مشاريع البناء الخاصة تحرم اللبنانيين من متعة السباحة
في بلدة ساحلية شمال بيروت، يدافع ناشطون بيئيون وسكان عن أحد آخر الشواطئ العامة في المنطقة، المفتوحة أمام المواطنين، لكن يهددها اليوم مشروع بناء قد يأتي أيضا على مغارة تتردد عليها فقمة، إحدى الثدييات الأكثر عرضة للخطر في المتوسط.
ولا يمكن للبنانيين، في البلد الذي تعانق حدوده الغربية مياه البحر الأبيض المتوسط على امتداد 220 كيلومترا، الوصول إلى أكثر من ثمانين في المئة من الواجهة البحرية، جراء التعديات على الأملاك البحرية، أحد أوجه الفساد في البلاد. وتقف السلطة عاجزة عن إزالة منتجعات نشأت خلال سنوات الحرب الأهلية (1975-1990) أو بعدها على أملاك عامة، أو عن فرض غرامات عليها.
في بلدة عمشيت، رفع السكان الصوت لمنع بناء فيلا قرب الشاطئ، وإن كانت تحمل ترخيصاً من السلطات.
ويقول الناشط المحلي فريد سامي أبي يونس لوكالة فرانس برس “لا يجدر بهذا البناء أن يكون موجوداً هنا في محيط بيئي حساس، وحيث تقع مغارة طبيعية تؤوي فقمة الراهب المهددة بالانقراض”.
ويضيف المهندس المعماري الذي يطالب مع سكان آخرين بتحويل “مغارة الفقمة” كما يسمونها إلى محمية طبيعية، “اختارت الفقمة منطقة عمشيت بسبب بيئتها ومياهها”.
وفريد من عداد قلة من السكان حالفهم الحظ برؤية وتصوير الفقمة التي يصنفها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة من الأجناس المهددة بخطر الانقراض، داخل المغارة ذات المياه الفيروزية اللون. وقد تخلت تلك الثدييات عن الشواطئ المكتظة بالرواد للتكاثر داخل كهوف.
وبحسب جمعية الأرض لبنان، وهي منظمة غير حكومية أطلقت حملة مدافعة عن المغارة، فإن الأخيرة مهددة بالانهيار في حال استئناف أعمال البناء.
منذ سنوات الحرب الأهلية التي عمّت فيها الفوضى وغابت سلطة الدولة، بات اللبنانيون محرومين من الشواطئ العامة والمسابح الشعبية النظيفة والمجهزة.
وتفرض منتجعات ومسابح خاصة رسم دخول قد يتجاوز الثلاثين دولارا، في بلد لا يلامس فيه الحد الأدنى للأجور عتبة مئة دولار.
وتقدر التعديات على الأملاك العامة البحرية والتي حصل الجزء الأكبر منها خلال سنوات الحرب، بأكثر من 1100 تعد، معظمها غير مرخص له، وفق ما يذكر محمّد أيوب رئيس جمعية “نحن”، المناصرة للمساحات العامة في لبنان.
أما المساحة المتبقية المفتوحة أمام السكان، فالجزء الأكبر منها، وفق أيوب، ملوّث جراء مياه الصرف الصحي التي تصبّ في البحر.
على بعد قرابة سبعة كيلومترات شمالاً، تستمر أعمال البناء في مشروعين سياحيين في بلدة تحوم، رغم صدور قرار رسمي بوقف الأشغال في يونيو/حزيران.
ويقول أستاذ التاريخ والناشط رياض نخول “تتواصل الأعمال سرا. أنظروا إلى هذه الفظائع”، مشيرا إلى جدار إسمنتي لحوض سباحة قيد الإنشاء.
وتتهم الناشطة في جمعية “نحن” كلارا خوري السلطات بغضّ طرفها عن أعمال البناء.
وعلى شاطئ قريب، تشير إلى فيلا قيد الإنشاء، تعيق الوصول إلى البحر، موضحة “للأسف في لبنان، عندما يحظى أشخاص بنفوذ، يقدمون لهم استثناءات وتُشرع مخالفاتهم”.
ورغم أن المخالفات والتعديات ليست بجديدة، وفق أيوب، لكن تحركات عدّة ينظمها الأهالي وناشطون بين الحين والآخر تسلط الضوء أكثر على فظاعتها وتنشر الوعي حول أهمية المساحات العامة والحفاظ عليها.
في بلدة كفرعبيدا في شمال لبنان، نظم سكان وناشطون قبل أسابيع تحركا احتجاجيا تسبّب بهدم شاليه مخالف على الشاطئ العام، ما اعتبروه بمثابة “فوز صغير” لهم.
ويروي طوني ناصيف أحد أبناء المنطقة الذين شاركوا في التحرك، “عندما علمنا أن المالك ينوي توسيع الشاليه وتحويل الشاطئ إلى خاص، أطلقنا حملة لنطالب بهدمه”.
وخلال الشهر الماضي، أدى تحرّك شاركت فيه منظمات غير حكومية بينها “نحن” إلى وقف أعمال ردم قرب الشاطئ في منطقة الناقورة في جنوب البلاد، والتي تعد من بين مناطق قليلة ما زالت شواطئها نسبيا بمنأى عن التعديات.
بعدما ارتاد شاطئا عاما لمدة ثماني سنوات، وجد كارل متربيان (32 عاما) نفسه مضطرا للبحث عن شاطئ جديد، بعدما تحول مساحة خاصة.
ويقول لفرانس برس بينما كان يتمتع بأشعة الشمس على شاطئ كفرعبيدا “في أي مكان في العالم، يمكن للناس ارتياد الشواطئ مجانا”، متسائلا “لماذا يمنعون الناس من ذلك في لبنان”؟
MEO