»دقّ» على الخشب.. شركات تحويل الأموال على مدّ عينك والنظر: خدمات وعمولات!!
قبل أعوام قليلة، كانت فروع المصارف وماكينات الصرف الآلي على الطرقات العامة تنافس الصيدليات ومحطات الوقود لجهة الإنتشار. الآن باتت فروع شركات تحويل الأموال تنبت وتنمو أينما كان، على الأوتوستراد الساحلي، في المدن الكبرى وفي الـمراكز التجارية، بما يدعونا لـ»الدقّ» على الخشب. وكأن القاعدة أصبحت أقفل فرعاً مصرفياً وافتح أفرُعاً باللون الأصفر أو باللون الأحمر… أو الأزرق، كل البدائل «المالية» إنما وُجدت لخدمة المواطن وتسهيل معاملاته وحياته.
لنبدأ بلغة الأرقام: تراجع عدد فروع المصارف في لبنان من حدود 1058 فرعاً في 2019 إلى 786 فرعاً في نهاية 2022، كما تراجع عدد الصرافات الآلية التابعة للمصارف من قرابة 2000 صراف آلي إلى نحو 1500 صراف آلي معظمها خارج الخدمة الفعلية. لذا نمت البدائل بشكل مطّرد.
تُعدّ خدمة OMT من الطرق الأسهل لتحويل الأموال داخل لبنان وبين لبنان والخارج بالإتجاهين، وبوجود عدد «هائل» من الفروع يزيد على الـ1400. ليس على اللبناني، أو المقيم في ربوعنا أن يتكبد عناء الإنتقال من منطقة إلى أخرى لإجراء معاملاته النقدية، فإرسال الأموال واستلامها عملية سهلة وسريعة لا تتعدى الـ15 دقيقة تكفي هوية المرسِل أو المستلم أو جواز سفر ساري المفعول.
تمّ إطلاق خدمة OMT مع النائب السابق أمل أبو زيد في العام 2012 بموجب قرار صادر عن مصرف لبنان المركزي، لتصبح أول شركة لتحويل الأموال داخل لبنان من دون المرور بشبكة دولية. والـOMT الوكيل المعتمد الأوّل لويسترن يونيون في لبنان، وتشكّل صلة الوصل بين لبنان والخارج عبر شبكة ويسترن يونيون.
من وإلى
من خلال أكثر من 1400 مركز OMT في لبنان، بات في إمكان الزبائن استلام الأموال المُرسلة إليهم عبر أي وكيل ويسترن يونيون في الخارج وإرسال الأموال إلى أي دولة ضمن شبكة ويسترن يونيون، من دون الحاجة إلى أي حساب مصرفي، بعمولة تبدأ من خمسة دولارات على حساب لا يتخطى الـ50 دولاراً، أي 10% من قيمة المبلغ المرسل ويصل الرسم إلى 100 دولار لتحويل يتراوح بين 3000$ و 7500$.
أما التحويل داخلياً، وبالعملة الوطنية فراوحت عمولته بين خمسة آلاف ليرة إلى 275 ألف ليرة، بحسب قيمة التحويل وذلك قبل أن تبشّر الـOMT اللبنانيين، عبر حملة إعلانية كبرى مفادها وعنوانها أن التحويل بالليرة داخل الأراضي اللبنانية من دون vs.l. خدمة لوجه الله. هكذا يُفهم أو لعلها تريد إحراج الـwish money، على أساس «ما حدا أفضل من حدا»، وما يسترعي الإنتباه أن مدة عرض الـOMT محدودة وقد انضمت إلى الشركتين ثالثة، عارضةً خدمة التحويل باللبناني من دون أي رسوم.
فصل جديد
وفي ما خص الـwish money، المنافِسة الأقرب للـOMT فهي شركة لتحويل الأموال المحلية والدولية تأسست في العام 2019 تحت اسم WOO Cash SAL بناء على قرار من مصرف لبنان رقم 19542، وفي العام 2021 غيرت اسمها لتصبح wish money وخدماتها «المنظورة» واسعة تبدأ بتسديد الميكانيك وفواتير الهاتف وصولاً إلى ضخ مبالغ الـliste de marriage للمقبلين على الزواج. ولدى wish money أكثر من 400 مركز موزعة على الأراضي اللبنانية و»الخير لقدام».
يشكو مالك شركة «wish money» توفيق كوسا، من عملية التخوين التي يتعرّض لها يومياً عبر اتهامه بأنه مدعوم من «حزب الله» وحركة «أمل» والنظام السوري. كما ذكر في اتصال هاتفي مع «نداء الوطن»، وقد تكون سبب الهجمة عليه لكونه مجنساً ومن شركائه أحد المسؤولين السابقين في الـOMT من آل معوّض.
خدمات… خدمات
مع الأزمة المصرفية وفصولها الكارثية المتتالية، وصعوبة إجراء المعاملات المصرفية البسيطة من دون حجز مواعيد وتعقيدات مصطنعة، زاد اعتماد اللبنانيين على شركات تحويل الأموال ما دفع أصحاب هذه الأخيرة إلى الاستفادة من الموضوع وتوسيع مروحة «خدماتهم» والقيام حتى بأعمال الصرافة. وإن سألت صرّافاً عن تأثير المنافسة المستجدة تحفّظ أو جاوب بطريقة كلاسيكية «كل مين بياكل رزقته».
«رزقة» الـ Wish على خدماتها، وهي كما جاء على صفحاتها ومنشوراتها:
• تحويل أموال داخل لبنان بالليرة اللبنانية من دون أي رسوم
• تحويل أموال داخل لبنان بالدولار الأميركي
• تحويل أموال خارج لبنان
• تسديد الميكانيك من دون أي عمولة
• تسديد ضرائب وزارة المالية من دون أي عمولة
• خدمات السجل العقاري من دون أي عمولة
• تحصيل رسوم بلدية بيروت من دون أي عمولة وغيرها من الخدمات الموجودة على الموقع الرسمي.
الخدمات المجانية تدعو إلى التساؤل هل wish money شركة خيرية لا تتوخى الربح أو أن خدمات التحويل تكفي وتزيد على المصاريف التشغيلية. والأرجح أن 0% عمولة التي لجأت إليها الـOMT تدخل في إطار حرب الـmarketing أو التسويق بين الشركات كي تنحصر المنافسة بين الشركات الأقوى.
إقتصاد الـ»كاش»
تزامنت «فوعة» شركات تحويل الأموال مع ازدهار اقتصاد «الكاش» كشرّ لا بد منه. وما الارتفاع بعدد التراخيص إلّا ترجمة لهذا التحوّل وتردي الخدمات المصرفية. وهذا ما لا يُطمئِن المؤسسات الدولية بدليل التقارير التي تصدر عن شبهات واحتمالات تبييض الأموال جراء اقتصاد «الكاش».
الأول بالتحويلات
تبوّأ لبنان المركز الأوّل في المنطقة والمرتبة الثانية عالميّاً من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلّي الإجمالي، والتي بلغت 37.8 في المئة في العام 2022، مع وصول حجم التحويلات إلى 6.8 مليارات دولار أميركي، كما يصنّف ضمن قائمة الدول الأكثر تلقياً للأموال من المغتربين في العالم، وذلك بحسب تقديرات البنك الدولي، واعتمد المغتربون على مكاتب تحويل الأموال لتنفيذ هذه التحويلات، بدلاً من المصارف.
وفي هذا الإطار يؤكد مصدر رفيع المستوى من OMT عبر «نداء الوطن» أن شركات تحويل الأموال في لبنان لم ولن تأخذ دور المصارف، بل هي متضرّرة من انهيار القطاع المصرفي، حيث إنه وبعد الأزمة وجدت هذه الشركات نفسها مضطرّة إلى تطبيق آلية عمل معقّدة وطويلة، ومتطلّبات إضافية على مستوى التأمين والحراسة المشدّدة لتوزيع الأموال يومياً، فبتنا نرى حراساً أمام فروع الـOMT، ومعهم آلات لكشف المعادن لمنع أي إشكال أو حتى أعمال سرقة بعدما شهدنا عدداً كبيراً منها في الآونة الأخيرة.
وعن الخدمات المستحدثة كخدمة هدايا الزواج والبطاقات المسبقة الدفع التي كانت محصورة بالمصارف، يقول المصدر انها «جاءت استجابة لطلب عدد كبير من الزبائن نظراً لاشتداد الأزمة وإقفال أبواب المصارف (بوجه من لم يحجزوا مواعيد)، في حين أن إطلاق البطاقات مسبقة الدفع، فإنما يتم من خلال التعاون مع المصارف.
إن اعتماد بعض شركات تحويل الأموال إلى إصدار بطاقات ائتمان تخوّل حاملها سحب المبالغ المحولة له من الخارج بالعملة الأجنبية، إضافة إلى قبض المساعدات المحولة من مؤسسات الدول المانحة، بعدما كانت المصارف تقوم بهذا العمل، والتي عانت في الفترة الماضية من الإغلاقات المستمرة وأعمال الشغب والدعاوى القضائية.
نموّ أفقي وعمودي
شهدت شركات تحويل الأموال في لبنان البالغ عددها 14 شركة، خلال سنوات ما بعد الأزمة نمواً أفقياً وعمودياً، إذ زاد عدد فروعها إلى أكثر من 2400 فرع، تتجاور بعضها «الباب عالباب» في بعض مناطق الساحلين المتني والكسرواني، وتمثل النمو العمودي باستفادة هذه الشركات، من حالة فقدان الثقة بالنظام المصرفي لتنويع وتوسيع خدماتها.
ويجمع عدد من الخبراء الاقتصاديين بأن شركات تحويل الأموال حازت على ثقة المتعاملين وكوّنت خبرة مهمة في خلال سنوات الأزمة، في الوقت الذي فقدت فيه المصارف دورها المحوري في الدورة الاقتصادية، في ظل ارتفاع قيمة العمولات التي ستحصل عليها لقاء تنفيذ التحويلات، مقارنة بنسبة العمولة لدى شركات تحويل الأموال.
أزمة ثقة
يؤكد الخبير المالي نسيب غبريل في حديث مع «نداء الوطن»، ألّا بديل عن المصارف التجارية، «فالشركات والمؤسسات والأفراد يستخدمون المصارف لأنهم بحاجة إليها، وهناك 220 ألف حساب فريش دولار في المصارف (وألف رحمة على حسابات الدولارات البائتة)، وتُستخدم لعدة أمور كسحب المعاشات والتحويلات إلى الخارج والمعاملات التجارية ودفع فواتير الاستيراد، إذاً على الرغم من أن العملية الإصلاحية جامدة، وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي مصرّ في تقريره الذي أصدره قبل فترة قصيرة على شطب 60% من الودائع من القطاع المصرفي، هناك حاجة للمصارف وهدف الأخيرة أن تعود وتلعب دورها الأساسي وهو تسليف وتمويل الاقتصاد والقطاع الخاص تحديداً.
والأزمة التي نشهدها عموماً سببها أزمة ثقة بدأت في أواخر الـ2017 وانفجرت في الـ2019 وانسحبت على القطاع المصرفي لأن الأخير لا يعيش على جزيرة ومن الطبيعي أن يتأثر في الأوضاع في لبنان والتطورات السياسية والقرارات التي تتخذها السلطة التنفيذية والتشريعية والسلطة النقدية أيضاً، واستعادة الثقة تساعد على تحسّن القطاع المصرفي ولكنها لا تُستعاد من خلال شطب الودائع وتحويل جزء منها إلى أسهم، إنما عندما تلتزم الدولة اللبنانية بالتزاماتها تجاه مصرف لبنان ليعيد الأخير بدوره الودائع إلى أصحابها».
ويبدو أن أزمة الثقة بالمنظومة المصرفية تتفاقم، ولن يبقى في الميدان سوى شركات تنمو وتزدهر و»تفرّخ» بشكل مطّرد.
ليا ماريا غانم- نداءالوطن