عاد الجميع إلى الرؤية السعودية: الخماسية القطرية تقرّ خريطة المملكة للبنان!
عاد الجميع إلى الرؤية السعودية. ما كان يفترض أن يصدر في باريس بعد الاجتماع الخماسي في 6 شباط 2023، صدر أخيراً بعد اجتماع الدوحة. إنّها العودة إلى المواصفات المحدّدة، بعيداً عن المقايضات أو المبادرات الفردية التي حاول الفرنسيون أن يأخذوا من خلالها مساحة لأنفسهم بالتمنّع عن إصدار بيان حينها، فتُركوا إلى مواجهة مصيرهم في المحاولات المتكرّرة لطرح فكرة مقايضة لم تجد طريقاً للتطبيق لا لبنانياً ولا خارجياً.
بالنظر إلى البيان الصادر عن اجتماع قطر الخماسيّ حول لبنان يمكن أن تتشكّل مجموعة نتائج خلاصات واضحة:
– أوّلاً: الاتّفاق على إصدار البيان، وهذا بحدّ ذاته إلزام مشترك للدول التي شاركت. وهو ما يعني أنّه لم يعد بالإمكان لأيّ طرف أن يخرج عن مندرجات ما تقرّر.
– ثانياً: إعادة الاعتبار لمفهوم المواصفات، أي رئيس يرضي اللبنانيين جميعاً، يتّسم بالنزاهة، ويكون قادراً على وضع خطة تتلاءم مع متطلّبات صندوق النقد الدولي.
– ثالثاً: تشكيل إطار تنسيقي للاجتماع الخماسي، يستكمل المبعوث الفرنسي بعده جولته التي حُدّدت مواعيدها مسبقاً، والتي ستشمل جدّة للقاء وزير الخارجية السعودي، ومصر، ثمّ لبنان، لكن بناء على تنسيق المواقف مع الدول الخمس.
رابعاً: ستكون هناك قوى أخرى من “الخماسية” على خطّ التنسيق والتواصل، وبالتالي لن تقتصر الزيارات للبنان على لودريان، إنّما هناك مسؤولون آخرون سيزورون لبنان في المرحلة المقبلة، من بينهم وزير الدولة لشؤون وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي.
– خامساً: التلويح الرسمي والعلني للمرّة الأولى من قبل “الخماسية” بالذهاب إلى فرض عقوبات على معرقلي إنجاز الاستحقاق الرئاسي، على أن يتمّ وضع تصوّر حول آليّة فرض العقوبات في المرحلة المقبلة، بانتظار انعقاد الاجتماع الثاني للّجنة في باريس ربّما خلال شهر أيلول المقبل.
– سادساً: صرف النظر عن تنظيم حوار كانت باريس من أكثر المتحمّسين له، على الرغم من علمها أنّه لن يكون منتجاً. لكنّها أرادت من خلاله رمي الكرة في ملعب اللبنانيين وإحالة الفشل عليهم، والاستمرار باستثمار الوقت الضائع.
– سابعاً: سيتمّ العمل على أن يضع كلّ طرف ورقة محدّدات أساسية تتضمّن تصوّراً عامّاً لحلّ الأزمة بانتظار مناقشتها في الاجتماع المقبل، وستكون عبارة عن ورقة مفاهيم.
– ثامناً: تراجعت قطر عن الدعوة إلى حوار بحضور ممثّلي الصف الثاني من الأحزاب اللبنانية، وذلك بعد الاقتناع بوجهة النظر السعودية، ومفادها أنّ الحوار قد يفتح الباب أمام سجالات ونقاشات متعدّدة حول اتفاق الطائف والصيغة والنظام والصلاحيّات… وبالتالي سيذهب إلى غير مقاصده أو مراميه.
– تاسعاً وأخيراً: تبقى مركزية نقطة الحوار، خصوصاً أنّه بالنظر إلى القوى التي كانت ستتمثّل، هناك مشكلة أساسية تواجهها الطائفة السنّية بتمثيلها المتعدّد والمختلف. وهو جزء من النقاش الذي دار في اجتماعات التنسيق بين السعوديين والقطريين. لذلك كانت الخلاصة في ضرورة التركيز على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية، وبعدها رئيس الحكومة وآليّة تشكيلها. على أن يتمّ تشكيل حيثية لرئيس الحكومة الذي تتوافر فيه كلّ المقوّمات التي تقتضيها المرحلة، ليصبح هو الممثّل للطائفة السنّية، مع الحيثية التي ستتشكّل له.
من يمثّل السُّنّة في الحوار؟
من هنا يُطرح سؤال أساسي ومركزي: من الذي سيمثّل السُّنّة على أيّ طاولة حوار؟
سؤال لا جواب له حتى الآن، خصوصاً أنّ هناك تشتّتاً سنّيّاً مشهوداً في مختلف المجالات، وهو ما ينعكس في السياسة وغيرها، وما تجلّى في جلسة 14 حزيران الانتخابية، ولا سيّما أنّ “الثنائي الشيعي” على موقف موحّد ومنسّق، في مقابل تقاطع المسيحيين على موقف رئاسي وعلى أفكار متعدّدة تتّصل باللامركزية الإدارية والماليّة الموسّعة.
هذا الانقسام العمودي هو نتاج مسار طويل من الافتراقات اللبنانية التي حصلت مع الحزب في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى:
1- مشكلته مع الدروز التي انعكست في بلدة شويّا مع راجمة الصواريخ بعدما رمت حمولتها على الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
2- مشكلته مع السُّنّة التي تجلّت في أحداث خلدة وسقوط قتلى وجرحى.
3- ومشكلته مع المسيحيين من أحداث الطيّونة وصولاً إلى الافتراق الرئاسي.
نتيجة هذا المسار، نجح الحزب في الانتقال إلى مرحلة أخرى، بتحويل نفسه إلى مُدافع عن “الطائف” والسُّنّة ضمناً، بحثاً عن تقاطعات متعدّدة معهم في ظلّ اشتباكه مع المسيحيين، بالإضافة إلى تسجيل الحزب المزيد من الاختراقات في البيئات السنّيّة من الجنوب إلى الشمال، سواء في شبعا وكفرشوبا أو صيدا أو طرابلس وعكار.
في المقابل، برز توتّر سنّيّ – مسيحي وسنّيّ – درزي:
– التوتّر السنّيّ – المسيحي انعكس في آليّات التعاطي الذي اتخذ طابعاً طائفياً ومذهبياً بعد أحداث القرنة السوداء، ويستمرّ ويتمدّد على خلفيّة “بيع الخمر”.
– فيما التوتّر السنّيّ – الدرزي تمّت معالجته سريعاً إثر حادث سير في منطقة راشيا اتّخذ طابعاً طائفياً أيضاً.
تعطي مثل هذه المؤشّرات انطباعاً عامّاً عن وضعية السُّنّة الحالية في لبنان وحجم الأزمة التي يعيشونها وتفرض عليهم الالتحاق بأحد المعسكرين بدلاً من اختلاق مسار عامّ جديد يمكنه أن يدفع الجميع للعودة إليهم.
خالد البواب- اساس