التواريخ تتساقط ومعها ورقة «الممانعة» لإغراء القوى المسيحية… والفراغ “باقٍ باقٍ باقٍ”!
تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 تموز الجاري، ومعه تقفل صفحة مهمة من تاريخ حاكمية المصرف المركزي، انطلقت بأوسمة وشهادات وجوائز عالمية وانتهت بإعصار ودمار للقطاع المصرفي الذي شكّل أحد أوجُه نهضة لبنان الحديث. وما هو أكيد، الارتباط العضوي بين السياسة والمال والاقتصاد، وبالتالي قرار إدارة المصرف المركزي بعد سلامة، ليس تقنياً، وإنّما للسياسة الدور الأكبر.
شكّل سلامة منذ استلم الحاكمية أحد أبرز أوجُه المنظومة الحاكمة أو الركن المالي الأول لتلك المنظومة. ومع رحيله ستفتقد هذه المنظومة أحد أبرز أركانها ومُسيّر أعمالها، سيدخل المصرف المركزي مرحلة جديدة. وبعيداً عن الشقّ التقني، تبقى السياسة اللاعب الأول في كلّ الملفات وليس فقط في تعيينات المصرف المركزي أو مصيره بعد سلامة، وإذا انتهت ولاية سلامة بسلاسة فذلك يعني عدم استعجال المنظومة انتخاب رئيس، لأنّ أمورها «ماشية» وسيطول أمد الفراغ في الرئاسة الأولى.
كثيرة هي التواريخ التي رُبط إجراء الإستحقاق الرئاسي بها، فمن تعاطى الملف الرئاسي كان يُشير إلى حدوث توافق رئاسي بعد إنجاز الترسيم مع إسرائيل، لكن قوى 8 آذار رسّمت الحدود البحرية مع إسرائيل قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ولم يتمّ الاتفاق على رئيس للجمهورية.
انتهت ولاية عون وبدأت التواريخ تتوالى: قبل رأس السنة سيكون هناك رئيس، لكن هذا التاريخ سقط أيضاً… وبعضهم كان يراهن على حصول إتفاق إقليمي، والمفاجأة كانت بحصول إتفاق سعودي – إيراني، لكن هذا الاتفاق «على عظمته» لم يُحرّك الجمود الرئاسي. وبعد تزايد الضغط الدولي، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي إمكان انتخاب رئيس في شهر حزيران، لكن حزيران انتهى وسينتهي تموز، ولا رئيس للجمهورية.
أما التاريخ الأبرز الذي رُمي في سوق المداولات فهو انتخاب رئيس قبل نهاية ولاية سلامة في 31 تموز، لأنّ الفراغ في الحاكمية سيكون قاتلاً ولا أحد يستطيع تحمّل «لهيبه»، ولا تستطيع حكومة تصريف الأعمال تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، خصوصاً بعد الرفض المسيحي الذي لم يهضم اتخاذ قرار بهذا الحجم في ظلّ الشغور الرئاسي.
وأشارت معلومات منذ أسابيع إلى انتخاب رئيس قبل رحيل سلامة، لكن حتى هذه المعلومات سقطت وأثبتت فشلها، لأنّ تموز شارف على نهايته، ولا أحد يتوقع حصول معجزة خلال 10 أيام.
وحاول محور «الممانعة» بقيادة «حزب الله» والرئيس نبيه بري إغراء القوى المسيحية بإدخال ملف تعيين حاكم مصرف لبنان ضمن البازار الرئاسي، فعرض على «التيار الوطني الحرّ» أخذ هذا المنصب لقاء سيره بانتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، فرفض «التيار» هذا العرض، وانتقل محور «الممانعة» لإغراء «القوات اللبنانية» بمنحها هذا المنصب لقاء حضورها جلسة انتخاب فرنجية وتأمين النصاب فقط، فأتى الرفض من الدكتور سمير جعجع بشكل قاطع وبعدم السماح لـ»الممانعة» بفرض رئيس.
إذاً، فُكّ الإرتباط بين رئاسة الجمهورية وحاكمية المصرف المركزي بشكل كامل، فسقط تاريخ 31 تموز الذي كان ضاغطاً لإنتخاب رئيس، وسقطت معه ورقة المساومة التي جرّب فريق القوى المسيحية استعمالها مع المسيحيين للترغيب بأخذ هذا المنصب الذي تعود تسميته للقوى المسيحية، مقابل إنتخاب فرنجية، أو بالترهيب عبر إقدام حكومة تصريف الأعمال على تعيين حاكم جديد من دون رضى المسيحيين.
وإذا سقط فك الإرتباط الداخلي بين الحاكمية والرئاسة، إلا أن أحداً من الأفرقاء مهما بلغ من قوة لا يستطيع اختيار حاكم من دون رضى أميركي، والأمر نفسه ينطبق على الرئاسة كما يبدو، فالداخل العاجز عن الإتفاق، ينتظر الخارج ليقول له من سيكون الرئيس المقبل… فيبصم ويبتسم.
الان سركيس- نداء الوطن