حرب الحبوب… مدافع الغذاء بعيدة المدى

سلاح الحبوب في مواجهة العقوبات

هل عرف العالم خلال الحرب الروسية – الأوكرانية نوعاً جديداً من أنواع الأسلحة والتي لم تكن معروفة من قبل؟

الشاهد أن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الحبوب بهدف التأثير في التوازنات العسكرية.

يعتبر القمح الذي يستهلكه مليارات الأشخاص والمدعوم في دول كثيرة، الحبوب الرئيسية للأمن الغذائي العالمي، كما يؤكد سباستيان أبيس، الباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس (إيريس). أما الذرة “فتستخدم لتغذية الحيوانات أو للحاجات الصناعية”.

وبحسب الأمم المتحدة يعاني أكثر من 200 مليون شخص حول العالم من جوع شديد، ولهذا فإن المنظمة الدولية تخشى “إعصار مجاعة” جديداً جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل حاد.

كيف سيكون المشهد العالمي بعد الانسحاب الروسي الأخير وتهديد القوات المسلحة الروسية بالتعامل مع أي سفينة أوكرانية تحمل شحنات من الحبوب في البحر الأسود، كأنها تحمل أسلحة؟

يقول الخبير الاقتصادي الفرنسي برونو بارمنتيه مؤلف كتاب “نورير لومانيتيه” إن “القمح يأكله الجميع، لكن لا يستطيع الجميع إنتاجه”.

اليوم هناك عدة دول فقط تنتج ما يكفي من القمح لتتمكن من تصديره: الصين هي أكبر منتج في العالم للقمح لكنها أيضاً مستورد لهذه الحبوب، إذ إن إنتاجها لا يكفي لإطعام سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار شخص.

تبدو روسيا – بوتين وكأنها قد حزمت أمرها، وعقدت العزم على الانتقام المزدوج من أوروبا وأوكرانيا.

أولاً أوروبا بسب دعمها العسكري لأوكرانيا، لا سيما بعد صفقات الأسلحة الحديثة من دبابات وصواريخ، التي لم تفلح في أن تجعل معركة أوكرانيا المضادة قاطعة، ما يعني إطالة زمن المعركة من جهة، والتعرض لخسائر اقتصادية وعسكرية من جهة ثانية.

أما أوكرانيا، فعن طريق حرمانها من الحصول على العائدات بالعملة الصعبة، أي الدولار واليورو والاسترليني.

هل استخدام غذاء الإنسان في المعارك والحروب مسألة أخلاقية؟ ومن قال إن الحروب دائرة صراع أخلاقي، فهل كانت قنابل هيروشيما ونغازاكي في الحرب العالمية الثانية أخلاقية؟ والقنابل العنقودية في فيتنام والعراق هل كانت أخلاقية بدورها؟

في الأول من يونيو (حزيران) 2022 وبعد أول انسحاب روسي من اتفاقية تصدير الحبوب، تحدث البابا فرنسيس في ميدان القديس بطرس بالقول: “الحبوب لا يمكن أن تستخدم كسلاح للحرب”.

ويومها أضاف أمام آلاف الأشخاص: “إن الملايين، لا سيما في الدول الأفقر في العالم، يعتمدون على القمح من أوكرانيا”، ودعا إلى رفع الحصار.

في اللقاء نفسه ووسط تصفيق من الحشود المجتمعة أضاف فرنسيس: “أدعو من صميم القلب أن يتم بذل كل جهد لحل هذه المشكلة لضمان حق الجميع في التغذية. من فضلكم لا تستخدموا القمح، وهو مادة غذائية أساسية، كسلاح حرب”.

هل استمع بوتين لنداء فرنسيس؟

غالب الظن أن القيصر ترددت في أذنيه أصداء تعليق سلفه ستالين على رغبة البابا بيوس الثاني عشر في المشاركة في مؤتمر “يالطا”، الذي جرت به المقادير بعد الحرب العالمية الثانية، إذ قال ستالين يومها: “كم فرقة عسكرية يمتلك البابا”.

اليوم كذلك لا يظن أحد أن البابا فرنسيس قادر من جديد على ردع بوتين عن استخدام سلاح الحبوب، حتى لو أدى ذلك إلى هلاك ملايين البشر جوعاً، وغالب الظن أن مهمة الكاردينال “زوبي” التي أرسله فيها لموسكو، وتالياً إلى واشنطن لن تنجح في وقف واحدة من المعارك العبثية في حاضرات أيامنا، والكفيلة بإشعال نيران حرب عالمية ثالثة.

ويظل التساؤل: هل يمكن إيجاد بديل للحبوب الأوكرانية، أو طرق بديلة للبحر الأسود لتعبر منها سفن أوكرانيا بأمان؟ الإجابة لا تكمن في خرائط الجغرافيا فقط.

اندبندنت

مقالات ذات صلة