حوار حزب الله – التيار: انتهاء مرحلة المكابرة … من دون توقعات مسبقة!
أهمّ وأفضل ما في الحوار القائم، اليوم، بين حزب الله والتيار الوطني الحر هو تحرره الكامل من النيّات المسبقة أو التوقّعات، إذ لا يتوقّع أيٌّ من الطرفين شيئاً من الطرف الآخر، بعدما ألحقت مقولة «ما معقول يعملها» ضرراً كبيراً بعلاقتهما. لا التيار كان يعتقد أنه يمكن للحزب أن «يعملها»، بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو المشاركة في اجتماعات الحكومة، ولا الحزب كان يعتقد أن التيار يمكن أن «يعملها» بالرفض القاطع لفرنجية أو الذهاب بعيداً في ردة فعله على الاستمرار في الاجتماعات الحكومية.
بنى كل من الطرفين تصوّره الخاص عن الآخر، وبمعزل عمّا استند إليه كل منهما في هذا البناء المغشوش للتصور، فإنه جعل من كل ما يفعله أحدهما للآخر طوال هذه السنوات أمراً متوقعاً يتم التعامل معه كتحصيل حاصل. ومع الوقت، لم يعد أيٌّ منهما يتوقع تمايزاً أو اختلافاً أو تضارباً في الآراء، وهو ما ضاعف من حجم الشرخ وطبيعته حين وقعت الواقعتان السابقتان: كان كل من التيار والحزب يتخبّط في صدمته أو أزمته الشخصية، قبل صدمته أو أزمته مع حليفه. كل منهما لم يصدّق للوهلة الأولى أنه مخطئ بهذا الشكل في تقدير حسابات الآخر وردود فعله. تعامل كل منهما مع الآخر كالزوج المخدوع، لا كطرف سياسي لديه مصالحه وأولوياته وحساباته الخاصة، وهو ما جعل الكلام في بعض المراحل مستحيلاً. ولم تشمل موجة التوتر الجمهورَين فقط، وإنما قيادات لديها من الوعي والخبرة ما كان يفترض أن يحصّناها من الانفعالات المماثلة، قبل أن يستعيد كل من «العاشقين» هدوءه ويتفهّم (إلى حد ما) استقلالية الآخر وحساباته وأولوياته، وهو ما يمثل عاملاً أساسياً مهماً في الحوار الحاصل اليوم، ويبدّد الكثير من التوتر الذي عصف بالتفاهم في السابق.
يمضي التيار والحزب في حوارهما المستجدّ من دون توقعات مسبقة. لا الحزب يتوقع من باسيل أن يقبل بفرنجية في نهاية المطاف، ولا باسيل يتوقع من الحزب أن يتخلّى عن ترشيح رئيس تيار المردة. لا الحزب يتوقع من باسيل توقيعاً على بياض على كل ما تقتضيه المصلحة الاستراتيجية، ولا رئيس التيار يتوقع من الحزب توقيعاً مماثلاً على كل ما يطلبه منه أو يتطلّبه مبدأ الشراكة أو غيره. ثمة صفحة جديدة يحاول الطرفان فتحها اليوم، تحلّ فيها العقلانية محلّ العاطفة، والأوراق والأقلام والكومبيوترات محلّ القبلات والغمرات. لا مسلّمات ولا تصوّرات ولا شعور عارم بالخذلان، وهذا بحدّ ذاته تطور أساسيّ في العلاقة مهما كانت تداعياته الأولية.
أما العامل الأساسي الثاني الذي لا يقلّ أهمية فهو انتهاء مرحلة المكابرة التي اعتقد فيها كل من الطرفين أن بوسعه المضيّ قدماً من دون التحالف (ولو على القطعة) مع الآخر. وإذا كانت المكابرة وسذاجة الجماهير الافتراضية تحولان دون تقديم مصارحة شفافة في حسابات الفريقين الخاطئة على هذا المستوى، فإن الإيجابية التي يجب التوقف عندها اليوم هي تجاوز تلك المرحلة والعودة بتواضع إلى ما يمكن وصفه بالنضوج السياسي، علماً أن تصحيح الطرفين للمسار يجري تحت ضغط هائل هو الوقت. فبعد عام من الوقت المستقطع أو الضائع، بات يمكن الجزم اليوم، بناءً على المعطيات الموثوقة، بأن لا تأثير سياسياً على المستوى اللبناني للمصالحة الإيرانية – السعودية أبعد من مستوى التهدئة الإعلامية والسياسية؛ تهدئة لكن لا انفراجات أو تسويات أو اتفاقيات جانبية، فيما تستعد الولايات المتحدة لجولة جديدة من التصعيد السياسي في لبنان في ظل التطورات الميدانية المقلقة للأميركيين في سوريا وعلى الحدود اللبنانية الجنوبية (وهما ملفان متصلان بالنسبة إلى واشنطن)، مع إدراك الأميركيين أخيراً أن الفراغ المستشري يفقدهم هيكلهم الإداريّ الصلب في الإدارة اللبنانية ويهدد نفوذهم المباشر في مؤسستين أساسيتين بالنسبة إليهم هما: مصرف لبنان وقيادة الجيش، وإذا كان تعيين القائد والحاكم تحصيلَ حاصل أميركيّاً منذ عقود، فإنّ المعطيات الميدانية تبدو مختلفة لأول مرة: في ذروة النفوذ الأميركي في البلد، قد لا يكون متاحاً للإدارة الأميركية تعيين حاكم وقائد وملء الشغور الإداري الهائل في مؤسسات الدولة من دون تسوية جدية مع الحزب، وهو ما يقتضي من الأميركيين الإسراع في تجميع نقاط قوى على مستوى رئاستَي الجمهورية والحكومة. وإذا كانت السلّة، الشهر الماضي، تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء فقط، فإنها توسعت اليوم لتشمل رئاستَي الجمهورية والحكومة والحاكمية، وستتّسع لتشمل قيادة الجيش قريباً جداً، وربما المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قبلها إذا تمتّع وزير الداخلية بالشجاعة اللازمة لإقالة اللواء عماد عثمان بعد تماديه في خرق القوانين.
انتهاء مرحلة المكابرة التي اعتقد فيها كل من الطرفين أن بوسعه المضيّ من دون الآخر
وإذا كان مستحيلاً الاعتقاد أن في وسع الأميركيين أن يحصلوا على كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والحاكمية وقيادة الجيش، فإن السؤال الجدي بات يتعلق اليوم بالثمن الذي سيدفعونه مقابل الحاكمية أو القيادة أو الحاكمية والقيادة. وهم انتقلوا بسرعة هنا من موقع الذي لا يريد شيئاً لنفسه إلى موقع الذي يريد الحفاظ على مكتسباته، مع كل ما يستوجبه ذلك من ضغوط.
وبالتالي فإن حوار الحزب والتيار لا يحصل في جزيرة معزولة عن هذا كله، ولا هو بمنأى عن قدرة الأميركيين على التدخل، أو محاولة التدخل لتخريبه. مع التأكيد دائماً أن النقاط الأساسية التي يشملها الحوار الحالي، من اللامركزية الإدارية المالية الموسعة، فالصندوق الائتماني، وصولاً إلى برنامج عمل الرئيس (الذي لم يناقش اسمه بعد) المقبل و«استراتيجية بناء الدولة» لا يملك التيار والحزب حرية القرار وحدهما بشأنها، وهو ما يحول دون تقديم نتائج عملية سريعة بما يصعّب الأمور أكثر.
لكن ضغط الوقت والضغوط السياسية الخارجية وصعوبة تحويل الأقوال إلى أفعال – في حال إيجاد قواسم مشتركة جدية – لا تخفف من الاندفاعة الإيجابية الكبيرة للحوار الذي يمكن، لكل ما سبق، أن يلعب الوقت ضدّه تماماً كما يمكن أن يلعب لمصلحته ويمثّل دافعاً كبيراً لإنجاحه في وقت أسرع.
غسان سعود- الاخبار