ما الذي سيتغيّر في “المجيء الثاني” للودريان … هل يستبدل فرنجية بشخصية أخرى؟

لم تتخلَّ الرئاسة الفرنسيّة عن دعم مرشّح “الثنائي الشيعي” سليمان فرنجيّة، في ضوء الاجتماع الثاني لـ”مجموعة الخمسة” التي التأمت، يوم الإثنين الماضي في الدوحة، لكن فعلت ذلك يوم قرر الرئيس إيمانويل ماكرون تعيين جان إيف لودريان ممثلاً شخصياً له في لبنان، في ضوء إقراره بفشل الخليّة الدبلوماسيّة في قصر الإليزيه في تمرير خريطة الطريق التي اقترحتها لإعادة تكوين السلطة التنفيذيّة في لبنان.

ولم تواجه الرئاسة الفرنسيّة في الدوحة رفضاً استثنائيّاً لفرنجية، فهي سبق أن تغاضت عن رفض مماثل تبلّغته، في الاجتماع الأوّل للخماسية الدولية والعربية، عندما انعقدت في شباط (فبراير) الماضي في باريس.

ولهذا فإنّ “المجيء الثاني” للودريان إلى بيروت المتوقع يوم الإثنين المقبل، الواقع فيه الرابع والعشرون من تموز (يوليو ) الجاري، لن يحمل جديداً على مستوى فرنجية، بل يفترض أن يطرح تصوّراً آخرَ متفقاً عليه مع كل من المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة، والموضوعة إيران في صورته بصفتها لاعباً أساسيّاً في لبنان عبر “حزب الله”.

وإذا كانت “الخماسية” في أوّل اجتماع لها قد انتهت إلى عدم التوافق مع فرنسا على إسقاط فكرة دعم فرنجية، فإنّها أنتجت في ثاني اجتماعاتها اتفاقاً على إسقاط فكرة انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالحوار.

وهذا يعني أنّ عودة لودريان العتيدة تأتي في ظل إسقاط “إلزامي” الثنائي الشيعي: الموافقة على سليمان فرنجية وضرورة الحوار.

ولكن ماذا يمكن أن يحمل لودريان في المقابل؟

من دون شك حصل الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي على تفويض من “الخماسية” التي شارك في اجتماعها في الدوحة، وعاد والتقى صنّاع القرار فيها على حدة، وهذا يعني أنّه سوف يأتي إلى لبنان بصفته جسر التواصل بين “مجموعة الخمسة” والقيادات اللبنانية المعنية بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة وتنفيذ الإصلاحات وتطبيق القرارات الدولية.

وفي هذه الزيارة لن يكون لودريان “استجوابياً”، بمعنى أنّه لا يأتي حاملاً استفسارات وأسئلة بل طارحاً مشروعاً متكاملاً متفقاً عليه خارجيّاً ومرتبطاً به مستقبل لبنان في تفاعله مع المنظومتين العربيّة والدوليّة.

وعليه، سوف يكون لودريان وسيطاً بين الخارج وجزء من الداخل اللبناني، من جهة، وبين الفرقاء اللبنانيين أنفسهم، من جهة أخرى.

وعليه، فهو سوف يطرح مشروعاً يقوم على استبدال فرنجية بشخصية أخرى تحظى بموافقة “الثنائي الشيعي” الذي لا يمكنه، بأيّ حال من الأحوال، أن يبقى متمترساً وراء “حصرية” ترشيح “المؤتَمَن على ظهر المقاومة”، ما يعني أنّه سوف يقترح إسقاط منطق “الانتخاب بالحوار” لمصلحة “الانتخاب بالتوافق”.

وقد جرى تزويد لودريان بعدّة العمل، فهو على مستوى “حزب الله” يمكنه أن يلفت الانتباه إلى أنّ الإصرار على معادلة “فرنجية أو لا أحد” بدأ يرتد سلباً على ما يصفه بـ”المقاومة”. فبعدما نجحت باريس، على مدى الأشهر التسعة الماضية، في تغييب وجوب تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، وكلّها تستهدف سلاح “حزب الله” ودوره العسكري، ولّد “العناد” إعادة هذه القرارات إلى الواجهة، بدليل ما صدر لهذه الجهة في بيان “الخماسية” في الدوحة.

كما أنّ لودريان يحمل في جعبته قناعة عربية ودولية بأنّ الثنائي الشيعي وحلفاءه هم المتهمون، في ضوء معطيات جلسات الانتخاب في مجلس النواب عموماً وخلاصات الجلسة الأخيرة خصوصاً، بعرقلة الانتخابات الرئاسية في لبنان، من خلال اللجوء المستمر إلى تطيير النصاب، بعد تصويت “خلّبي” و”خائب” في الدورة الأولى.

وهذه القناعة لم تعد “بلا جمرك”، إذ إنّ هناك تلاقياً عربياً وأوروبيّاً وأميركيّاً على اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المعرقلين، وهذا ما سبق أن تحدّثت عنه واشنطن وعاد وأوصى به البرلمان الأوروبي قبل أن تعلنه “الخماسية” في الدوحة.

وإذا كان “حزب الله” يستخف بالعقوبات الدوليّة، إلّا أنّه لا يستطيع أن يُسقط من حسابه أنّه يمكن أن يخسر كثيرًا إذا ما لجأ الاتحاد الأوروبي إلى إدراج “جناحه السياسي” في قائمة الإرهاب.

وحال حلفاء “حزب الله” مع احتمال استهدافهم بعقوبات ليست كحال سياسيّي “حزب الله”، فهم يخشونها فعلاً لأنّها تؤثّر على عائلاتهم ومصالحهم وأموالهم واستثماراتهم وفاعليّتهم ومناصريهم.

بطبيعة الحال، لا يملك لودريان قدرات السّحَرة، ولكنّه بات يملك عدّة العمل، مع خروج الاستحقاق الرئاسي، للمرّة الأولى منذ تسعة أشهر، من خانة “تجهيل المعرقلين”، من جهة، ومن خانة “استرضاء الثنائي الشيعي” من جهة أخرى، إلى الوضوح المطلق بحيث بات المسؤولون عن العرقلة معروفين بالإسم والشكل، وهم أولئك الذين يريدون أن يفرضوا خياراتهم على اللبنانيّين فرضاً، متجاوزين ليس الآليات الدستورية فحسب بل مبادئ الوفاقية – على تعاستها الديموقراطية – أيضاً!

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة