هل فقدت الأوساط اللبنانية الأمل في لودريان؟
يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان أيف لودريان لبيروت في الـ 24 من يوليو (تموز) الجاري وسط حال من التشاؤم الناتجة من انسداد الأفق وغياب الأفكار الجديدة التي من شأنها تحريك الجمود الرئاسي، بحسب ما أكد مصدر دبلوماسي لـ “اندبندنت عربية”.
وزيارة لودريان في نسختها الثانية تأتي بعد مرور نحو شهر على الأولى وبعد زيارة إلى السعودية، قبل أن ينتقل إلى قطر للمشاركة للمرة الأولى في اجتماع المجموعة الخماسية اليوم الإثنين، علماً أن باريس كانت تسعى إلى عقد اجتماع الخماسية بعد زيارة لودريان بيروت وليس قبلها.
وتسود قناعة في لبنان بأن لودريان لن يتمكن من اجتراح حلول كما يعتقد، وبعضهم رأى في عدم توجهه إلى بيروت مباشرة من الدوحة إشارة واضحة إلى أن اجتماعه هناك لن يخرج بمبادرة، وأن الحل ليس خلال أيام وقد يتطلب مزيداً من الاتصالات والمشاورات.
كما يعتقد كثيرون أن عودة الحوار بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” يؤشر إلى أن ما كان معتمداً في المرحلة السابقة كان تكتيكاً فقط، وهذا من شأنه أن يعقد الأمور أكثر.
وأكدت مصادر مطلعة على مهمة الموفد الفرنسي أنه يعود للبنان بفكرة إجراء حوار لم يتضح شكله ولا مكانه بعد، لكن الأكيد أنه لن يكون برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أعلن بنفسه أنه بات طرفاً.
في المقابل يبدو الطريق إلى الحوار غير معبّد، فالمواقف التي أطلقت من مختلف القوى السياسية واستبقت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي كشفت صعوبة المهمة، فالأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله أكد التمسك بمرشحه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ورفض الذهاب إلى حوار بشروط مسبقة مثل التخلي عن فرنجية، وأعطى تعليماته لمسؤولي الحزب بعدم الحديث عن الحوار مجدداً.
في المقابل نصح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لو دريان “ألا يتعذب بإعادة طرح الحوار”، وأكد أنهم جاهزون لمشاورات جانبية فقط للوصول إلى اسم جديد في حال طرح، كما لم يمانع الانتظار حتى لو دام الشغور 10 أعوام كما قال، بدلاً من التصويت لمرشح “حزب الله”.
الحوار بعد انتخاب الرئيس ليس قبله
وكشف مصدر دبلوماسي أممي لـ “اندبندنت عربية” أن فرنسا تتواصل مع كل الأطراف المعنية بالملف اللبناني وخصوصاً السعودية والولايات المتحدة الأميركية، فيما التواصل مع إيران يتم بشكل غير مباشر وبطرق أخرى.
ويقرأ كثيرون في حركة لودريان إشارة واضحة إلى أن الدبلوماسية الفرنسية تحاول إعادة التموضع على المستويين العربي والدولي من خلال علاقتها أولاً مع السعودية وثانياً مع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً بعد أن تردد أنه بات لدى وزارة الخارجية الفرنسية قناعة بأن خيار دعم مرشح الثنائي الشيعي كان خاطئاً.
ويرى كثيرون بأن مهمة لودريان في بيروت قد لا تتكلل بالنجاح، وقد تكون أيضاً انعكاساً لاستمرار الاختلاف بين الإليزيه و”الخارجية الفرنسية” على طريقة معالجة الأزمة الرئاسية، إذ لا يزال الرئيس إيمانويل ماكرون يعتبر أن الحل الواقعي الذي يعتمد على دعم مرشح يقبل به “حزب الله” هو الأنسب، فيما تميل الثانية للعودة للثوابت التي تحقق مصالح فرنسا، والأخذ بعين الاعتبار ميزان القوى الجديد الذي أظهرته جلسات انتخاب الرئيس المتتالية.
وعشية اجتماع ممثلي الدول الخمس في قطر، أكدت مصادر دبلوماسية أن موقف الولايات المتحدة الأميركية ثابت وكذلك موقف السعودية لجهة التركيز على البرنامج والضمانات التي يمكن أن يقدمها أي رئيس في تطبيق “اتفاق الطائف”، والقرارات الدولية وتنفيذ الإصلاحات البنيوية، من دون تبني أي مرشح.
وتؤكد المصادر أن الاتصالات والمشاورات الحالية ترتكز على حسم مسائل أساس أولها الدعوة إلى الحوار وسط قناعة لدى غالبية أعضاء المجموعة الخماسية، وبتناغم مع الـ”فاتيكان”، بضرورة أن يحصل الحوار بعد انتخاب رئيس للجمهورية وليس قبله، بما يعني من رفض لتقديم أي تنازل للثنائي، حركة “أمل” و”حزب الله”، على قاعدة تمييع العملية الديمقراطية.
ولوح الاتحاد الأوروبي في بيانه الأخير بشكل واضح بفرض العقوبات على معطلي الاستحقاق الرئاسي، ويرتكز النقاش أيضاً حول مواجهة تغيير هوية الجمهورية اللبنانية على قاعدة رفض أي تعديل للنظام، لا بصيغة المثالثة ولا بصيغة الفيدرالية ولا بطرح دستور جديد.
هل من مبادرة جديدة في الداخل؟
توقف كثيرون عند تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه بري الأخير عشية اجتماع الخماسية في الدوحة، فبري حرص على الإيحاء بألا “فيتو” ضد قائد الجيش العماد جوزيف عون عندما قال أمام وفد من الإعلاميين “الرجل صاحبنا ومش قاتليّ بييّ “.
والمعلوم أن العماد عون تدعمه قطر بشكل غير مباشر، لكن يرفضه “التيار الوطني الحر” الذي بات همه الوحيد الآن، بعد “تطيير” فرنجية، إبعاد قائد الجيش عن السباق الرئاسي.
ووسط هذه الأجواء يكشف النائب المستقل غسان سكاف لـ “اندبندنت عربية” عن طبخة رئاسية تطبخ بعيداً من الإعلام، والاستعداد للحظة الحسم باسم جديد، ويرى سكاف أن هناك إشارات ليست بقليلة توحي بإمكان التوصل إلى الاتفاق على اسم يمكن أن يكون المخلص.
وأكد سكاف أنه استأنف حراكه بعيداً من الأضواء لكسر الجمود وإزالة الحواجز بين كل القوى بعد أن نجح بالتوصل إلى التقاطع بين حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” من جهة، و”التيار الوطني الحر” من جهة أخرى.
والتقى سكاف حتى الآن أكثرية القوى الأساس بحثاً عن تفاهم على اسم بالتزامن مع مهمة لودريان، وإذ يستبعد النائب المستقل أن يتمكن الموفد الرئاسي الفرنسي من إيجاد حل للأزمة الرئاسية في المدى القريب، فقد كشف عن أن مبادرته الجديدة تنص على الانطلاق من المرشحين الحاليين، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ومدير الشرق الأوسط وآسيا في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، وتكثيف المحاولات الأخيرة لإقناع أحد الفريقين بمرشح الآخر قبل الانتقال إلى البحث عن الاسم الثالث، فإما أن يكون قائد الجيش أو اسماً مدنياً.
وأكد سكاف الذي التقى مسؤولين في “حزب الله” أن الأخير متجاوب ولم يقفل الباب أمام التشاور ولم يعد متمسكاً بمقولة “إما فرنجية أو الفراغ”، مشدداً على أن ما يقال داخل الغرف المغلقة غير ما يقال في العلن.
اندبندنت