تقنيات امتصاص الغضب في “الصيف العنيف”

تصرف غريب أقدم عليه المذيع النمسوي أرمين وولف، وهو يختم نشرة الأخبار، بسكب الماء على رأسه مباشرة على الهواء، بعد قراءة خبر عن الطقس وعرض تقرير للأمم المتحدة يفيد بأن الأيام الماضية كانت الأشد حراً على الإطلاق، بعدما تجاوزت الحرارة في فيينا 37 درجة مئوية.

تصرف غريب حاول به وولف أن يسلط ضوءاً أحمر على تأثير الطقس على تصرفات الناس، حتى لو كانوا في موقع مسؤولية ما، فكيف الحال إذا كانوا أشخاصاً عاديين؟. غالباً تطفو على السطح فرضية ارتباط الطقس بسلوكيات الناس، فهل فعلاً يسبب ارتفاع درجات الحرارة تصرفات غريبة تصل إلى العنف؟ وهل هناك تفسير منطقي لهذه الظاهرة؟

الطقس والعدوانية

بعض الدراسات أزاحت الستار عن أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من معدل الجرائم والعنف، لعل منها دراسة نشرت على موقع Psychological science وتتحدث عن الاحتباس الحراري والسلوك العنيف، والتي أفادت بأن هناك بعض العواقب النفسية والاجتماعية لتغير المناخ، بما في ذلك العدوان والصراع العنيف.

عندما يصاب الناس بالحرارة بشكل مزعج، يزداد مزاجهم حدة، ويصبح احتمال الاعتداء لديهم أعلى، وبعد تجارب أجريت على أشخاص وضعوا في غرف متفاوتة الحرارة، وجدت أن الأماكن الأكثر حرارة تزيد من عدوانيتهم، وتسهل استفزازهم.

وذكرت العديد من الدراسات أن المناطق مرتفعة الحرارة تميل إلى التعرض لجرائم أكثر عنفاً، لافتة الانتباه إلى أن زيادة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة قد تؤدي إلى ارتفاع بنسبة تصل إلى ستة في المئة في معدلات الجريمة العنيفة، وما يعني الوصول إلى 25 ألف هجمة أكثر خطورة سنوياً في الولايات المتحدة وحدها، بحسب الدراسة. هذا عدا العوامل الأخرى المتعلقة بسلوكيات المجتمع والتربية والحالة الاقتصادية والمستوى التعليمي والبطالة وغيرها.

في اليابان أظهر تحليل أجري بين عامي 2012 و2015، أن حركة نقل ضحايا الاعتداء في سيارات الإسعاف متعلقة بارتفاع درجات الحرارة اليومية، ويظهر تقرير موسمي للأحداث العنيفة، أن معظمها يقع في فصل الصيف.

دراسة أخرى أجريت في جامعة نورث ويسترن، تبين أنه عندما يتعرض الناس إلى درجات حرارة عالية يكونون بمزاج سيئ وأقل استعداداً للتعاون. وقد يكون السبب هو الشعور بالتعب والإرهاق والجفاف وأعراض الكآبة التي يسببها الطقس الحار، الذي يؤثر بدوره في الإنتاجية في العمل.

وفي مقال نشره موقع تابع للرابطة الأميركية للطب النفسي حول مساهمة الحرارة العالية في تدهور الصحة العقلية، تبين أن الحرارة الشديدة لها آثار كبيرة على الصحة العقلية والسلوك العنيف، خصوصاً في بيئات المنزل والعمل، كما ربطت الأبحاث درجات الحرارة المرتفعة بمشكلات الذاكرة والانتباه والنوم الصحي وتفاقم الأعراض النفسية.

ما الحل؟

قد يبدو الانتقال إلى أماكن باردة حلاً نظرياً مفيداً، ولكنه ليس منطقياً، فالناس منذ القدم انتهجوا اللجوء إلى المياه الجارية والأنهار والشواطئ للتخلص من الحر الشديد، أو إلى المصايف والجبال ذات الطقس المعتدل.

وبنيت البيوت من أحجار عازلة للبرد والحر، وصممت للبيوت الصحراوية سقوف بطرق تدخل الهواء إليها قبل أن يخترع المكيف الهوائي وتقنيات حديثة أخرى تحمي من الحر.

وتعد النصائح المتعلقة بتبريد الأماكن، التي قد يكون الوضع الاقتصادي فيها صعباً، مجرد كلام في الهواء وليس بمتناول كل الناس، بخاصة أن أسعار المكيفات وتشغيلها مكلف، وعلى رغم ذلك فإنه يتوقع أن تسجل سوق مكيفات الهواء نمواً سنوياً يزيد على خمسة في المئة حتى عام 2026، إذ تشهد هذه الصناعة نمواً سنوياً هائلاً مع قبول المكيف كمنتج مفيد، وليس مجرد منتج فاخر بسبب الاحتباس الحراري.

المتخصصة في التنمية البشرية جيسيكا خديده، الحائزة شهادات في الطب البديل والتأمل وعلم الجرائم السلوكي وعلم النفس ومكافحة الإرهاب، تقول لـ”اندبندنت عربية”، إن فرضية الحرارة تنص على أن درجات الحرارة المرتفعة تزيد من الدافع العدواني، وقد ترفع السلوك العدواني في بعض الظروف.

وتضيف: “لوحظت معدلات أعلى من العدوانية من قبل الأشخاص المعرضين للحرارة المرتفعة مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في أماكن أكثر برودة”، لافتة إلى أنه من المهم السيطرة على اللحظة والتمرين الذاتي بغض النظر عن الظروف التي نعيشها.

تنصح جيسيكا ببعض التقنيات التي تحد من الغضب الذي يؤدي للعنف، بخاصة في ظل طقس حار، وفي مقدمتها تقنية التنفس من البطن. وهنا تقول “إن البطن هو عقلنا الثاني، كل مشكلاتنا النفسية والمرضية والمشاعرية تأتي من البطن، فنشعر بوخز فيها أثناء السعادة والخوف والغضب وعدم الأمان، لأنها صلة وصل بيننا وبين أدمغتنا”.

أما ثاني التقنيات فتتمثل في التأمل بطريقة واعية استيعابية، مضيفة “التأمل في حياتنا اليومية في أبسط الأمور، فإذا كنا نحضر كوب شاي، على سبيل المثال، نأخذ وقتنا في التحضير يومياً. نضع كل تركيزنا على الرائحة واللون والطريقة التي نحضر بها، ونشرك حواسنا الخمسة بكل وعي وتركيز، وهذا جزء من تأمل يومي بسيط، وندرب حواسنا الخمس على عيش اللحظة. وإذا طبقنا الأمر لشهر سنشعر حتماً بالهدوء الذي يجعلنا نتروى قبل رد الفعل الغاضب، إضافة إلى التنفس بتقنياته العديدة الذي يساعد على امتصاص الغضب”.

ومضت في استعراضها بالقول “يفرز الطقس الحار الكثير من الأشخاص الغاضبين. وفي دراسات أجريت في أميركا، وجدت أن أكثر الإغاثات المطلوبة أسرياً تكون في الشهر السادس والسابع من العام، أي أول الصيف. وكلما كانت موجات الحر أعلى، كلما فقد الشخص السيطرة على المحيط، مما يظهر رابطاً وثيقاً بين الحر وكمية الجرائم أكانت عنفاً أسرياً أو عنفاً آخر”.

ثلاثية ناعمة

في البلدان العربية ترصد جيسيكا “الفقر والوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي إضافة إلى الحر، كونها أموراً تولد العنف، ويجب العمل على تقليلها في الأحياء الشعبية التي تعاني من هذه المشكلات، عبر تنظيم الحكومات والجمعيات الخيرية نشاطات تمتص الغضب مثل يوغا الضحك وتنظيف الشوارع وزرع الشتول وتسوية المساحات الخضراء، والرسم الفني على الجدران بألوان تبعث على الفرح، وتجميل الحي وتعليم الناس، إذ إن العلم سلاح ضد العنف”.

برهنت دراسات أخرى أن نوعية الطعام تؤثر في معدل العنف، وهو ما تعلق عليه المتخصصة في التنمية البشرية بقولها “إن تناول اللحوم الحمراء يزيد من العنف، في حين أن تناول الخضراوات والأسماك وغذاء غني بالأوميغا 3 والفيتامينات والدهون الجيدة كالأفوكادو وزيت الزيتون، يحسن قوة الدماغ ليس فقط ضد ألزهايمر، بل يجعل الدماغ صحياً”.

وتضيف “بالتالي هذا النظام الغذاء الصحي يجعلنا متوازنين علقياً وتفكيرنا متوازن فنخفف أعراض العنف والعصبية، فالدماغ السليم يعني عقلاً سليماً بالتالي سلوكيات سليمة”.

الحركة تشتت الغضب

“مهما كان ظرف المكان الذي نعيش به، فمن الجيد التمرن على تقنية حب الذات، لأن حب الذات الصحي غير الأناني، يجعلنا نحب أجسامنا ونغذي روحنا بهوايات جميلة أو عادات تعطينا السعادة”، وفقاً لجيسيكا.

وتنصح بالعلاج بالحركة الجسدية لكونها تقنية تكون بالحركة بدلاً من الضغط على الجسم وكز الأسنان، “ففي أي موقف مزعج الأفضل عدم الوقوف أو الجمود، بل المشي أولاً لكسر الحالة، وتحريك الجسم، أو الهز بالرأس، إذ إن إبقاء القدمين ثابتتين على الأرض تولد غضباً متصاعداً. ومن المفيد استخدام تقنية الحركة لإدارة الغضب، إضافة إلى السماع للموسيقى والرقص لتفريغ المشاعر السلبية”.

وتختم “ممكن أيضاً تطبيق بعض تقنيات التاي شي في التنفس التي تخفف التوتر الداخلي، أو تقنيات أخرى كتكسير شيء بين اليدين أثناء الغضب، أو تمزيق ورقة، أو كتابة ما يزعجنا على ورقة وحرقها، وتساعد هذه التقنيات في تخفيف الغضب في اللاوعي. هذه التقنيات مجتمعة يستطيع الشخص اللجوء إليها وحده للسيطرة على الغضب الذي يولد العنف أو اللجوء إلى متخصص إن لم يستطع السيطرة على غضبه”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة