لبنان يفشل مجدداً بإرسال وفد إلى دمشق!
عادت الخطة التي وضعتها الحكومة اللبنانية، تحت عنوان “الترحيل الآمن”، لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إلى النقطة صفر، مع قرار وزير الخارجية عبد الله بو حبيب التنحي عن رئاسة الوفد الرسمي، الذي كان من المفترض أن يحدد موعدًا لزيارة دمشق، بعد الزيارة التحضيرية التي قام بها وزير المهجرين عصام شرف الدين.
رسالة أوروبية
وبعد أقل من شهر على قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تكليف الوزير بو حبيب، بمهمة التواصل مع الجهات المعنية في سوريا للبحث في ملف عودة اللاجئين السوريين ولتحديد موعد لزيارة وفد حكومي يرأسه ومؤلف من ستة وزراء، حمل توقيت تنحي بو حبيب عن مهمته رسائل سياسية بأكثر من اتجاه.
الأهم زمنيًا، أن عزوف بو حبيب عن الوقوف بالواجهة الرسمية للملف، جاء بعد أيام قليلة فقط من إعلان نص قرار “البرلمان الأوروبي”، الذي لم تهدأ حوله عاصفة الردود اللبنانية، حول ما اعتبرته قوى سياسية عديدة دعمًا لبقاء السوريين في لبنان، وذهب البعض لاعتبار القرار تمهيدًا لتوطينهم؛ علمًا أن القرار الأوروبي لا يلزم لبنان بأي إطار تنفيذي، وهو بمثابة رسالة تحذيرية تحمل تهديدًا مبطنًا بعصا العقوبات (راجع المدن).
أسباب الفشل
في حين تتحدث معطيات أخرى عن خلاف طرأ بين بو حبيب وميقاتي، حول إدارة ملف العودة، وكيفية زيارة الوفد إلى دمشق شكلًا ومضمونًا، وتحديدًا أمام المجتمع الدولي. مع الإشارة هنا أن المباحثات اللبنانية السورين الثنائية حول ملف العودة، تعترضها عقبات هائلة، وتعقيدات كثيرة تحتم مسألة فشلها، وسبق أن فصّلت “المدن” أسباب ذلك. ويمكن اختصارها مجددًا بالنقاط التالية:
– رفض المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) المطلب اللبناني حول تشكيل لجنة ثلاثية تضم لبنان وسوريا والمفوضية، وتاليًا استحالة تنفيذ خطة من هذا النوع على مستوى ثنائي.
– عدم تجاوب المفوضية حتى الآن مع المطلب اللبناني لجهة إعطاء الحكومة الداتا الكاملة حول اللاجئين السوريين في لبنان، خصوصًا أن لبنان يهدف لاستخدامها بعملية الترحيل وليس بعملية تسجيل الإقامات.
– عدم جهوزية سوريا لاستقبال اللاجئين، لوجستيًا وجغرافيًا وأمنيًا.
– تراجع الرهان على الانفتاح العربي الأول من نوعه على النظام السوري ورئيسه بشار الأسد بعد 12 عامًا من الحرب، في ظل عدم تجاوب أوروبي أو أميركي مع هذا الانفتاح، واستمرار فرض العقوبات التي تشكل حصارًا على سوريا.
إضافة إلى أسباب كثيرة أخرى متعلقة بالداخل السوري، بدا لبنان في هذه الخطة بأنه يرتجل تنفيذها متحديًا إرادة المجتمع الدولي. وهي على أحسن تقدير “خطة الوقت الضائع” تجاوبًا مع تصاعد الحملات السياسية، وتحديدًا من القوى المسيحية، التي تصر على عودة السوريين بأي طريقة ممكنة.
في المقابل، ثمة من يعتبر أن الضغط الأوروبي على لبنان بلغ ذروته على لبنان في هذا الملف، وسط استياء مسيحي واضح من مقاربات أوروبا وفرنسا تحديدًا لملفات مختلفة كالرئاسة واللاجئين السوريين. وهم يعتبرون أن أوروبا تطالب لبنان بتحمل ما هو أكثر من طاقته بملف اللجوء، كثمن لمدِّه بالمساعدات العينية والمادية والتربوية والعسكرية. وهو ما بدا جليًا في الخطاب الأخير للسفيرة الفرنسية آن غريو في الحفل الذي أحيته بقصر الصنوبر، في العيد الوطني لبلادها.
وتجلى ذلك باتهام الوزير شرف الدين البرلمان الأوروبي وتحديدًا الجانب الفرنسي، بالتعاطي مع لبنان كمستعمرة فرنسية.
ازدواجية ميقاتي
وعلى مدار أكثر من عام من التخبط الحكومي في إدارة ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وانبثاق أكثر من خطة وأكثر من وفد وأكثر من لجنة، يُحمل كثيرون بمن فيهم وزراء بالحكومة الرئيسَ ميقاتي مسؤولية ما آلت إليه الأمور بالملف. وفي مراقبة لسلوك ميقاتي بإدارة الملف، بدا أنه المسبب الأول للخلافات الكبيرة بين وزرائه، بدءًا من الخلاف الذي تسبب به حول الصلاحيات بين الوزير شرف الدين ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار.. إلى أن وصلت الأمور لحدّ دفعت ميقاتي إلى التنصل من مسؤوليته في الخطة والملف كاملًا، حسب مصادر متابعة. وحتى لا يتحمل ميقاتي “وزر” الغضب الأوروبي وخلفه الأميركي على لبنان، إضافة إلى المخاوف من العقوبات، وحتى لا يكون بالواجهة أيضًا، جاء المخرج هذه المرة بنسف مهمة الوفد الوزاري الذي قام شخصيًا بتشكيله، كمعبر لتطبيع العلاقات مستقبلًا بصورة رسمية مع نظام الأسد.
موقف “الخارجية”
وكان الوزير شرف الدين قد أعلن أن بو حبيب أبلغه أنه تنحى عن رئاسة الوفد الوزاري اللبناني إلى سوريا.
وأصدرت وزارة الخارجية أمس الأحد بيانًا أوضحت فيه بأن مهمة وزير الخارجية بما “يتعلق بالنازحين السوريين في لبنان هو التواصل والقيام بالاتصالات الدبلوماسية والسياسية مع الأشقاء العرب، وخصوصاً السوريين وسائر الدول الصديقة، وهو الأمر الذي يقوم به حاضرا ومستقبلًا وبالتنسيق مع رئيس الحكومة. أما المسائل التقنية، فتعود صلاحية متابعتها للوزراء والأجهزة المختصة.. كذلك، يحفل جدول أعمال وزارة الخارجية والمغتربين في الأشهر المقبلة بمناسبات عدة تتطلب حضوراً ومشاركة رفيعة المستوى”.
إذن، يواصل لبنان تخبطه في ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وسط صراعات وخطابات سياسية عالية السقف، وفي ظل الأزمة التي تضرب مرافق الدولة، وعلى رأسها أزمة الشغور الرئاسي. في حين أن أسباب العودة إلى سوريا لم تتهيأ بعد، مع غياب الحل الجذري السوري داخلياً، وعدم الشروع بعملية إعادة الإعمار فيها. وإذا كانت تركيا رغم كل قوتها الإقليمية، لم تستطع بعد إنجاز ملف عودة اللاجئين السوريين رغم كل الضغوط الداخلية لديها، فكيف للبنان بوضعه وواقعه وفي ظل انقساماته العمودية أن ينجز بصورة ثنائية ملفًا بهذا الحجم ضد إرادة المجتمع الدولي؟
جنى الدهيبي- المدن