هل حان موعد البحث في النظام؟
تكشفت ازمة الشغور الرئاسي عن اوجه بالغة الخطورة في مسار تاريخ لبنان الحديث. هي لم تعد مقتصرة على خلاف بين فريقين على مَن وكيف يحكم لبنان طوال السنوات الست المقبلة، بل تتعمق وتتجذر وصولا الى ازمة بنيوية تتناول هويته ودوره وموقعه ورسالته والاهم نظامه.
ثمة من يعتقد او بات واثقا ان النظام السياسي والدستوري في البلاد لم يعد صالحا وان نغمة العيش المشترك كنموذج حضاري لا تصلح لوطن تتداخل فيه الولاءات الطائفية والحزبية والسياسية والاهم الوطنية، اذ اصبح الخلاف واقعا بين من يقدم مصلحة الوطن على كل شيئ اخر ومن يضع مصلحة قوى اقليمية اولاً، والتقاء الفريقين والحال هذه يصبح متعذرا، اضف الى ذلك سلسلة عثرات تواجه الاستحقاقات كلما حان موعدها، رئاسيا او حكوميا، بفعل اغفال المشرعين تحديد مهل للتشكيل او الزام نواب الامة بالانتخاب، حيث باتت فترات الشغور على المستويين اطول من مدة العمل .
من الدعوات الى الحوار للاتفاق على رئيس جمهورية وفتح ابواب المجلس لانتخابه تحت شعار الديموقراطية التوافقية ، الى المطالبة باللامركزية، تتعدد الاراء وتتشعب المواقف، لكن النتيجة هي هي، فلا الارضية الحوارية جاهزة، وقد ابلغت قوى المعارضة المبعوث الفرنسي الرئاسي جان ايف لودريان رفضها الحوار بفعل التجارب المريرة التي انتجها، اذ بقيت كل قرارات طاولات الحوار حبرا على ورق او ذابت في مياه مغلية دعا الحزب من يتطلع الى تنفيذها لشربها، شأن سيؤخرعودة لو دريان الى بيروت، بحسب مراجع سياسية، ولا طريق تطبيق اللامركزية معبدا بالورود، بفعل موجة رفض عارم من قوى سياسية ترى فيها مشروعا تقسيميا، على رغم ان دستور الطائف نص عليها، كما ان مشروعا على هذا المستوى يحتاج رعاية واحتضانا دوليين غير متوفرين حتى الساعة.
ازاء العقم المستحكم بالمشهد هذا، وفي ظل انهيار شامل ومعمم على مختلف المستويات، لا تغطيه مهرجانات صيفية “مفوّلة” ولا حركة سياحية بلغت اوجها بفعل عودة المغتربين اللبنانيين وانفاق عملة خضراء تشكل الركن الاساسي في الصمود وعدم انفجار الوضع، ينقل سياسي لبناني عن مصدر غربي توقعه بأن الازمة في لبنان طويلة والارجح اطول مما يتصور البعض. ذلك ان حزب الله يحاول تكرار سيناريو عام 2016 حينما اوصل العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة، ولكن المحاولة لا تقف اليوم عند انتخاب مرشحه بل تتعداها الى اقرانه بقوننة وضعه وسلاحه، لذلك هو يتمسك بفرنجيه، ولن يتراجع خطوة الى الوراء ما دام امر العمليات الخارجي لم يصدر بعد، والامر بدوره ليس ظاهرا في الافق.
ويوضح المصدر ان لا حل في لبنان قبل بلورة موقف اميركي -سعودي واتضاح المشهد الاقليمي عموما وكيفية اتجاه رياح التفاهم النووي الجاري العمل على اعداده بين واشنطن وطهران. تبعا لذلك، ينقل المصدر الغربي عن اوساط خماسية باريس ان لا موجب للحوار ولا مبرر له، وجل ما على القوى السياسية القيام به راهنا هو التزام النص الدستوري لانتخاب رئيس من دون المس باتفاق الطائف والالتفاف عليه بطاولات حوار لزوم ما لا يلزم، فالزمان ليس لفتح كتاب انظمة واعادة النظر بها، ولبنان لم يعد “مالئ الدنيا وشاغل الناس”، فالازمات التي تعصف بدول المنطقة والعالم اخطر من هواجس اطراف لبنانيين يتطلعون الى تحسين ظروفهم وتحصيل مكتسبات بالسياسة يدونونها في دستور مفصل على مقاساتهم.
ما يجري البحث عنه للبنان، إن فرنسيا او مع خماسية باريس التي ستجتمع في الدوحة قريبا، مجرد علاج موضعي لأزمة بنيوية، لا تشفيها المُسَكِنات، لكن في انتظار نضوج الطبخة الاقليمية والدولية وحتى يحين موعد العملية الجراحية، على اللبنانيين ان يُسَيِروا امورهم “بالتي هي احسن”، تختم الاوساط، خشية تحلل البلد وزواله، كما حذر لو دريان منذ اعوام.