لو شاء “حزب الله”… “أسهل من شربة ماء”!

لا يحتاج حلّ مشكلة رئاسة الجمهوريّة في لبنان لا إلى حوار ولا إلى “نقار”، فهو “أسهل من شربة الماء”، إذ يكفي أن يُعلن “الثنائي الشيعي” تخلّيه عن ترشيح رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجيّة، حتى تنفتح الآفاق على توافق وطني شامل.

ولكنّ “الثنائي الشيعي” بقيادة “حزب الله” يتعمّد تعقيد ما هو سهل، مقدّمًا بذلك أدلة إلى صحة اتهامات خصومه له بأنّه ينفّذ مخططًا يهدف إلى تغيير النظام اللبناني، من خلال تدمير ما تبقى من الدولة، وفق “استراتيجية الاهتراء”.

ويظنّ “حزب الله” أنّه قادر على استيعاب مآسي مرحلة انهيار الدولة، على اعتبار أنّ لديه دولته الخاصة، من دون أن يُعير كبير اهتمام للتململ الذي بدأ يطفو على سطح البيئة الشعبية التي ينشط فيها، مستفيدًا بذلك من سهولة إلقاء التهمة على “حركة أمل”، على الرغم من أنّها شريكته في “السرّاء والضرّاء”، كما من قدرته على تحريك شبكاته التي تستقطب الناس بزبائنية معروفة بكامل التفاصيل.

وإذا كان لسان “حزب الله” الحالي ينفي نيته تغيير وجه النظام اللبناني، فإنّ ما تراكم من تصريحات على مدى السنوات السابقة عن نظرته إلى “بلاد الأرز” تجزم بذلك، فهو، على سبيل المثال لا الحصر، طالما هاجم القطاعات الحيوية في البلاد، ولا سيّما السياحة والمصارف، وهو مستاء من البعد المدني الذي كان يتجلّى في سلوك المؤسسات الرسمية والخاصة، مدرجًا إيّاه في سياق ما يسمّيه “الانحلال”، وهو غاضب من نوعية علاقات لبنان الخارجية معتبرًا إيّاها “تبعيّة”.

وعليه، فإنّ الجولة الثانية التي تقود جان – إيف لودريان، الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى بيروت اليوم بعد اجتماعات تمهيدية في الدوحة مع “مجموعة الخمس” وفي المملكة العربية السعودية التي زارها، مرّتين، هي أمام حدّين لا ثالث لهما: السهولة أو الاستحالة.

وتتجلّى”السهولة” إذا طالب بوضوح وشفافيّة “الثنائي الشيعي” بالتخلّي عن ترشيح فرنجية لافتقاده مواصفات “الوفاق”. أمّا الاستحالة فتكون إذا قبل لودريان بإدارة مرحلة جديدة من المراوغة واللعب على الكلام.

ويملك لودريان، خلافًا لما يروّجه البعض، الأدوات التي تعينه على وضع الأمور في نصابها، ففرنسا، إذا اعتمدت سياسة الوضوح ليست وحدها في الميدان، إذ تناصرها في ذلك جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

وليس هناك ما يمنع لودريان من أن يكون واضحًا في تعامله مع “الثنائي الشيعي”، إذ تظهر المعطيات المتوافرة لديه أنّ الوفاق على مرشح طبيعي لرئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة، بمجرّد التخلّي عن فرنجية، له أكثريّة ساحقة في المجلس النيابي.

ودلّت التجارب اللبنانيّة إلى أنّ زخم الوفاق في موضوع الرئاسة يولّد زخمًا مماثلًا في موضوع تسمية رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة والاتفاق على برنامج مرحلي يمتد أقلّه أربع سنوات.

وتفيد مصادر دبلوماسيّة بأنّ لودريان سوف يطرح في زيارته التي تبدأ اليوم التخلّي عن فرنجية، وإذا قوبل طلبه هذا بالرفض، فسوف يبني على الشيء مقتضاه، إذ إنّه لم يأخذ هذه المهمة على عاتقه لتعويم “المرشّح المستحيل” بل من أجل إعادة الاعتبار إلى التوافق اللبناني – اللبناني الذي وحده سوف يلقى دعمًا عربيًّا وخليجيًّا ودوليّا يحتاج إليه لبنان بقوة في هذه المرحلة، وقد يحتاج إليه أكثر في المرحلة المقبلة، خصوصًا إذا ثابر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تحويل “سلّة الغذاء” إلى سلاح في حربه المفتوحة ضد أوكرانيا.

وإذا “عاند” الثنائي الشيعي، فإنّ فرنسا، بعد مهلة محدّدة، لن تتخلّى عن لبنان حيث لها مصالح استراتيجية وروابط تاريخية، ولكنّها سوف تندمج أكثر مع التوجهات العربية والدولية التي عبّرت عنها بوضوح بيانات نيويورك والدوحة واستراسبورغ.

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة