«جنبلاط» يتأمّل كل المتغيّرات: هل يُمهِّد طريق العودة الى الشام؟
منذ أن بدأ التحوّل العربي حيال سوريا بعد سنوات من المشاركة في الحرب عليها قولاً وفعلاً والتي انتهت ببقاء الرئيس بشار الأسد على رأس الجمهورية، بدأ الحديث عن ما ستفعله بعض الأطراف اللبنانية التي ذهبت بعيداً في موقفها بمُعاداة دمشق، وتَكرَّر السؤال حول كيف ستتعامل هذه القوى مع الواقع الجديد، وكيف ستُؤمِّن تراجعها عن موقفها تدريجياً لكي تُجاري الموقف العربي الجديد، خاصة وأن الكلام مع سوريا «الأسد» بات أمراً واقعاً، عدا عن أن ارتباط هذه القوى بمرجعيتها العربية يُحتِّم عليها السير بمسارها لا عكسه…
كما انعكست الحروب في المنطقة على لبنان إنقساماً بين الأطراف الداخلية، من الطبيعي أن ينعكس المسار التسووي عليه خاصة على مَن خَسِر خياره من الأفرقاء، بحيث يرى نفسه مضطراً للتراجع وإلا سيجد نفسه خارج المشهد كله، وبما أن الجميع يبحث عن دور له في أي زمن كان، في الحرب والسلم، بدأت محاولات بعض الفرقاء اللبنانيين لإعادة التواصل مع سوريا، خاصة وأن هناك جهات عدة مستعدة للعب دور الوسيط وتحاول إيجاد أرضية مشتركة أو تفاهمات مستقبلية بين كثير من الأطراف اللبنانية والقيادة السورية..
هذا في العام، أما في الخاص فإنّ أوّل مَن يَخطر في بالنا عندما نتحدّث عن مَن سيتصدّر الإستدارة ناحية سوريا هو الحزب التقدمي الإشتراكي، باعتبار أن زعيمه يجلس على عرش التحوّلات والإنعطافات في السياسة بشكل ينسجم مع المسار الخارجي والداخلي بما يعتبره مصلحة له، وما نَقْل الزعامة من وليد جنبلاط الى نجله تيمور إلا إشارة للتفكير بهذا التوجّه، خاصة وأن شرط سوريا الأساسي بفتح صفحة جديدة مع الحزب التقدمي الإشتراكي أن تكون مع الإبن وليس مع الأب..
فبعد التغريدة الشهيرة لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط تعليقاً على مشاركة الرئيس الأسد في القمة العربية والتي تضمنت ما يلي: «وهل سألوا الشعب السوري اذا كان يرغب في العودة الى الحضن العربي طبعا لا. الجامعة العربية شبيهة بسفينة الـ Titanic تحمل هذا الشعب الى غرق محتوم وقد أعطي النظام شرعية التصرف والذين نجوا من التعذيب او السجون او التهجير فإن الحضن الحنون كفيل بشطبهم ومتى بربكم استشرتم الشعوب»…. عاد جنبلاط الى اعتداله بالكلام حول الوضع العربي وبدا وكأنه يتجّه نحو دعم وتأييد كل ما يجري من تفاهمات عربية واتخذ وضعية سياسية قابلة للإنفتاح على الجميع، بعد أن أنهى فورة ردود الفعل تجاه سوريا والتي اختفت فيما بعد، وكأن النفوس هدأت كبداية لمنعطف جديد في العلاقة مِن قِبَله، هذا في الشكل أما في التفصيل فقد ذهب البعض الى أبعد من ذلك بكثير، بحيث أن جنبلاط الأب بحُكم حضوره على رأس حزبه وفي الحياة السياسية اللبنانية رغم تسليم نجله الزعامة، توقَّف عن أي كلام ضد سوريا بالتزامن مع استقالته من رئاسة الحزب، وبعد أن أصبح النائب تيمور جنبلاط الرئيس وتلقى دعوة من روسيا لزيارتها بخطوة لا يُمكن فصلها عن سوريا، يقول العارفون إن جنبلاط الأب أكمل بمساره بحيث لوحظ أن أسئلته كثرت حول دمشق الى حدّ أنه بعث برسائل إليها.
جنبلاط الذي يتأمّل كل المتغيّرات التي تحصل من حوله، مَن يعرفه، يعرف جيداً أنه دخل مرحلة جديدة، بخطاب جديد وعلاقات جديدة، وسياسة جديدة تحجز له مكاناً في التسوية المقبلة..
أما من الجهة السورية.. فكما بات معلوماً أن السوريين لم يصلوا بعد الى مرحلة بحث الملف اللبناني، فالقيادة لها أولويات في مكان اخر قبل أن تصل الى لبنان وتبدأ البحث بكيفية التعاطي مع كافة الفرقاء وبالتحديد مع الذين استعدوها طيلة سنوات الحرب عليها، وبانتظار أن يَحين ذلك تبقى محاولات الأطراف اللبنانية مستمرة لإعادة العلاقة مع سوريا، مع تمنيات العودة الى ما كانت عليه سابقاً…
مريم نسر- الديار