حفلات الصيف: هل هي من أولويات اللبناني في زمن الانهيار؟
حفلات الصيف… دواء اللبنانيين في أزماتهم!
تلعب حفلات الصيف هذا العام دوراً مهماً في تنشيط اقتصاد لبنان المأزوم مستعيداً دوره كوجهة سياحية جاذبة للحفلات والمهرجانات الموسيقية والثقافية، لتكون بذلك القطاعات الاقتصادية كالفنادق والمطاعم والمحال التجارية الرابح الأكبر، لا سيما وأنها تتزامن مع توافد المغتربين اللبنانيين الذين أضفوا حالةً من الاستقرار على سوق سعر صرف الدولار نتيجة زيادة العرض من العملة الصعبة في السوق المحلية، الأمر الذي أدّى إلى تحسن سعر الصرف وتقليل تذبذباته، وإلى زيادة الحركة الاستهلاكية والإيرادات السياحية التي أنعشت الأسواق وخزينة الدولة العاجزة بالعملة الخضراء.
اللبنانيون الذين وجدوا في الحفلات الفنية، على الرغم من الوضع الاقتصادي السيء، وسيلة للهروب من الواقع المأساوي الذي يعيشونه، حتى أن دفع ثمن البطاقات بالدولار لم يعد عائقاً بالنسبة الى الكثيرين منهم مقابل إمضاء ساعات من الوقت للاستمتاع بالموسيقى والفن، يتعرضون في الآونة الأخيرة لانتقادات واسعة نظراً إلى صعوبة تحصيل الدولار الفريش وإلى وجود أولويات أخرى أكثر أهمية. فهل هذه الحفلات هي فعلاً من أولويات المواطن اللبناني في زمن الانهيار؟
مما لا شك فيه أنه في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية، لم تعد الحفلات الفنية بالأهمية نفسها بالنسبة الى اللبنانيين على حد سواء، فما كان قبل الأزمة ليس كما بعدها مع صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية، غير أن ذلك لم يمنع الكثيرين منهم من اللجوء إلى استخدام الفن والثقافة كوسيلة للترفيه والاسترخاء ومتنفس من الأوضاع والخروج من ضغوط الحياة اليومية والانتكاسات السياسية والاقتصادية علّها تخلق جواً من التفاؤل في زمن الأزمات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن قرار كل لبناني سواء أكان مقيماً أم مغترباً بتحمل تكلفة الحفلات الفنية يعتمد على ظروفه المادية وأولوياته التي يراها مناسبة له، ففي الوقت الذي يفضل البعض إنفاق أموالهم على تلبية الاحتياجات الرئيسة، يعتبر البعض الآخر الحفلات الفنية حاجة ملحة للتخلص من الانعكاسات النفسية السلبية.
كما أن الرغبة في عودة الحياة الاجتماعية إلى طبيعتها والتحرر من القيود التي فرضتها جائحة كورونا والرجوع إلى نمط الحياة الطبيعي يعدّ أيضاً دافعاً مهماً لا يمكن إغفاله، فضلاً عن أن حصول عدد لا يُستهان به من اللبنانيين من موظفي القطاعين العام والخاص، على جزء من رواتبهم بالدولار الفريش يمنحهم قدرة شرائية أعلى ومرونة مالية أكبر لشراء التذاكر وحضور الحفلات الفنية والمهرجانات بعدما أصبح الدولار فريش الوسيلة الأكثر أهمية ومصدراً رئيساً لاستعادة استقرارهم المالي والاجتماعي.
نجح القطاع السياحي من جديد في استقطاب المغتربين والمقيمين خلال فعاليات الصيف ليُثبت أنه القطاع الأكثر استدامة الذي لا يزال قادراً على جذب العدد الأكبر من السياح والزوار، غير أن استعادة هذا النشاط السياحي غير كافية لمواجهة التحديات والأزمات الهيكلية التي يعاني منها لبنان. صحيح أن الأنشطة السياحية والفعاليات الثقافية والترفيهية توحي بتحسن في الأوضاع الاقتصادية وهي بمثابة مؤشر إيجابي لتغيير صورة لبنان القاتمة، إلا أن الأهم يبقى في تحقيق ازدهار اقتصادي مستدام مبني على أسس متينة تعالج الخلل المالي والنقدي والمؤسساتي والأسباب الجذرية للأزمات المتشابكة التي وضعت لبنان على سكة الانهيار منذ سنوات.
بين تناقض الصورة السياسية التي تعكس حجم الاضطراب والتوتر والصورة السياحية التي تستعيد أيام الازدهار والانتعاش، وما بينهما من اتفاق ضمني بين جميع الأطراف على ضرورة تأمين صيف هادئ للمغتربين والسياح والمقيمين، وحده الاصرار على الاستمرار في الحياة يبقى العامل الحاسم للصمود بانتظار انفراج سياسي ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.
هدى علاء الدين- لبنان الكبير