الاوضاع «لم تعد تطاق»… وبيئة «الحزب» ليست كلّها صمَّاء: “حي اللجا” وحلم الدولة!

لا أحد يتوقع أن ينشر «حزب الله» نص رسالة شخصيات شيعية مؤيدة له خلاصتها «إكتفينا يا سماحة الأمين العام من فوضى السلاح». وغير ممكن ألّا نصدّق وجود الرسالة من الأساس، فبيئة «الحزب» الواسعة ليست كلّها صمَّاء تكتفي بالتصفيق ورفع القبضات في المناسبات، أو تقبل بكظم الغيظ حين لا مبرّر للتضحيات.

يمكن لـ«حزب الله» أن يمتلك مئة ألف صاروخ ويفاخر بتحقيق توازن ردع مع إسرائيل وبتغيير المعادلات في الإقليم، أو المساهمة في رسمها حسبما فعل في سوريا واليمن، لكنه يبدو عاجزاً عن إعطاء والدة تخشى على أطفالها من فلتان السلاح تفسيراً يقنعها بالثمن المُرغمة على دفعه جراء الرصاص في مقابل «إنجازات» استراتيجية، جلّها مراكمة للخراب إن قيس بمعايير الحداثة والتقدم والرفاه.

«وينيه الدولة؟»، سؤال متأخر صرخت به أمهات «حي المصبغة» في الشياح حين حصلت موقِعة ألعاب القمار. وإذا كان التنازع في الحادثة المذكورة جرى بين موالين لحركة «أمل» أتاح لـ«الحزب» النأي بالنفس وإطلاق الصرخة نفسها ولوم الدولة على تقاعسها عن قمع المخالفات، فإنّ معارك مماثلة متفرقة آخرها في «حي اللجا» السبت بين «التوأمين» تفضح الاستخفاف بعقول كل اللبنانيين، وعلى رأسهم البيئة التي لم تقصِّر في الولاء، لا حين قدّمت الدماء ولا حين دعيت مراراً وتكراراً للاقتراع في الانتخابات وتفويض حزبها وحركتها مصيرها ومصائر المكوّنات الأخرى في لبنان.

ما تطرحه رسالة «أهل البيت» على السيد نصرالله بسيط ومستحيل في آن. فالرسالة لا تطلب أكثر من الحماية إزاء الرصاص العشوائي واشتباكات الإخوة والخوَّات، وتشير إلى «انعكاسات مدمّرة» على البيئة الحاضنة جراء التفلّت في الأشهر الأخيرة وازدهار المخدرات وتمدّد مكاتب المراهنات، بحيث إنّ الأوضاع «لم تعد تطاق» وباتت تستوجب «محاسبة» العصابات. لكن بين التمنّي وتحقيق الطلب تكمن المسافة التي تختصر جوهر الأزمة في البلاد والتي هي درب جلجلة غير متناهي المحطات.

لا شك في أنّ السيد نصرالله يتمنى أن يسود الأمن والأمان في المناطق المحسوبة على «حزب الله»، وتحديداً حيث يتشارك مع الرئيس بري النفوذ على الأرض وساكنيها ومؤسساتها الرسمية، لكن انتشار السلاح بين أيدي الأحزاب والأهالي شيباً وشباناً، مرفقاً بتعبئة مستمرة تغذي مشاعر الاستقواء على قوى الشرعية هو، تعريفاً، مناقض للأمان كونه يفسح في المجال لكل أنواع التجاوزات ناهيك عن أنه يولّي المسلحين على العزّل، والزعران على الأوادم، والمحازبين على غير المحازبين، قبل أن ينتهك حقوق الذين يريدون دولة القانون ملجأً، وليس أعراف شريعة الغاب…

مَن لا يتذكر فإنّ أهله حدَّثوه حتماً عن تجارب اللبنانيين مع الأمن بالتراضي وقوى الأمر الواقع التي أوصلت زمن «منظمة التحرير» الى الحرب الأهلية، ويبدو أنه زمن سرمدي نجرّ مظاهره وتداعياته حتى لو تغيرت أسماء أصحاب السلاح وتذرَّعوا بكونهم ليسوا ضيوفاً على البلاد.

رسالة أهل البيئة الى نصرالله تنطق باسم الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، ولعلّ الأخذ بمضمونها العميق يعيد الاعتبار الى الدولة، ويغنينا عن الحوار والارتهان للخارج لضمان الاستحقاقات ومدّ حبال الإنقاذ… فلنحلم، لِمَ لا؟

بشارة شربل- نداء الوطن

مقالات ذات صلة