الانتقالات السعودية نعمة على الأندية الأوروبية!
لا يمر يوم من دون أن نسمع عن صفقة مدوية لنجم كبير ينتقل الى الدوري السعودي، أو يكون على وشك الانتقال، ولم تعد فكرة التشكيك في قدرة الأندية على دفع رواتب كبيرة لاغراء النجوم، ولا حتى على الاستمرارية في فعل ذلك على المدى المتوسط، ما يعني انتفاء محاولات التشبيه بتجربة الدوري الصيني.
ورغم الصيحات التي تعالت من داخل الدوريات الأوروبية، وخصوصا من محللي الدوري الإنكليزي، وأبرزهم من نجومه السابقين، مشتكية من خسارة نجومها، والتي طالبت بتدخل عاجل للفيفا واليويفا لوضع حد للصرف اللامحدود للاندية السعودية، ووضع قوانين، مشابهة لقانون العدل المالي المطبق في أوروبا، وللغرابة هم نفسهم الذين رحبوا بالسيطرة شبه المطلقة للبريميرليغ على نظرائه في اسبانيا وإيطاليا وألمانيا، وبنفس أسلوب الاغراءات المالية التي تتبعها أندية دوري روشن السعودي، رغم ان البريميرليغ تفوق بفضل دهائه التسويقي والأهم السماح للاثرياء من المستثمرين بضخ الأموال والانفاق بسخاء، ما قاد تدريجياً الى جلب النجوم بفضل اغراءات الرواتب العالية، ما سمح بدخول شركات ضخمة من العيار الثقيل في اتفاقات رعاية وشراكة ودعاية مع اندية البريميرليغ، التي بدورها جلبت نجوما من كل بقاع الأرض، ما سمح أيضا ببيع حقوق بث المباريات مقابل مبالغ خيالية غير مسبوقة في عالم كرة القدم، في السوقين المحلية والعالمية.
هذا بالضبط ما تسعى الى تحقيقه السعودية، فأول الغيث كان أكبر اسم في عالم كرة القدم، كريستيانو رونالدو الذي انضم الى النصر في نهاية العام الماضي بعقد لعامين ونصف العام بعد رحيله عن مانشستر يونايتد، حيث أنه مهد الطريق أمام لاعبين كبار آخرين للانتقال إلى السعودية، بل أكد: «أنا بنسبة 100% لن أعود إلى أي فريق أوروبي. أنا عمري 38 عاما». وأضاف: «فقدت الكرة الأوروبية الكثير من الكفاءة. المسابقة الوحيدة التي لا تزال جيدة هي الدوري الإنكليزي الممتاز، وهي تتفوق على باقي مسابقات الدوري». وكان النجم الارجنتيني ليونيل ميسي، غريم رونالدو على مدار سنوات، مرشحا للانتقال إلى السعودية قبل أن يختار الانضمام إلى إنتر ميامي الأمريكي بعقد حتى 2025، لأسباب عائلية.
الهدف الرئيسي من ضم كل هؤلاء النجوم في مقابل كل هذه القيم المرتفعة، هو لجذب الأنظار والاهتمام بالمملكة، والتعريف بمكامن الجمال المتوارية عن العالم، لما تحويه البلاد من أماكن سياحية وتراثية رائعة. فكل نجم يتابعه عشرات، بل ربما مئات الملايين، من المتابعين في مختلف حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهؤلاء يريدون سرد ما يدور في حياتهم اليومية، وهو أبرز ترويج لهذه البلاد، حتى أسماها البعض بـ«الغسيل الرياضي»، فأي دولة في العالم لا تستغل نفوذها وقوتها ومزاياها للترويج لنفسها؟ لكن الأهم أيضا يبقى الارتقاء بكرة القدم في المملكة، وجعل الدوري السعودي من الأفضل، فهو فعلا الأفضل في آسيا بتخطيه الدوري الكوري الجنوبي، والتي حتى فرقه المدعومة من شركات عالمية على غرار جونبوك هيونداي وسوون سامسونغ، لا تملك القدرات المالية لمنافسة صندوق الاستثمار السعودي، لكن يبقى الهدف أكبر من القارة الصفراء، وهو المنافسة العالمية، ولهذا قال رونالدو: «الدوري السعودي أفضل من الدوري الأمريكي». رداً على انتقال غريمه ميسي، وأضاف: «الآن يأتي كل اللاعبين إلى هنا… خلال عام واحد سيحضر المزيد من اللاعبين الكبار». مثلما سار لاعبون كبار على نهج رونالدو ومنهم كريم بنزيمة الفائز بالكرة الذهبية والقادم من ريال مدريد وكذلك نغولو كانتي من تشلسي وانضم اللاعبان إلى الاتحاد بطل الدوري.
لكن رغم حجم الأسماء الكبيرة المنتقلة الى السعودية، فان الامر كان مفيداً جداً للاندية الأوروبية على عكس شكاوى وصيحات المتابعين، فغالبية الصفقات كانت للاعبين لا تمانع أنديتهم الأوروبية في بيعهم، بل كانوا يبحثون عن مخلص وشار لهم، فكانتي مثل رونالدو انتهى عقده، وبنزيمة كان في نهاية مسيرته مثل هندرسون، والهلال انقذ تشلسي من راتب كوليبالي العالي مثل بروزوفيتش مع الانتر، وهكذا كل الصفقات، حتى رياض محرز، باستثناء الصربي ميتروفيتش الذي يصر ناديه فولهام على عدم بيعه.
رابطة الدوري السعودي للمحترفين، أعلنت عزمها إطلاق استراتيجيّة تهدف إلى تحقيق النمو المستدام للدوري على المدى الطويل، وتعزيز تنافسيته وحضوره على المستوى العالمي، ليكون ضمن أقوى 10 دوريات في العالم. وتتضمن الاستراتيجية ثلاثة مسارات رئيسية، هي: تطوير العمل الإداري لكرة القدم في الأندية، وبرنامج استقطاب نخبة اللاعبين، وتنظيم أعمار اللاعبين السعوديين المشاركين في الدوري السعودي بالتنسيق مع الاتحاد السعودي. وهذه كلها مسارات جيدة، وترتقي بالعمل الرياضي ككل، لكن كنت أتمنى لو خصص مساراً يتعلق بتنظيم عمل الاعلام الرياضي، والابتعاد عن المحسوبيات، والتشجيع على المنطقية في التحليل، بدل منطق التشكيك الدائم كلما لم تصب النتيجة في مصلحة الفريق.
وفي حين ان الاستفادة ستكون جمة على كرة القدم السعودية، الا ان الأوروبيين يدركون أن وجود المزيد من الأموال لتصرف على اللعبة، لن يصب الا لمصلحة كبار الكرة الأوروبية.
خلدون الشيخ- القدس العربي