاستعادة الليرة عافيتها والقطاع المصرفي والإقتصاد الوطني زخمهما، أم أنّ كلّ ما سيقومون به، أو بإمكانهم القيام به، هو إدارة الأزمة إلى حين تعيين حاكم جديد سيكون عنواناً لمرحلة جديدة ليس واضحاً معالمها بعد؟
عبد الكافي الصمد