الأسابيع الفاصلة: وساطة قطر مع إيران؟
أيلول لودريان ينتظر نتائج تواصل الدوحة مع طهران؟
“الكوّة” التي فتحها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، كما وصف رئيس البرلمان نبيه برّي اقتراحاته بعقد مشاورات في أيلول حول “طاولة عمل”، خلّفت الكثير من الأسئلة، في انتظار اكتمال عقد الموافقات من سائر الكتل النيابية على دعوة لودريان الفرقاء إلى هذه الطاولة. والأسئلة بدأت فور مغادرة الموفد الفرنسي، عن المرحلة الفاصلة مع أيلول، ثمّ عن انعقاد طاولة “العمل” وما بعدها.
إنّ تحديد لودريان لجدول أعمال “الطاولة” ببندين، الأول يتعلّق بمواصفات الرئيس والبرنامج المطلوب أن يتبنّاه، والثاني الانتقال إلى عقد جلسات متتالية ومفتوحة لانتخابه، لا يغني عن طرح إشكاليّات. فلطالما شهدت الأشهر التسعة الماضية من الفراغ موجات من الآمال و”فتح الكوّات” انتهت بالخيبات.
الأسابيع الفاصلة: وساطة قطر مع إيران؟
– أوّلاً: ماذا سيجري من الآن حتى مطلع أيلول؟ ولماذا أجّل لودريان “طاولة العمل” أكثر من شهر؟
بالإضافة إلى الافتراض المنطقي أنّ شهر آب هو شهر إجازات، يراهن البعض على أنّ فسحة الوقت ستتيح مواصلة الاتصالات مع إيران مجدّداً لطلب تدخّلها لدى الحزب، من أجل تسهيل ملء الفراغ وعدم تعطيل النصاب في جلسات الانتخاب. هذه الاتصالات باشرتها قطر بزيارة وزير الدولة في الخارجية القطرية محمد عبد العزيز الخليفي لطهران في 23 تموز، أي بعد خمسة أيام على اجتماع الدوحة الخماسي حول لبنان، في سياق وساطة الدوحة بين الجانبين الإيراني والأميركي لإحياء المفاوضات في الملفّ النووي الإيراني. لكن في 26 تموز صرّح المتحدّث الرسمي للخارجية القطرية محمد الأنصاري أنّ “التحدّيات كبيرة في هذا الملفّ، ولا يمكن أن تُحلّ من خلال وسيط واحد”، مشيراً إلى السعي “لتحويل هذه القضية الكبيرة إلى ملفّات يمكن التعامل مع كلّ منها على حدة، والوقوف عند نقاط ومفاصل معيّنة ومعالجتها بشكل منفصل، للوصول إلى صورة تجعل الوضع أقرب للاتفاق الشامل بين الطرفين”.
لذلك يجري الحديث، حسب مصادر نيابية لبنانية مطّلعة على جانب من الجهد القطري، عن “الإفراج عن أرصدة ماليّة لطهران تقدَّر بقيمة 16 مليار دولار”، بعدما توقّفت المفاوضات المباشرة التي كانت جارية بين الأميركيين والإيرانيين في سلطنة عمان قبل أسابيع لخلاف على هذه النقطة وغيرها. ويتمّ التحرّك القطري في ظلّ دعوات إيرانية داخلية إلى ضرورة إحياء التفاوض الشامل مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية، التي تنسّق معها قطر عن قرب، وتحمل منها الرسائل إلى طهران.
ورقة الرئاسة في طهران وحملة الحزب
– ثانياً: السؤال المتعلّق بلبنان، والمتّصل باقتراحات لودريان في هذا السياق: هل تأمل قطر الحصول على مقابل لوساطتها “النووية” أو تلك المتعلّقة بالأرصدة المالية، في لبنان، إذا صحّ أنّ التفاوض يدور حول هذه النقطة بالذات؟ الموفد الرئاسي الفرنسي ردّ على سؤال أحد النواب الذين التقاهم قبل مغادرته عن إمكان ضمّ إيران إلى الدول الخمس بالقول: “نحن ننسّق مع شركائنا الأوروبيين وغيرهم، ولا اعتراض على التواصل مع إيران”… والمعروف أنّ الجانب الأميركي سبق أن رفض ضمّ إيران إلى الخماسية، من دون تحريم التواصل معها. في المقابل، هناك قناعة ثابتة بأنّ طهران تمسك إلى صدرها أوراقاً للتفاوض مع الأميركيين، ومنها الرئاسة في لبنان.
– ثالثاً: هل تسريب استجابة الحزب لاقتراحات لودريان بعد اجتماعه مع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، مؤشّر إلى ليونة منه تجاه فكرة عقد الجلسات النيابية المتتالية لانتخاب الرئيس؟ ينظر البعض بحذر إلى موقف “الحزب” نظراً إلى السوابق. فقادته حافظوا على وتيرة الحملة التي أطلقوها بعد الاجتماع الخماسي في الدوحة والرافضة لـ”إملاءات الخارج” والضغط الخارجي (آخرهم إبراهيم أمين السيد) أثناء وجود الموفد الرئاسي الفرنسي في بيروت واجتماعه بالنائب رعد.
الترجمة العمليّة للجلسات “المتتالية والمفتوحة”
– رابعاً: كيف سيترجم برّي عمليّاً بند الدعوة إلى جلسات متتالية ومفتوحة لانتخاب الرئيس إثر رفض التشاور على “طاولة العمل”؟ هل يدعو إلى جلسة يقفل فيها المحضر بعد تعطيل النصاب إثر الاقتراع في الدورة الأولى، تمهيداً للدعوة إلى جلسة أخرى في اليوم التالي مثلاً، ليُعاد الاقتراع مرّة أخرى في الدورة الأولى من دون الانتقال إلى الدورة الثانية بسبب سقوط النصاب، أم تجري الدورة الثانية فوراً لأنّه يكون حصل توافق بين الفرقاء اللبنانيين فينسحب الأمر على الجلسات اللاحقة؟ وهل يراهن “الثنائي الشيعي” على ضمان حصول مرشّحه على 65 صوتاً لصعوبة اتّفاق خصومه فيسرّع برّي في الدعوة إلى عقد جلسات متتالية؟
سبق لرئيس البرلمان أن وعد قوى دولية بالاستجابة لمطالبتها إيّاه بالدعوة إلى جلسات انتخاب، ففعل بعد جهد وضغوط، لكنّ تعطيل النصاب استمرّ تحت عنوان اشتراط الحوار، الذي قال حليفه الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصر الله إنّه “زهِق” (سئم) من تكرار الدعوة إليه. فهل يكون التشاور حول “طاولة العمل” مخرجاً لـ”الثنائي الشيعي” يبيّن أنّه تمّت تلبية شرطه بالحوار؟
لدى برّي ما يثلج صدره بعد اقتراحات لودريان، لأنّه جاءه من يأخذ عنه حِمل الدعوة إلى الحوار، وفق الصيغة التي اقترحها الموفد الفرنسي. فهو اتُّهم بأنّه يختبئ خلف شعار الحوار من أجل الامتناع عن دعوة البرلمان. وتعرّض لحملات في الداخل وفي الخارج أيضاً لهذا السبب.
– خامساً: قبل تطبيق بند الدعوة إلى جلسات متتالية، يُطرح السؤال عن آليّة النقاشات على طاولة التشاور: هل تكون الخلاصة إسقاط المواصفات التي يتوصّل إليها الفرقاء على أسماء مرشّحين ويتمّ التوافق على أحدهم، حيث قد يعتبر داعمو رئيس “المردة” سليمان فرنجية أنّها تنطبق عليه، أم يبقى الخلاف على اسم المرشّح المفضّل قائماً فيجري حسم الأمر في صندوق الاقتراع…؟
من سيُدعى إلى “طاولة العمل”؟
– سادساً: كيف ستوجَّه الدعوات إلى اللقاءات التشاورية وبأيّ مقياس سيكون التمثيل السنّيّ؟ يقول مصدر دبلوماسي فرنسي لـ”أساس” إنّ الشخصيات التي التقاها لودريان يُفترض أنّها تمثّل الكتل البرلمانية، مرجّحاً أن يُدعى معظمها إلى اللقاء التشاوري في أيلول. وهذا ينطبق على النواب السُّنّة الذين اجتمع إليهم. فكلٌّ منهم يمثّل كتلة أو مجموعة، وبعضهم منضوٍ في كتل صغرى متعدّدة الطوائف. لذلك تُصنّف في سياق التهيّؤ لِما هو آتٍ الدعواتُ إلى توحيد موقف معظم النواب السُّنّة غير المنضوين في إطار التحالف مع “الثنائي الشيعي”، وأبرزها ما صدر عن المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان قبل أيام، وصولاً إلى عشاء السفير السعودي في بيروت وليد بخاري تكريماً للمفتي في حضور أكثريّة النواب السُّنّة، حيث استغلّ بخاري المناسبة لتأكيد ما صدر عن الاجتماع الخماسي من تمسّك باتفاق الطائف، مشيراً إلى أنّ “اقتراح الموفد الرئاسي الفرنسي ليس من أجل عقد مؤتمر للحوار الوطني لبحث الصيغة والنظام، فاتفاق الطائف هو الأساس واستكمال تطبيقه هو المطلوب، بل إنّها دعوة إلى جلسات عمل ونقاش تتناول مواصفات الرئيس وقدرته على تنفيذ الإصلاحات وإدارة البلد في شكل سليم وبنزاهة، والتزام القانون، وصولاً إلى انتخابه. وهو يتولّى بعد انتخابه الدعوة إلى حوار وطني عندما يرتئي الحاجة إليه”. وسمع النواب من بخاري نفياً لمقولات تخلّي المملكة عن لبنان وتأكيداً أنّها تتابع الحلول لأزمته في إطار الاجتماع الخماسي.
جاء كلام بخاري تزكية لاقتراحات لودريان، الذي واكبته الخارجية الأميركية ليل 27 تموز بإعلانها أنّها “ستواصل العمل مع الشركاء بما في ذلك فرنسا لحثّ المسؤولين اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية”.
ماذا تعني “الفرصة الأخيرة”؟
– سابعاً: فسّر البعض عودة لودريان إلى اللغة القاسية التي سبق أن توجّه بها إلى القادة السياسيين في البلد، وذلك بقوله إنّها “الفرصة الأخيرة” وإنّ الدول الخمس ستسحب اهتمامها بلبنان إذا جرى إفشال اقتراحاته، بأنّه تلويح بتطبيق ما جاء في بيان الدوحة الخماسي: “ناقشنا خيارات محدّدة في ما يتعلّق باتخاذ إجراءات ضدّ أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدّم في انتخاب رئيس للبلاد”.
رأى مراقبون أنّ لودريان تسرّع لأنّ انسحاب الخماسية من رعاية لبنان يعني إخلاء الساحة لإيران، ولأنّ التلويح بالعقوبات في تلك العبارة لا يخيف الجهات المقصودة بها لأنّها خاضعة لها في كلّ الأحوال.
العقوبات لم تعُد “تابو”
مقابل استبعاد أكثر من مصدر سياسي ودبلوماسي اللجوء إلى العقوبات، أوضح المصدر الدبلوماسي الفرنسي لـ”أساس” أنّ بلاده كانت في السابق تعارض فرض هذه العقوبات، لأنّها لن تفيد. وكانت باريس تعتبر بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون أن لا حاجة للعقوبات لأنّ مساوئ الشغور الرئاسي ستكون ضاغطة على الفرقاء، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الماليّة، والحاجة إلى إعادة تكوين السلطة لتنفيذ الإصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإلى تدفّق المساعدات الخارجية، وستدفعهم إلى أن يسرّعوا انتخاب الرئيس. ولمّا لم يحصل ذلك، باتت باريس، حسب المصدر نفسه، تعتبر أنّ العقوبات “لم تعد “تابو” (محرّمة)، وبالتالي يمكن أن تكون متنوّعة تبدأ بالحرمان من التأشيرة، أو بقطع العلاقة السياسية، أو تكون على الأصول المالية… وليس سرّاً أنّ الجانب الأميركي في الخماسية أكثر الداعين إلى العقوبات”.
وليد شقير – اساس