اجتماع الدوحة: عقوبات وترغيب وترهيب…وقرارات حاسمة في أيلول المقبل
يمكن وصف الاجتماع الخماسي الخاص بلبنان، والذي شهدته العاصمة القطرية، الدوحة، بأنه اجتماع “تأسيسي”، تحضيراً لعقد اجتماع آخر في أيلول المقبل.
حضر الاجتماع وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية، الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي، والمبعوث الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان، ونائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش ترافقه السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، والمستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي، نزار العلولا يرافقه السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، والسفير علاء موسى مساعد وزير الخارجية المصري. استمر الاجتماع حوالى ثلاث ساعات جرى خلاله البحث في تفاصيل الملف اللبناني، واستكمال التعاون والتشاور بين هذه الدول للوصول إلى حلّ للازمة اللبنانية.
لا حماسة للحوار!
في بداية الاجتماع، قدّم لودريان شرحاً مفصلاً حول تفاصيل جولته الأخيرة إلى لبنان، مشيراً إلى أن هناك تباعداً كبيراً في مواقف القوى اللبنانية بالنظر إلى الإستحقاق الرئاسي، وأن هناك صعوبة في الوصول إلى توافق ما لم يحصل تدخل دولي مساعد. وركز لودريان على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول الخمس في تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين. ولذلك شدد أيضاً على ضرورة استمرار التنسيق والتعاون فيما بينهم، كذلك شرح لودريان أن حزب الله لا يزال متمسكاً بموقفه الداعم لسليمان فرنجية، وأنه يعبر عن عدم استعداده للتنازل عن هذا الخيار. واعتبر لودريان أن الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين ربما يسهم في تذليل العقبات التي تعترض هذا المسار، ولكن لم تكن هناك حماسة لهذا الحوار.
تأجيل المعاقبة
طُرحت في الاجتماع فكرة سعودية بفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين، الذين يعطلون إنجاز الاستحقاق الرئاسي، كما جرى التلويح أيضاً باقتراح وقف السياحة إلى لبنان، طالما أن أوضاعه السياسية غير مستقرة. وقد لاقى هذا الموقف السعودي تأييداً من الجانب الاميركي الذي المح الى امكان لجوء بلاده الى وقف منح تأشيرات الدخول الى اميركا للمسؤولين اللبنانيين، وتدخل رئيس الوفد القطري الدكتور محمد الخليفي داعيا الى التروي قبل الإقدام على مثل هذه الخطوات، التي لا تفيد بشيء لكنها ستعقد الأمور أكثر، خصوصاً وأنها عقوبات جماعية تطاول لبنان والدولة والشعب، ويجب التعاطي معها بهدوء. وتجاوبت الوفود مع هذا العرض القطري وتم تحييد فكرة العقوبات وتأجيل البحث بها، والدخول في نقاش حول مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس، على أن يكون هناك توازن في التعاون مع لبنان واللبنانيين ما بين الترغيب والترهيب، وخصوصاً مع المعطِّلين، واعتماد سلسلة من الخطوات التنفيذية التي تمهد لقرارات حاسمة تصدر عن اللجنة الخماسية في أيلول المقبل.
تفكير جديد
في المقابل، كانت مواقف المسؤولين، ولا سيما السعوديين والقطريين في الاجتماع، مشددة على ضرورة استمرار التنسيق والتواصل، في سبيل الوصول إلى حلّ يكون مرضياً للجميع، ويرتكز على ضرورة إنجاز الإصلاحات المطلوبة، خصوصاً أن أي مساعدات يحتاجها لبنان لا يمكن الحصول عليها من دون إصلاحات سياسية واقتصادية.
ولدى طرح لودريان لفكرة الحوار بين اللبنانيين، فلم تكن هناك حماسة قطرية وسعودية لها، باعتبار أن الحوار لأجل الحوار لا يمكن أن يؤدي إلى أي نتيجة، أولاً. والأهم، أن الأولوية الآن هي لانتخاب الرئيس. وثانياً، هناك خشية من أن يتحول هذا الحوار إلى فتح مجال أمام المطالبة بتغييرات دستورية قد تطاول صيغة النظام. أما ثالثاً، فكان هناك تشديد على وجوب اقتناع اللبنانيين بضرورة الذهاب إلى تسوية جدية ترضي المجتمع الدولي، وتخرج من حسابات مصلحية أو سياسية ضيقة، لأن لبنان يحتاج إلى مقاربة سياسية مختلفة عما كان عليه الوضع في السابق. وبالتالي، هناك حاجة للتفكير بطريقة جديدة.
العمل الخماسي
في الخلاصات، تم الاتفاق على إعداد ورقة مفاهيم واضحة، وتوحيد جهود الخماسية، وأن لا تظل فرنسا وحدها تسبح في هذا الفضاء. ما يعني أن يتم العمل بشكل خماسي في المرحلة المقبلة. فيما تشير مصادر متابعة إلى أن الوزير القطري يمكن أن يزور بيروت في المرحلة المقبلة، لاستكمال مساعيه.
توافق سعودي قطري
وحسب ما تشير مصادر ديبلوماسية، فمن المتوفع أن يزور لودريان المملكة العربية السعودية مجدداً، يوم الثلاثاء، للقاء وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في جدة، والبحث معه في الملف اللبناني، كما أن لودريان ستكون له زيارات أخرى في المنطقة، من بينها مصر ولبنان. بينما تشير مصادر ديبلوماسية إلى أن اجتماعاً مطولاً عقد بين العلولا ووزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي، وقد دام الاجتماع ساعتين، جرى خلاله البحث والتنسيق في كل ما يتعلق بالملف اللبناني، وكان هناك توافق بين السعودية وقطر حول المقاربة لملف لبنان.
وقد استقبل رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطرية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مبعوث الرئيس الفرنسي للبنان جان إيف لودريان، بمناسبة زيارته للبلاد. وجرى خلال اللقاء استعراض علاقات التعاون بين البلدين، بالإضافة إلى آخر المستجدات بالمنطقة، لا سيما في لبنان.
البيان: خيارات محددة
وبعيد الاجتماع صدر بيان عن المجموعة الخماسية جاء فيه:
“اجتمع اليوم ممثلون عن جمهورية مصر العربية والجمهورية الفرنسية ودولة قطر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، لمناقشة الحاجة الملحة للقيادة اللبنانية للتعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية، من أجل الوفاء بمسؤولياتها تجاه مواطنيها. ويعتمد إنقاذ الاقتصاد وتأمين مستقبل أكثر ازدهارًا للشعب اللبناني على ما ستقوم به القيادة اللبنانية. وفيما أكدت البلدان الخمسة على الإلتزام بسيادة لبنان واستقلاله، غير أنها تتابع بقلق أنه وبعد تسعة أشهر تقريبًا من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لم ينتخب القادة السياسيون للبنان خلفًا له. ومن الأهمية بمكان أن يلتزم أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤوليتهم الدستورية وأن يشرعوا في انتخاب رئيس للبلاد. وناقشت البلدان خيارات محددة فيما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال.
وأضاف البيان: “بغية تلبية تطلعات الشعب اللبناني وتلبية احتياجاته الملحة، رأت أنه لا بد أن ينتخب لبنان رئيسًا للبلاد يجسد النزاهة ويوحد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه ويشكل ائتلافًا واسعًا وشاملًا لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، لا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي. وشددت على أنها على استعداد للعمل مع لبنان لدعم تنفيذ هذه الإجراءات الإصلاحية التي لا مفر منها لتحقيق إزدهار البلاد واستقرارها وأمنها في المستقبل”.
ولفت البيان:” شددت مصر وفرنسا وقطر والسعودية والولايات المتحدة الأميركية على الحاجة الماسة إلى الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون، لا سيما فيما يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، وحثت بقوة القادة والأطراف اللبنانية على إتخاذ إجراءات فورية للتغلب على المأزق السياسي الحالي”.
وأكدت المجموعة الخماسية أهمية تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقيات والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الإلتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان. وتواصل كل من جمهورية مصر العربية والجمهورية الفرنسية ودولة قطر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية دعمها الثابت للبنان وتتطلع إلى استمرار التنسيق بما يصب في مصلحة الشعب اللبناني”.
بيان الخارجية القطري
ولاحقاً، أصدرت الخارجية القطرية بياناً جاء فيه: “شاركت دولة قطر في الاجتماع الثاني للمجموعة الخماسية بشأن لبنان، الذي استضافته الدوحة، اليوم، بمشاركة المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، والجمهورية الفرنسية. مثّل دولة قطر في الاجتماع سعادة الدكتور محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، وزير الدولة بوزارة الخارجية.
وأكد سعادته، في كلمة أمام الاجتماع، أن هذا اللقاء يعقد “من أجل إيجاد آليات لمساعدة لبنان في تجاوز حالة الشلل السياسي، وفي مواجهة أزمته الاقتصادية انطلاقا من واجبنا الإنساني، وإدراكا منا لأهمية لبنان في محيطه العربي والدولي”، مشدداً في هذا السياق على أن “الحلول لا يمكن أن تكون إلا على أيدي اللبنانيين، بما يلبي تطلعات الشعب اللبناني الشقيق في مسيرة التنمية والتقدم”.
وقال الخليفي “إن وضع رؤية جامعة من أجل إعادة الانتعاش إلى الوضع الاقتصادي في لبنان هو أمر ملح”، معرباً عن أمله في “الاستمرار في العمل ومتابعة الجهود التي بذلت في الاجتماع الأول في باريس، وإيجاد حلول وآليات إضافية تمكن لبنان وشعبه الشقيق من الخروج من هذه الأزمات مع الحفاظ على سيادته واستقلاله”، مؤكداً على “وقوف دولة قطر بجانب لبنان وشعبه الشقيق ودعم الجهود الدولية التي تؤدي إلى وحدته واستقراره”.
الخارجية الأميركية
أيضاً، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية بان “ممثلين من مصر وفرنسا وقطر والسعودية وأميركا التقوا لبحث حاجة لبنان الملحة للإسراع بانتخابات الرئاسة، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية”. وأشارت إلى أن “أميركا والدول الأخرى تشعر بقلق حيال عدم اختيار قادة لبنان السياسيين خلفا للرئيس ميشال عون حتى الآن”.
ولفت الخارجية الاميركية إلى أن “أميركا والدول الأخرى أكدوا على حاجة لبنان لإصلاحات قضائية وحكم القانون خاصة فيما يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020”.
منير الربيع- المدن