نجوم تخلت عنهم أضواء السينما…!
من دواعي تحقيق الشهرة والانتشار وترسيخ مبدأ النجومية العابرة للحدود والتصنيفات، اعتبار النجاح السينمائي لأي فنان أو فنانة هو المقياس الحقيقي للتميز، وهذه مُغالطة كبرى ومعيبة، حيث لا يوجد مقياس في العمل الإبداعي للفنان غير الموهبة الفطرية ومقدار ما يتمتع به من وعي وثقافة، وما دون ذلك من الذيوع والانتشار والثراء والجماهيرية العريضة، لا يُمثل غير الفرص التي قد تتوافر للبعض فيحققوا ما يرنون إليه ولا تتوافر للآخرين فيكتفون بما أصابوا من عائد اجتهادهم الشخصي في التمثيل أو الإخراج أو الغناء أو التلحين أو غير ذلك.
وهناك أدلة كثيرة لفنانين وفنانات كبار راحلين ومُعاصرين، تمتعوا بمواهب كبرى ولهم باع طويل في مجال الإبداع المسرحي والتلفزيوني، لكن فصلت بينهم وبين أضواء السينما مسافات جعلت عطائهم الفني مُنحصرا فقط في المجالين المذكورين، ومن ثم تحددت أطر نجاحهم ونجوميتهم وهم الذين امتلكوا قُدرات ربما تفوق بكثير قُدرات نجوم ونجمات السينما البارزين.
وهناك قلة قليلة للغاية هي التي أسعدها الحظ بالجمع بين نجومية السينما ونجومية المسرح والتلفزيون، ولكن حتى هؤلاء كانت الفرصة المُتاحة لهم هي العامل الأساسي في تمكنهم من تحقيق النجومية على عدة مستويات فما حققوه في السينما من شهرة واسعة أدى بالضرورة للاستعانة بهم في المسرح والتلفزيون بغض النظر عن مسألة القُدرات الفنية ومدى التحقق منها.
من نجوم ونجمات المسرح البارزين في فترات سابقة، الشقيقان حمدي وعبد الله غيث وسميحة أيوب وسناء جميل ومُحسنة توفيق وكرم مطاوع وسهير المرشدي وسهير البابلي ومحمد وفيق وعبد الرحمن أبو زهرة وعايدة عبد العزيز. كل هؤلاء الكبار لم تكن لديهم الفرص الكافية للاستثمار الأمثل لقُدراتهم التمثيلية الفائقة في السينما فقد ظلوا مُرتبطين بخشبة المسرح طوال مشوارهم الفني الطويل.
ولم يُلتفت إلى نجوميتهم وتأثيرهم إلا في حدود ضئيلة، برغم أن مشاركتهم السينمائية المحدودة كانت على قدر كبير من الأهمية، فعلى سبيل المثال شارك حمدي غيث في بطولة فيلم «الناصر صلاح الدين» بدور ريتشارد قلب الأسد وأحدث صدى واسعا في الأوساط الثقافية والنقدية، ثم أبلى نفس البلاء بعد ذلك في فيلم «الرسالة» مع المخرج السوري الكبير مصطفى العقاد.
ومع كل هذا الحضور والتألق لم يُعتد به كنجم سينمائي وظل في نظر المُخرجين والكُتاب والنقاد مُمثلاً مسرحياً قديراً، بينما أعتبر رصيده السينمائي الثمين مجرد إضافة نوعية!
وهكذا كان حظ شقيقه الأصغر عبد الله غيث، الذي ارتبط بالمسرح والتلفزيون أكثر بكثير من ارتباطه بالسينما برغم بزوغ نجمه وتألقه في فيلم «أدهم الشرقاوي» كأول بطولة مُطلقة له، الأمر الذي مثل مُفارقة واضحة في مسيرته الفنية المديدة بلا أسباب منطقية، خاصة أن مُعظم الأدوار التي أسندت إليه في السينما كانت جيدة وعلى المستوى المطلوب وأقربها كان فيلم عصر القوة أمام نادية الجندي قبل نحو عشرين عاماً تقريباً، إلا أنه رغم الإجادة والتميز الواضحين لم يُحقق من وراء أدواره السينمائية المذكورة غير الثقة الجماهيرية والترشح لأكبر عدد من البطولات التلفزيونية والتي كانت سبباً قوياً في احتفاظه بنجوميته ومن أبرزها كان مُسلسل «المال والبنون».
كذلك تأتي أدوار النجمة المسرحية الكبيرة سميحة أيوب كعلامات قوية على عمق موهبتها وقوة شخصيتها وما تتمتع به من كاريزما في الأداء والصوت والإلقاء، حيث لا يُمكن نسيان أدوارها المُعتبرة في مسرحيات مثل «سكة السلامة» و«كوبري الناموس» و«المحروسة» و«دماء على ستار الكعبة» وغيرها الكثير.
ومع ذلك لم يتناسب حضورها السينمائي في الأفلام القليلة التي شاركت فيها مع نجوميتها المُهيمنة في المسرح وقوة تأثيرها في الأدوار التلفزيونية كدورها المهم في رائعة نجيب محفوظ عصر الحب على سبيل المثال ودورها في مسلسل «لسه بحلم بيوم» مع نور الشريف، فغاية ما استطاعت تقديمه في السينما عبر العشر سنوات الماضية دور بسيط في فيلم «تيتة رهيبة» مع محمد هنيدي.
الفنانة مُحسنة توفيق أيضاً لم تحظ بما تستحقه في السينما، فأدوارها بالغة التميز لم تُمكنها من الوصول إلى مستوى البطولات الرئيسية حسب المقياس التقليدي للمُنتجين والمُخرجين، فهي الأكثر تألقاً في فيلم «العصفور» وفيلم «قلب الليل» وصاحبة القُدرات الخاصة في مسلسل «ليالي الحلمية» والمُمثلة القديرة على خشبة المسرح القومي، وبرغم كل مقوماتها الإبداعية وتنوعها الثقافي الثري ظلت مُقلة في أعمالها السينمائية ولم ترتق إلى ما كانت تأمل فيه على الشاشة الكبيرة.
ومثل كل هؤلاء اتسمت أدوار الفنانة عايدة عبد العزيز إلى حد كبير بالجدية والأهمية في المسرح والسينما والتلفزيون. فقد قدمت العديد من الشخصيات، ربما كان أبرزها في التلفزيون دور وكيلة مدرسة البنات الثانوية في مسلسل «ضمير أبلة حكمت» مع فاتن حمامة ودور عدلات زوجة عبده القماش تاجر المُخدرات أنور إسماعيل في فيلم «النمر والأنثى» مع عادل إمام، حيث جسدت شخصية المرأة القوية الصارمة.
وتُعد الفنانة عايدة عبد العزيز من بطلات الأدوار الثانوية فلم تتجاوزها منذ بدايتها وحتى رحيلها وذلك للاعتبارات ذاتها الخاصة بالفرص والعلاقات والمراحل العُمرية واختيارات المُخرجين ووجهات نظرهم الخاصة في المُمثل وتقييمهم لقدراته، وهي اعتبارات لم تكن في كل الأحوال موضوعية ومُنصفة.
كمال القاضي- القدس العربي