اجتماع خماسي بالدوحة: لا حماسة للطرح القطريّ…آليات لمسار جديد!

عندما حمل جان إيف لودريان ملفّ لبنان أخيراً، لم يكن مقتنعاً بأنّ ذلك يرقى إلى مستوى إرضائه. فالرجل الذي كان لديه طموح إلى تولّي مسؤولية معهد العالم العربي في باريس الفرنسية، يضيق عليه ملفّ لبنان وحيداً. وقد جاءت خطوة الرئيس الفرنسي بتعيينه مبعوثاً شخصياً له إلى بيروت قبل زيارة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لباريس، من أجل تقارب أكبر مع المملكة نظراً لعلاقات لودريان القويّة بالسعوديّين منذ أيام وزارة الدفاع ووزارة الخارجية. على الرغم من ذلك ظلّ الرجل غير راضٍ على المهمّة الموكَلة إليه، وهو الذي خبر الملفّ اللبناني مراراً ووصفه بسفينة التايتانيك في عام 2020 منذ إطلاق المبادرة الفرنسية التي لم يتحقّق منها شيء.

جال لودريان في بيروت وأخذ لنفسه مهلة شهر للعودة، وثلاثة أشهر لتحقيق خرق جدّيّ في جدار الأزمة. كان لديه طموح أكبر من ذلك، وقد تحقّق بتعيينه رئيساً للوكالة الفرنسية المسؤولة عن تطوير العلا. وهو ملفّ ذو أهميّة أكبر بالنسبة إلى الرجل، ويعني أنّه قد ترقّى في المنصب الوظيفي. وكان المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا قد تمّت ترقيته من قبل بتعيينه مستشاراً بدرجة ممتازة في الأمانة العامّة لمجلس الوزراء، وهذا تمهيد ليتولّى وزارة معيّنة في مرحلة لاحقة.

لودريان الأسبوع المقبل في الدوحة
كان من شأن تعيين لودريان أيضاً أن يعيد بعض الاعتبار إلى الخارجية الفرنسية التي هُمّشت سابقاً لحساب خليّة الإليزيه، وسط تضارب في وجهات النظر الفرنسية حيال إدارة الملفّ اللبناني بين “الكي دورسيه” وبين الإليزيه، وداخل الإليزيه نفسه بين رئيس المخابرات الفرنسية برنار إيمييه وبين كبير مستشاري ماكرون إيمانويل بون ومعه باتريك دوريل. بعد جولته اللبنانية استمرّ التضارب في الآراء الفرنسية بين من يبدي الاستعداد للتخلّي عن معادلة فرنجية، وبين من لا يزال متمسّكاً بها، ولا سيّما أنّ تعيين لودريان في منصبه لم يؤدِّ إلى تغييب بون ودوريل بشكل كامل عن الملفّ. دفع هذا الأمر برئيس المخابرات الفرنسية برنار إيمييه إلى إرسال وفد إلى بيروت الأسبوع الماضي لإعداد تقرير عن حقيقة الوضع بعد زيارة المبعوث الفرنسي.

قبل عودته إلى بيروت يتوجّه لودريان الأسبوع المقبل إلى الدوحة التي ستشهد اجتماعاً خماسياً يوم الإثنين لمناقشة الملفّ اللبناني وبحث ما يمكن تحقيقه. في إطار الاستعداد لهذه الزيارة، والأهم هو أن يؤدّي هذا الاجتماع إلى حصول اتفاق على قواسم مشتركة كي لا يتكرّر سيناريو الاجتماع الخماسيّ الذي عُقد في 6 شباط 2023 في باريس. في هذا السياق، تجزم مصادر دبلوماسية عربية أنّ هناك تطابقاً كاملاً بين السعوديين والقطريين في ما خصّ عقد اجتماع خماسي بعد أن ينهي لودريان جولته اللبنانية وفي حال كان هناك اتّفاق واضح على المسار.
قبيل حسم موعد الإجتماع الخماسي، حاول لودريان طلب مواعيد عديدة في الرياض للقاء عدد من المسؤولين. فيما سيلتقي بالمستشار نزار العلولا الذي يحمل صفة وزارية ويفترض أن تكون لقاءاته مع شخصيات من نفس المرتبة الوظيفية. وأمّا لقاء لودريان فسيكون استثناء باعتبار الأخير ممثّلاً رئاسياً. وهذا ينطبق أيضاً على أيّ لقاء لاحق قد يُعقد حول لبنان، إذ لا يمكن للعلولا أن يلتقي باتريك دوريل بل من هو أعلى منه رتبة إلا في حال مثّل دوريل فرنسا بمسمّى رئاسي، وهذا مسار يفتح المجال في المرحلة اللاحقة لترقية السفير السعودي في لبنان وليد بخاري إلى مرتبة أعلى، ولا سيّما أنّ جهات عديدة تدعم هذا الخيار. وقد تكون زيارة البخاري الأخيرة لباريس التي لم يحضرها العلولا قد فتحت الطريق أمام هذه الترقية.

لا حماسة للطرح القطريّ
لا بدّ من انتظار الإجتماع الخماسي، ثمّ عودة لودريان إلى بيروت للقاء المسؤولين وسط معلومات تفيد بأنّه قد يبقى لفترة طويلة من أجل بحث اقتراح عقد حوار لبناني شامل، وهو ما يقابله طرحٌ باستضافة الدوحة لطاولة حوار لبنانية يحضرها ممثّلون عن القوى السياسية والحزبية من الصف الثاني، بدون تحديد موعد لها. لكن تشير مصادر متابعة إلى عدم حماسة أطراف عديدة لهذا الطرح باعتبار أنّ قادة الصفّ الأوّل غير قادرين على تحقيق أيّ تقدّم، فكيف لممثّلي الصفّ الثاني أن يتمكّنوا من تحقيق أيّ أمر، فيما المتحمّسون يعتبرون أنّ أيّ حوار من شأنه إعداد الأرضيّة لأيّ اتفاق قد يتمّ التوصّل إليه لاحقاً.

يمكن لاجتماع الدوحة أن يطرح البحث في الخيار الثالث، في ظلّ تمسّك قطر بخيار قائد الجيش. وهنا تنقل مصادر متابعة أنّها سمعت من الثنائي الشيعي عدم رفع فيتو بوجه قائد الجيش في حال تمّ التوافق عليه، لكن لن يكون الثنائي عرّاب هذه المعركة أو شريكاً فيها، خصوصاً أنّه ما يزال متمسّكاً بترشيح فرنجية ويقول إنّه متمسّك بهذا الترشيح حتى النهاية.

وساطة بين الحزب والتيّار
في هذا السياق، يقول سفير عربي من الدول “الوسطيّة” إنّ “الحزب من الصعب جدّاً أن يتخلّى عن رئاسة الجمهورية، فهو يرى أنّ إيران حقّقت مكسباً إقليمياً بتفاهمها مع المملكة العربية السعودية، والحوثي سيكون شريكاً في السلطة في اليمن عاجلاً أم آجلاً، وجماعة الحشد الشعبي دخلوا ضمن ترتيبات مع حكومة محمد شياع السوداني الذي ينفتح على العرب، وأنّه تمّ التقارب مع سوريا ونظام بشار الأسد، فلماذا التخلّي عمّا يمكن أن يحقّقه الحزب في لبنان وهو درّة التاج الإيراني. من هنا تجري محاولات حثيثة لإعادة المياه إلى مجاريها بين الحزب والتيار الوطني الحرّ من أجل تقديم ضمانات تجعل باسيل يسير في ترشيح سليمان فرنجية، وإذا لم يفعل يصير لزاماً على الحزب وباسيل أن يفتّشا عن رئيس أقرب إلى محورهما لا عن رئيس كجهاد أزعور أو جوزف عون”.

لبلوغ ذلك، يبدو أنّ الاتفاق على سلّة تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والحكومة وحاكم المصرف المركزي وقائد الجيش ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، بات يتجاوز القدرات المحلّية ويحتاج إلى أبعاد إقليمية ودولية، فللسعودية الكلمة الفصل في موضوع رئاسة الحكومة، ولأميركا كلمة مؤثّرة جدّاً في حاكمية المصرف وقيادة الجيش.

قطعاً لم يعترض الأميركيون بالشكل على ترشيح سليمان فرنجية، ولم يعترضوا على أيّ رئيس، لكنّهم أرادوا البحث في دور الرئيس. وفيما يتمّ الانتقال إلى البحث في السلّة الكاملة التي تتعلّق بدور الحكومة والإصلاحات والتنقيب عن النفط وترسيم الحدود البرّية وغيرها، يواصل الفرنسيون تحرّكهم ويجسّون النبض لإمكانية الدعوة إلى حوار شامل للاتّفاق على هذه السلّة الشاملة. لكنّ الطرفين يبقيان بحاجة إلى موقف عربي، وخليجي تحديداً، لا بدّ أن يتكوّن بناء على الزيارة السعودية المرتقبة للدوحة.

خالد البواب- اساس

مقالات ذات صلة