هل بدأت تطبخ طبخة التسوية وتقاسم السلطة في الغرف المغلقة… بين التيار والحزب؟
أُلغيت جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقرّرة بالأمس لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان وللبحث في الوضعين المالي والنقدي مع قرب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لعدم توافر النصاب اذ حضر 7 وزراء فقط الى السرايا الحكومية، وغاب وزراء “التيار الوطني الحر” و”المردة” و”الحزب الديموقراطي”، وكان لافتاً غياب وزراء “حزب الله” عن الجلسة التي استعيض عنها باجتماع تشاوري في مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي اعتبر أن “الأهم الترفع عن المزايدات والتباهي بالتعطيل الذي لا يخدم أحداً من اللبنانيين الى أي فئة انتموا، ويزيد من الشلل والتعطيل في المؤسسات”، معرباً عن اسفه لأن “الحسابات السياسية للأطراف المعنية داخل الحكومة لها الأولوية على ما عداها، فليتحمل كل طرف المسؤولية عن قراره”.
إذاً، الحسابات السياسية التي عمّقت الخلافات، وطاولت بتداعياتها التحالفات القائمة، وسط رفض قاطع من “التيار الوطني الحر” للمشاركة في جلسات الحكومة المستقيلة، فيما ساهم “حزب الله” في تأمين نصاب انعقادها، يبدو أنها وضعت تحت مجهر التعديل والتمحيص بعد عودة التواصل بين الطرفين في محاولة لاعادة العلاقة الى سابق عهدها.
وبعيداً من التفسيرات الدستورية، وإمكان تعيين حاكم للمصرف المركزي في ظل الشغور الرئاسي، فإن لغياب الحزب عن الجلسة دلالات مهمة خصوصاً وأنه أتى بعد تشديد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال استقباله الرئيس ميقاتي منذ 3 أيام على وجوب عقد جلسة للحكومة لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، كما وبعد عودة التواصل بين التيار والحزب، إذ لفت مصدر مقرب من الأخير الى أن كل الملفات تناقش بهدوء وبعمق وبسلاسة بين الحليفين بعد مرحلة من الفتور في العلاقة بينهما، وإذا كان الخلاف الأساس بسبب الاستحقاق الرئاسي إلا أن كل شيء وارد من اليوم الى شهر أيلول وصولاً الى التوافق على اسم غير الأسماء المطروحة حالياً. في حين أكد مصدر نيابي من “التيار الوطني الحر” في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن هناك تناغماً في بعض المواقف بين الطرفين، وتتقاطع الآراء حول بعض الملفات المطروحة، كما حصل في جلسة تعيين الحاكم، لكن لا يمكن القول ان هناك تنسيقاً مسبقاً لأن الأمور لم تصل بعد الى هذه المرحلة، والنقاش لا يزال في العناوين العريضة.
على أي حال، فإن أوساط التيار تبدي في هذا السياق، ارتياحها الى مواقف الحزب خصوصاً من استحقاق حاكمية مصرف لبنان، وتمسّكه بعدم أهليّة حكومة تصريف الأعمال لإنجاز التعيينات، على الرغم من تمهيد بري لذلك، وهو قاطع جلسة الحكومة بالأمس، لكن وفق أحد المراقبين، فإن التناغم الذي رأيناه في اليومين الأخيرين أي رأي التيار من الحوار الذي طرحه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، والذي ينسجم مع طرح الحزب كما مقاطعة الأخير الجلسة الوزارية التي تنسجم مع موقف التيار من اجتماعات الحكومة التي يعتبرها غير دستورية وغير ميثاقية، لا يعني عودة التحالف والانسجام بين الفريقين لأن الثقة تزعزعت، وكل ما في الأمر أن هناك تقاطعاً حول بعض القضايا والاستحقاقات التي تشكل مصالح مشتركة انما كل طرف من وجهة نظره الخاصة، ما يعني أن التفاهم الذي حكم البلد لسنوات لن يعود لأن المصالح أصبحت متضاربة جداً كما برزت على الساحة المسيحية جرأة غير مسبوقة في مواجهة الحزب. ومن اليوم الى أيلول “يخلق الله ما لا تعلمون”.
وانطلاقاً من المواقف المتقاربة، رأى البعض أنه يبدو جلياً أن التيار والحزب يسلّفان بعضهما البعض لاعادة الود بينهما، وإعادة إحياء اتفاق مار مخايل الذي يسير في مساره الصحيح، وباتت الأمور واضحة أن باسيل يعود شيئاً فشيئا الى قواعده، ويقتنص الفرص، وهو الصياد الأبرع، ويعلم جيداً أنّ ما حصل عليه من الحزب لا يمكن أن يحصل عليه من أي طرف آخر، ويعوّل على هذه النقطة. وبالتالي، اذا استطاع التوافق مع الحزب على اسم للرئاسة، فلا بد من أنه سيحصل على كثير من المنافع والمكاسب ما يعني أننا ربما عدنا الى زمن تقاسم المكاسب بين الطرفين خصوصاً وأن هناك الكثير من الاستحقاقات والتعيينات المهمة التي يريد منها باسيل حصة الأسد. وأظهرت جلسة الأمس انها جلسة سلف ودين بين الطرفين الحليفين، وأن مرحلة التسوية بينهما انطلقت، لكن هذا لا يعني أنهما سيصلان حتماً الى النتيجة الايجابية، والى التوافق على اسم للرئيس مع العلم أن أحد القياديين في التيار أوضح أنه “اذا تمّت الدعوة اليوم الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، فسنصوّت للمرشح الذي تقاطعنا حوله مع المعارضة، لكن في الأيام المقبلة، تكون الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، مع التشديد على أن التواصل مع الحزب لا يزال يتمحور حول الخطوط العامة”.
إذاً، ينطلق التيار في مقاربته الرئاسيّة من اقتناع بأنّ الوصول إلى الحكم يتطلّب مجموعة توافقات، أسوة بتلك التي أدّت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وبالتالي، التوافق مع الحزب حول سلة متكاملة، لكن قوى المعارضة التي لم توضع في تفاصيل المداولات المستجدة بين الحليفين السابقين، تبدو حذرة اذ أن أوساطها تقول ان التناغم في المواقف وفي مقاطعة الجلسة الوزارية لا يعني بالضرورة عودة المياه الى مجاريها أو التسليف بين الطرفين وصولاً الى الامساك بزمام الحكم والسلطة كما حصل في السابق، لأننا سنكون بالمرصاد، لكن في الوقت نفسه لا نريد أن نحكم على النوايا على الرغم من أننا لم نسقط يوماً من حساباتنا الانقلاب على التقاطع بين باسيل والمعارضة، ولم نضمن يوماً الالتزام بمواقفه، وأنه بمجرد إعادة فتح قنوات التواصل مع “حزب الله”، والتوافق على سلة المصالح والمكاسب، سيتخلى عن المعارضة، لكن هذه اللحظة لم تحن بعد خصوصاً أنه ليس من السهل على الحزب أن يتخلى عن مرشحه أمام قاعدته الشعبية، كما أن باسيل لن يقبل بمرشحه مهما كلّف الامر. وبالتالي، فإن غداً لناظره قريب، ولا بد من أن تكشف الأيام المقبلة ان كانت تطبخ طبخة تقاسم السلطة في الغرف المغلقة، لكن لا بد من التأكيد أن الظروف تغيّرت، وما ساد سابقاً لن يصلح اليوم.
هيام طوق- لبنان الكبير