كيف أصبح حضور المباريات يقتصر على فئة محدودة بسبب ارتفاع التذاكر؟
أصبحنا جميعاً نعاني من ارتفاع الإيجارات والفواتير وأسعار السلع الغذائية في المتاجر، بل وصل الأمر إلى أن أصبح بعض الآباء عاجزين عن توفير الحليب لأطفالهم الرضع، وتزايدت أعداد المشردين في الشوارع. ورغم ارتفاع أرباح الشركات، لم يعد بإمكان العمال أن يطالبوا بزيادة في الراتب، ولم يعد بإمكان الكثيرين شراء السلع التي تحمل اسم علامات تجارية شهيرة، ولم يعد بالإمكان أيضاً مشاهدة الفعاليات والأحداث الرياضية من الملعب.
ربما لست أفضل شخص يكتب عن ارتفاع تكلفة حضور المباريات في هذا البلد، نظراً لأنني أحضر المباريات مجاناً، بحكم عملي. لكن الوقت قد حان في حقيقة الأمر لكي يبدأ شخص ما في إثارة هذه القضية، لأن الأمر أصبح سخيفاً للغاية. لقد أعلن توتنهام في أبريل (نيسان) الماضي تجميد أسعار التذاكر الموسمية لموسم 2023 – 2024، وقال: «إننا ندرك تماماً أن الجميع يعاني حالياً بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. ونحن ندرك الالتزام المستمر من جانب جماهيرنا». لكن الأمر لم يستمر سوى 3 أشهر فقط! ففي الأسبوع الماضي، رفع النادي أسعار تذاكر حضور المباريات بنسبة تصل لنحو 20 في المائة (ترتفع النسبة عن ذلك في بعض الأماكن، وتقل عن ذلك في أماكن أخرى).
ووصل سعر أرخص تذكرة للبالغين لمشاهدة مباراة لتوتنهام على ملعبه أمام وولفرهامبتون أو نوتنغهام فوريست إلى 48 جنيهاً إسترلينياً الآن، وهو سعر لا ينطبق إلا على عدد قليل للغاية من المقاعد، في حين تتراوح أسعار تذاكر الفئة المتميزة بين 65 جنيهاً إسترلينياً و103 جنيهات. ولا تخضع كثير من المقاعد لخصومات للأطفال. وقال توتنهام رداً على ذلك: «أسعار تذاكر المباريات لدينا أقل بالمقارنة مع أندية لندن الأخرى»، كما لو أن مشجعي توتنهام الساخطين كانوا سيذهبون بدلاً من ذلك لمشاهدة مباريات آرسنال على ملعب «الإمارات»، أو مباريات تشيلسي على ملعب «ستامفورد بريدج»!
لكن ما السعر العادل للتذكرة؟ هل هو السعر الذي يحدده النادي، بغضّ النظر عما إذا كنت قادراً على دفعه أم لا؟ إن ما يفعله نادي توتنهام يعني أنه عندما يصبح المشجع العادي غير قادر على دفع قيمة تذاكر المباريات فسيتم استبدال مشجع آخر أكثر ثراء به على الفور. وبمرور الوقت قد يعجز هذا الشخص الجديد هو الآخر عن دفع قيمة هذه التذاكر، ليتم استبدال مشجع آخر به، وهكذا!
يعد توتنهام بالطبع مجرد مثال دقيق على ما يحدث في هذا الصدد. وحتى نادي شيفيلد يونايتد الصاعد حديثاً من دوري الدرجة الثانية، أعلن للتو عن أسعار تذاكر حضور مبارياته، التي تصل إلى 59 جنيهاً إسترلينياً لمشاهدة مباريات في دوري الدرجة الأولى، مع كامل احترامنا لدوري الدرجة الأولى!
وحاول نادي ستوكبورت كاونتي، الذي يلعب في دوري الدرجة الثالثة، رفع أسعار التذاكر إلى 27 جنيهاً إسترلينياً، لكنه اضطر إلى تخفيضها مرة أخرى بعد رد فعل عنيف من جانب الجمهور. وفي الوقت نفسه، حدثت زيادات مذهلة في أسعار تذاكر حضور فعاليات بعض الرياضات الأصغر في فترة ما بعد تفشي فيروس «كورونا».
ولعل خير مثال على ذلك «سباق الجائزة الكبرى» البريطاني في «حلبة سيلفرستون». في الحقيقة، لا أفهم تماماً جاذبية مشاهدة سباقات السيارات، لكن في عام 2019 تم تقييم تذكرة مشاهدة التدريب الأولى بمبلغ 50 جنيهاً إسترلينياً، ويصل سعر التذكرة الآن إلى 169 جنيهاً إسترلينياً. وكانت أرخص تذاكر للبالغين لحضور مباريات الكريكيت على ملعب «أولد ترافورد» بنحو 40 جنيهاً إسترلينياً في عام 2019. ووصلت لنحو 60 جنيهاً إسترلينياً هذا الأسبوع.
بطريقة ما، تواصل أسعار التذاكر الارتفاع بشكل مستمر منذ سنوات، وسط حالة من الجشع والطمع، والتطهير الاجتماعي والاقتصادي التدريجي للجمهور الرياضي. إننا نسمع كثيراً من المراوغات حول «الصورة الاقتصادية الأوسع»، وحول ارتفاع تكلفة الطاقة والإمدادات، فهل عندما تنخفض تكاليف الطاقة وتصل أسعار الفائدة إلى ذروتها وتتحرر سلاسل التوريد ستعود الأندية والهيئات الإدارية التي اعتمدت على المشاهدين بشدة خلال الأوقات الصعبة إلى تخفيض أسعارها مرة أخرى مكافأةً لهؤلاء المشجعين على تفانيهم؟ وهل سنرى تذكرة حضور مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز تصل إلى 20 جنيهاً إسترلينياً بعد بضع دورات اقتصادية مضطربة؟
يحب الناس في الرياضة الحديث عن كل الأشياء الجيدة التي تفعلها الرياضة، مثل القول إنها تجربة مجتمعية، وإنها معلم للقيم، وشكل من أشكال التمرين، ومصدر للفرح والسعادة والمتعة والإلهام، وتعبير عن الفخر المحلي والوطني، وامتداد للهوية، وركيزة من المجتمع. لكن ماذا يمكن أن نقول عن الرياضة عندما تسعى إلى جذب الجمهور الأكثر ثراءً، وعندما تضع حواجز أمام الدخول، وعندما يتم عزل جيل كامل من الناس (الشباب بشكل غير متناسب، وغير البيض بشكل غير متناسب) بسبب هذه الأسعار الباهظة؟ هل الأغنياء فقط هم مَن يستحقون الأشياء الجيدة؟ وهل قيمة الشخص ترتبط بقدرته على دفع ثمن الأشياء؟ في هذا الصدد، قد تلاحظ أن الرياضة البريطانية تُعدّ انعكاساً للمجتمع البريطاني ككل. لكن هذا الأمر يتطلب مقالة أخرى في يوم آخر!
وكالات