تورّط ابن سلامة وابن شقيقته: معطيات جديدة!
سلّطت وثائق قضائية ألمانية الضوء على تورّط أشخاص جدد في الاستحواذ على عقارات بملايين الدولارات يملكها حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في ألمانيا، والتي تخضع حالياً للتحقيق من قبل السلطات الأوروبية. كما كشفت الأوراق التي حصلت عليها صحيفة The National عن معاملات مباشرة من شركة «فوري» لتمويل هذه العقارات. ويشتبه في أن «فوري»، شركة شقيق سلامة، كانت في قلب مخطط الاختلاس المزعوم الذي وضعه حاكم مصرف لبنان. وتمّ فتح ستة تحقيقات على الأقل في أوروبا حيث يمتلك الحاكم وعائلته إمبراطورية عقارية، يشتبه القضاء الأوروبي في الحصول عليها بأموال مختلسة. وجاء في الصحيفة أيضاً ما يلي:
بدء التحقيق
بدأ التحقيق الألماني في قضية حاكم البنك المركزي بعد أن طلب المدّعي العام اللبناني في أيار 2021 إجراء تحقيق في الأصول التي يحتفظ بها رياض سلامة، وشقيقه، ومساعدته السابقة ماريان الحويك، لتجميد هذه الأصول كإجراء احترازي.
عُهد بالتحقيق إلى رئيس مكتب المدّعي العام في ميونيخ الأول، هانز كورنبروبست.
في العام 2022، انضمّت ألمانيا إلى فرنسا ولوكسمبورغ كجزء من فريق تحقيق دولي لتعزيز تبادل المعلومات. واتّخذ التحقيق الألماني منعطفاً كبيراً في أيار الماضي بإصدار مذكرة توقيف وإخطار من الإنتربول.
والاسمان الجديدان هما ندي سلامة نجل حاكم مصرف لبنان ومروان عيسى الخوري ابن شقيقته إضافة الى جبريل جان مواطن بلجيكي. وكتب قاضٍ في محكمة ميونيخ في آذار 2022: يُزعم أن الثلاثة «استثمروا أموالاً من مصرف لبنان المركزي» في العقارات وفي الاستحواذ على الأسهم «بينما يخفون مصدر الأموال المتورّطة في الدائرة الاقتصادية القانونية في ألمانيا».
تمّ ذكرهم في التحقيق على أنهم من بين مديري الكيانات التي تتّخذ من لوكسمبورغ مقراً لها والتي استخدمها رياض سلامة لشراء العقارات الفخمة في هامبورغ ودوسلدورف وميونيخ. وتم إجراء هذه المشتريات بأموال مزعوم اختلاسها من البنك المركزي اللبناني، وفقاً للوثائق الألمانية.
شركتان يملكهما سلامة
كان جان مديراً لشركة Stockwell Investissement SA، بينما كان ندي سلامة ومروان عيسى الخوري مديرين لشركة BR 209 Invest SA خلال الفترة قيد التحقيق. ويقع مقرّ الشركتين في لوكسمبورغ ويملكهما رياض سلامة.
دفعت الشكوك شرطة لوكسمبورغ إلى شنّ مداهمات واسعة النطاق على ثلاث شركات مقرّها لوكسمبورغ يشتبه في أنها تستضيف ما لا يقلّ عن 100 مليون دولار من الأموال المختلسة المرتبطة بالاستثمارات العقارية من قبل عائلة سلامة، بما في ذلك في ألمانيا.
ولم يعثروا على أي علامة واضحة على النشاط التشغيلي لشركة Stockwell وBR 209. وقال محامٍ متخصّص في مكافحة غسيل الأموال لصحيفة The National إن»الكيانات التي تفتقر إلى نشاط تشغيلي حقيقي غالباً ما تثير الشكوك باعتبارها واجهات محتملة لغسيل الأموال، وتعمل بمثابة طبقات إضافية لإخفاء مصدر الأموال».
وتبيّن أن مكاتب Stockwell Investissement خالية تماماً عند مداهمتها من قبل الشرطة، في حين أن BR 209 كانت تؤجّر مكاتب من الباطن منذ العام 2021 من شركة أخرى تبدو غير مدركة الأنشطة التي يقوم بها المستأجر. وتمّ تسهيل ترتيب التأجير من الباطن من قبل بنك لديه علاقة مع رياض سلامة.
وسط ضغوط قانونية متزايدة، ترك جان إدارة Stockwell في العام 2021، وحلّ محلّه ثلاثة موظفين من بنك الموارد اللبناني. وكان جان أيضاً مديراً لشركة أخرى، BET SA، تتعلّق بشراء العقارات في فرنسا لشريكة رياض سلامة أو خليلته، آنا كوساكوفا، وابنتها. وكوساكوفا، التي تخضع أيضاً لتحقيق رسمي من قبل القضاء الفرنسي بتهمة غسل الأموال بشكل منظّم، كما تمتلك ابنتها ملكية حصرية لشركة Stockwell.
«كبش محرقة» الإنهيار المالي
ونفى الأخوان سلامة في السابق ارتكاب أي مخالفات، مشيرين إلى أنه لم يتمّ تحويل أي أموال عامة إلى حساباتهما الخاصة. وندّد الحاكم في وقت سابق بما وصفه بمحاولة جعله كبش محرقة لانهيار لبنان المالي. وقال عيسى الخوري في رسالة لصحيفة «ذا ناشيونال» إنه «لم يتم الاتصال به بأي شكل من الأشكال من قبل القضاء الألماني». وأضاف أنه بصفته محامياً «من المألوف أن يُطلب منك الجلوس في مجلس إدارة، خاصة عندما يكون ذلك متوافقاً مع خلفيته».
ويشتبه المحققون الأوروبيون في أن الأموال المعنية اختُلست في البداية في لبنان من خلال شركة فوري، التي يُشتبه في أنها شركة صورية كانت بمثابة أداة لاختلاس وغسيل أكثر من 330 مليون دولار من الأموال العامة. وتمّ ذلك من خلال عمولة 0.38 في المئة حصلت عليها الشركة من البنوك التجارية كعمولة وساطة بيع أدوات مالية مثل سندات اليوروبوند، وسندات الخزانة اللبنانية وشهادات الإيداع من البنك المركزي، من دون تقديم أي خدمات في المقابل. ثم تمّ نقل الأموال إلى أوروبا، حيث اشترى رياض سلامة وأقاربه ممتلكات واسعة.
إخفاء مصدر الأموال
وقال أمر الحجز الفرنسي الذي حصلت عليه صحيفة «ذا ناشيونال» إن الأموال مرّت بـ»عمليات تكديس متتالية»، شملت أشخاصاً ودولاً مختلفة، وتمّ تنفيذها «لإخفاء مصدر الأموال». وتمّ تحويل معظم العمولات – أكثر من 220 مليون دولار – من «فوري» إلى حساب رجا سلامة السويسري قبل توجيهها إلى حساباته في لبنان. وبمجرد وصول الأموال إلى لبنان، أصبح من الصعب تتبّعها، حيث واجه المحقّقون الأوروبيون عقبات في الوصول إلى البيانات بسبب قوانين السرّية المصرفية اللبنانية. لكن هذا لم يمنعهم من جمعها. إذ لاحظوا أنه بينما كان رجا سلامة ينقل عمولات «فوري» من سويسرا إلى حساباته اللبنانية، كان الحاكم يحوّل الأموال في الوقت نفسه من حساباته اللبنانية إلى حسابات شخصية وشركات في لوكسمبورغ.
وبناءً على تحليل مالي، اكتشف القضاء الألماني أن غالبية الأموال المستخدمة لتمويل عمليات الاستحواذ الألمانية من قبل Stockwell وBR 209 جاءت من حساب رياض سلامة في البنك المركزي، إما بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال حساباته الشخصية وحسابات الشركات في لوكسمبورغ.
ولكن على عكس التدفقات المالية «ذات الطبقات» التي تمّ الكشف عنها في بلدان أوروبية أخرى، تُظهر الوثائق الألمانية عمليات مباشرة بشكل مدهش من قبل «فوري» للاستحواذ على العقارات الفاخرة في ألمانيا.
في العام 2012، تلقّت BR Invest 209 تحويلاً مباشراً إلى حسابها بقيمة 2.8 مليون يورو من حساب فوري في HSBC في سويسرا، والذي تم استخدامه لشراء المبنى الراقي في دوسلدورف. وكتبت هيئة الرقابة في لوكسمبورغ في تقرير اطلعت عليه «ذا ناشيونال» للسلطة القضائية حيث كانت تحقق في التدفقات المالية المتعلقة بآل سلامة: «تثير هذه الصفقة الكثير من الأسئلة».
غسيل الأموال المشترك
يعتقد المحقّقون الألمان أن أموال «فوري» قد استخدمت جزئياً لشراء أربعة عقارات بأكثر من 18 مليون يورو بين عامي 2012 و2017 من خلال BR 209 وStockwell. ففي ميونيخ، اشترت Stockwell عقارات تجارية راقية وأربعة أماكن لوقوف السيارات في وسط المدينة في العام 2015 مقابل 6.4 ملايين يورو، بينما قامت أيضاً بتأمين عقار مقابل 3.4 ملايين يورو في منطقة Gartnerplatz الفاخرة في العام 2017.
وقدّمت BR 209 تمويلاً للاستحواذ على حصة 94 في المئة في العام 2016 في الشركة الألمانية WBH 51 GmbH، بقيمة 3.9 ملايين يورو، والتي تمتلك مبنى مكاتب في هامبورغ. وحصلت BR 209 أيضاً على 94 في المئة من الأسهم في Dock 13-Villa GmbH، وهي شركة ألمانية تمتلك عقاراً راقياً في منطقة Docks في دوسلدورف، مقابل 4.6 ملايين يورو في العام 2012.
وتمّ الاستحواذ على الأسهم المتبقية في الشركتين الألمانيتين إما من قبل عيسى الخوري نفسه أو تمّ تقسيمها بينه وبين ندي سلامة، وفقاً لأمر الحجز. بعد ذلك بعامين، كانت الشكوك كافية للقاضي الألماني لإصدار أمر بتجميد هذه الأصول والرهانات، وصنّف سوء السلوك المزعوم بأنه «غسيل أموال مشترك في أربع حالات».
إختلاس بمساعدة رجا
كما أوردت الصحيفة تقريراً آخر بيّنت فيه أن كلّاً من فرنسا ولوكسمبورغ وألمانيا وسويسرا وبلجيكا وليختنشتاين تحقّق مع رياض سلامة بتهمة الاختلاس المزعوم من البنك المركزي اللبناني بمساعدة شقيقه رجا. ويُزعم أن الحاكم قام بتحويل الأموال العامة من خلال العمولات المدفوعة لشركة شقيقه، بموجب اتفاق غير منتظم مع البنك المركزي اللبناني بين عامي 2002 و2016.
وخلال هذا الوقت، كانت تحصل «فوري» على عمولة 0.38 في المئة من البنوك التجارية، من دون علمها ومن دون تقديم أي خدمات في المقابل، في كل مرة يشترون فيها أدوات مالية من البنك المركزي.
واتبعت الأموال المزعومة غير المشروعة رحلة معقدة، نموذجية لمخطط غسيل الأموال، عبر القارات وفي نهاية المطاف يتمّ استخدامها لشراء العقارات الفاخرة داخل الاتحاد الأوروبي. ووصلت الشكوك إلى أن كلاً من القضاء الفرنسي والألماني أصدرا مذكرات توقيف بحق رياض سلامة، ما أدى إلى صدور نشرة حمراء من «الإنتربول».
وتم وضع ثلاثة أشخاص قيد التحقيق الرسمي في فرنسا، من بينهم ماريان حويك، مساعدته السابقة، آنا كوساكوفا، شريكته الرومانسية، والمصرفي اللبناني مروان خير الدين، ولا تزال التحقيقات جارية والمتّهمون قيد التحقيق.
وكشفت وثائق حصلت عليها صحيفة The National من مصدرين مستقلين، بالتفصيل كيف يُزعم أن سلامة سرق الأموال إلى أوروبا والولايات المتحدة، والشركات التي تم إنشاؤها لتنفيذ الخطة، والمتواطئين الذين قيل إنه استخدمهم، وإمبراطورية ممتلكات واسعة يسيطر عليها الآن.
معطيات جديدة
جاء في المقالة أنه من بين المعطيات الجديدة:
– رسم خريطة كاملة للإمبراطورية العقارية الشاسعة لآل سلامة في جميع أنحاء أوروبا، والتي حجز عليها القضاء بقيمة إجمالية تبلغ نحو 92 مليون دولار. ويشمل ذلك القصور في مناطق رئيسية من العواصم الأوروبية والمباني الصناعية والتجارية التي تدرّ إيرادات إيجارية كبيرة، وكلها يشتبه في الحصول عليها بأموال عامة لبنانية.
– العقارات الأميركية التي لم يتم الكشف عنها سابقاً والمرتبطة برجا سلامة، شقيق الحاكم، تلقي الضوء على الامتداد الواسع لإمبراطورية سلامة في جميع أنحاء العالم.
– العامل التمكيني غير المباشر لخطة غسيل الأموال المزعومة، ولا سيما الافتقار إلى العناية الواجبة من البنوك الأوروبية، ما سمح بتدفق نحو 100 مليون دولار من الأموال المشبوهة عبر الشركات التي تتخذ من لوكسمبورغ مقراً لها، كل ذلك بينما أبدت بنوك الاتحاد الأوروبي «عدم قلق» بشأن أصل ثروة سلامة.
– يجري التحقيق مع شخصيات جديدة مثل كريستيان نوير، محافظ البنك المركزي الفرنسي السابق الذي قدّم خدمات استشارية غير معلن عنها للبنك المركزي اللبناني.
– تفاصيل ما وراء الكواليس من التحقيق، بما في ذلك جلسات الاستماع والاعتقالات ومداهمات الشرطة على نطاق واسع.
نداء الوطن