هل الداخل اللبناني مؤهل للحوار: من يدعو له ويُشارك فيه… هل مسرحه لبنان او “سان كلو”؟
كثرت الدعوات الى الحوار بين اللبنانيين، وهي ليست المرة الاولى التي تصدر عن اطراف لبنانية سياسية وحزبية ودينية، وشخصيات فكرية وثقافية واعلامية ونقابية، لان الحوار اسلوب لا بد منه لجأ اليه اللبنانيون مع كل ازمة عصفت بهم، سواء كانت سياسية او دستورية ومعارك عسكرية وحروب اهلية. وفي تاريخ لبنان محطات من الحوار كان دائما يحصل برعاية او تدخل خارجي منذ منتصف القرن التاسع عشر، بعد اقتتال نشب بين الموارنة والدروز واتخذ طابع المجازر والتدمير والتهجير، وتكرر مع حرب الجبل في ثمانينات القرن الماضي.
فالدعوة الى الحوار كانت دائما حاضرة، وفي مرحلة الحرب- الفتنة التي اندلعت في 13 نيسان 1975، وسبقتها مقدمات اسست لها بالخلاف حول النظام السياسي ومفهوم المشاركة في السلطة وكانت “مطلب المسلمين”، لا سيما السنة منهم، اضافة الى دور الجيش وعقيدته القتالية في الصراع مع العدو الاسرائيلي وعدم زجه في الصراعات الداخلية، حيث ساهم الوجود الفلسطيني المسلح في زيادة الشرخ بين اللبنانيين الذين انقسموا حوله، فكانت اول طاولة حوار عقدت في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة آنذاك رشيد كرامي، ولم يتوصل المتحاورون الى حل، فكان الدور السوري الذي تقدم وسيطا، واصبح طرفا في الصراع مرة مع “الجبهة اللبنانية”، واخرى مع “الحركة الوطنية” و”منظمة التحرير الفلسطينية”، وانتج التدخل السوري “الوثيقة الدستورية” التي اعتمدت على مطالب لبنانية داخلية، لكنها لم تطبق في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية، وانتخب الياس سركيس رئيسا للجمهورية قبل انتهاء ولاية فرنجية بخمسة اشهر.
ولم يتوقف الحوار الذي انتقل الى جنيف ولوزان في عهد الرئيس امين الجميل، وتشكلت حكومة دخل اليها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس حركة “امل” نبيه بري في العام 1984 ، الا ان المؤتمرين لم يتمكنوا من حل الازمة، التي نجحت دمشق في نهاية العام 1985 من عقد “اتفاق ثلاثي” بين قادة الميليشيات “الاشتراكي” و”امل” و”القوات اللبنانية” التي كان يترأسها ايلي حبيقة، الذي حصل انقلاب عليه من داخل “القوات” بقيادة سمير جعجج، لكن هذا الاتفاق تحول مادة نقاش في مؤتمر الطائف بين النواب اللبنانيين، والذي دعت اليه السعودية وادخلت عليه بعض التعديلات، فوافق عليه النواب وتحول الى اتفاق فدستور في العام 1989.
هذا العرض التاريخي لوقائع حوارات حول لبنان هي للاشارة بأن اللبنانيين ما زالوا مختلفين ومنقسمين حول الهوية والنظام، وفق ما يقول محللون للازمة اللبنانية، التي كانت حلولها تسوية وليست جذرية، بمعنى تغيير في بنية النظام السياسي ونقله من الحالة الطائفية الى المدنية، وقد اورد اتفاق الطائف بنودا لاصلاحات، كاعتماد قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، وتحقيق الانماء المتوازن، وتطبيق اللامركزية الادارية باعادة تكوين المحافظات، وقد انشئت ثلاث منها في عكار وبعلبك – الهرمل وكسروان – جبيل، وهي خطوات متقدمة لكنها بقيت ناقصة الهيكلية.
فاتفاق الطائف لو طبق لكان عبورا الى مرحلة اللاطائفية، لو بتأسيس وتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية، لكن عدم حصول ذلك عمّق الحالة الطائفية وانتقلت الى المذهبية، يؤكد من تابع من النواب ولادة اتفاق الطائف، الذي ارسى حلولا اصلاحية مرحلية لوقف الحرب واسقط في مقدمة الدستور التقسيم والتوطين، واعطى للبنان حق المقاومة في تحرير ارضه من الاحتلال الاسرائيلي، ووثق العلاقة مع سوريا بمعاهدة اخوة وتعاون وتنسيق انتجت المجلس الاعلى اللبناني – السوري، وهو مؤسسة متقدمة على غرار “الاتحاد الاوروبي” او “مجلس التعاون الخليجي” ودول تلتقي مصالحها الاقتصادية والامنية والاستراتيجية، وحرك امين عام المجلس نصري خوري العديد من الاتفاقات، ورعى نشاطات مشتركة اقتصادية وثقافية وحصل تنسيق امني وعسكري.
لذلك، فان الدعوة للحوار الذي يريده كل طرف لتحقيق مشاريعه السياسية والطائفية ، لا يبدو ان الداخل اللبناني مؤهل للحوار، وقد جرب في مطلع اذار 2006 في مجلس النواب ورعاه رئيسه نبيه بري، وركز على دور المقاومة التي كان اطراف 14 آذار يدعونها لتسليم سلاحها وتنفيذ القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن الدولي، فتم التوافق على بناء استراتيجية دفاعية، لكنها بقيت حبرا على ورق وقد حرك ملفها الرئيس ميشال سليمان في عهده، ومثله فعل الرئيس ميشال عون.
من هنا، فان للحوار جدول اعمال لم يتحدث عنه احد، كما ان الدعوة له لمن تكون؟ هل للرئيس بري ؟ ولمن توجه الدعوة؟ وهو صاحب اول دعوة بعد تطورات 2005 ، ام البطريرك الراعي في ظل شغور في رئاسة الجمهورية؟ ام تدعو فرنسا التي سبق لرئيسها مانويل ماكرون ان جمع في صيف 2020 ممثلي ابرز الكتل النيابية ودعاهم الى الاصلاح؟
اسئلة مطروحة مع انسداد حل ازمة انتخاب رئيس للجمهورية، حيث ترددت معلومات بأن الموفد الرئاسي الفرنسي جان – ايف لودريان سيحمل معه من باريس دعوة للحوار. فهل يكون مسرحه مجلس النواب ام يتوسع الى قصر الصنوبر او يعود الى “سان كلو”، حيث استضافت فرنسا مؤتمرا للقوى السياسية اللبنانية، ولم تتم متابعته منذ عام 2007؟
وللحوار عنوان واحد هو رئاسة الجمهورية فقط وتطبيق الطائف، وهذا ما يؤكد عليه حزب الله، لانه ليس الوقت المناسب للبحث في ازمة النظام، حيث لم يعد الحزب متحمسا لعقد مؤتمر تأسيسي ولا لرفع شعار “المثالثة”، وهو اتفق مع بري على ان يقتصر الحوار على رئيس الجمهورية ، وخارج ذلك دخول لبنان في طريق مسدود لحل ازمة الرئاسة الاولى، التي يسعى اطراف ان تكون مناسبة لفتح النقاش حول “الفدرالية” والحياد والدور المسيحي في لبنان.
كمال ذبيان- الديار