ما أهمية التقدم الذي أحرزته القوات الأوكرانية في معركة استعادة أراضيها؟

مع استمرار هجومها المضاد، نقل عن قيام القوات الأوكرانية باستعادة مزيد من الأراضي من قوات الاحتلال الروسية على الجبهتين الشرقية والجنوبية، بعد أن حررت عدداً من القرى الواقعة على جبهة القتال في يونيو (حزيران) الماضي.

وفي التفاصيل، استعاد الجيش الأوكراني 14.4 ميل مربع (23.3 كيلومتر مربع) من الأراضي وسط اقتتال عنيف في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وفق ما كشفت عنه نائبة وزير الدفاع هانا مايلار التي أضافت أن جنود بلادها أحرزوا تقدماً بالقرب من باخموت وفي اتجاهات ليمان، أفدييفكا وماريينكا في دونيتسك بمقاطعة دونباس.

ومن هذا المجموع، تمكنت أوكرانيا من تحرير 3.5 ميل مربع شرقي البلاد، وعللت مايلار هذا النجاح بـ”تحسن الوضع التشغيلي [التكتيكي] للقوات الأوكرانية وبتوحيد صفوف الجيش على الجبهة الأمامية”.

أما المناطق المحررة المتبقية، الممتدة على مساحة 10.9 ميل مربع، فتقع جنوباً، ليصل مجموع المساحات المستعادة حتى الساعة جنوباً إلى 61.2 ميل مربع، وفقاً لكييف.

وصرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في منشور عبر تطبيق المراسلة “تيليغرام”: “كان الأسبوع الماضي صعباً على الجبهة الأمامية، لكننا نحرز تقدماً”.

وأضاف “نحن نتقدم خطوة خطوة! وأود أن أشكر كل من يدافع عن أوكرانيا وكل من يقود هذه الحرب باتجاه النصر الأوكراني”!

من جهتها، أعلنت روسيا أنها صدت هجمات أوكرانية في باخموت وفي بلدة فوهليدار الواقعة على قمة تلة جنوب البلاد، ونفى سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي الذي يرزح تحت ضغوط كبيرة، أن يكون التمرد القصير لمرتزقة “فاغنر”، الذي احتلوا خلاله روستوف على نهر الدون وتقدموا باتجاه موسكو احتجاجاً في 24 يونيو (حزيران) الماضي، قد انعكس بأي طريقة على العمليات الروسية في أوكرانيا.

وأكد خلال اجتماع وزاري في الكرملين: “لم ينعكس الاستفزاز على نشاط مجموعات الجيش [المشاركة في العملية]”.

وفي هذا السياق، وبعد أشهر من التخمينات حول موعد انطلاق الهجوم الأوكراني المضاد، بدأت منذ يوم الأحد 11 يونيو (حزيران) الماضي تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، صور ومقاطع فيديو لم يتم التحقق من مصدرها، لجنود [أوكرانيين] يرفعون علم بلادهم الأزرق والأصفر، بعد نجاحهم في استعادة قرى ستوروجيفي وبلاهوداتي ونيسكوتشني وكاريفكا الشرقية في دونيتسك، في ما يوحي بأنهم تمكنوا من تحرير القرى المذكورة من قبضة جيش العدو.

ونشرت ماليار صورة عن قرية ستوروجيفي، وشكرت كتيبة البحرية المستقلة الـ35 على تحرير القرية، ثم صرحت بأن أوكرانيا نجحت في استعادة ثلاث قرى أخرى في زابوريجيا -هي لوبكوف، وليفادني، ونوفوداريفك- وأنها أحرزت أكثر من تقدم بمحاذاة باخموت، على جبهة توريتسك شرقاً، وعلى الخط المؤدي إلى مدينة بيرديانسك الساحلية التي تضم ميناء.

وكتبت ماليار بعد يومين عبر تطبيق “تيليغرام”: “يبذل العدو وسعه للتمسك بالمواقع التي استولى عليها”.

وأضافت أن القوات الروسية كانت مدعومة جواً، وأنها قصفت الجنود الأوكرانيين بشكل متواصل بنيران المدفعيات، في الوقت الذي واجهوا فيه “باستمرار ألغاماً أرضية وخنادق مضادة للدبابات”.

وأوردت ماليار أن “هذا كله تزامن مع استمرار للهجمات المضادة التي شنتها وحدات العدو على متن آليات مدرعة، وسط استخدام كثيف للصواريخ الموجهة المضادة للدروع ATGM ولمسيرات كاميكازية”.

عقب صدور هذه التصريحات، زار فريق من مراسلي “رويترز” قرية نيسكوتشني، ولاحظوا أنه لم يبق فيها أي بناء غير متضرر بفعل القتال، وأشاروا إلى وجود جثث ثلاثة جنود روس ملقاة على الطريق، وكتبوا [عما رأوه]: “كان الهدوء يعم القرية، لولا زقزقة العصافير ودوي نيران المدفعيات في البعيد”.

منذ ذلك الحين، أضيفت قريتان أخريان إلى قائمة القرى المحررة، ليصل مجموع هذه الأخيرة إلى تسع قرى.

تجدر الإشارة إلى أن كييف فرضت حظراً تاماً على نشر أي معلومات حول خطط الجيش الأوكراني أو عملياته، لتجنب تقويض العملية التي تأمل من خلالها استعادة مساحات من الأراضي بالتالي تهديد الجسر البري الذي استحدثته روسيا لإيصال الإمدادات إلى شبه جزيرة القرم المحتلة.

من وجهة نظر تقنية، اقتصر تقدم أوكرانيا، بعد استعادتها القرى المذكورة، على مكاسب تعتبر فعلياً طفيفة: فعلى سبيل المثال، لا تبعد قرية مكاريفكا أكثر من ثلاثة أميال عن الجبهة الأمامية، وأكثر من 56 ميلاً عن الطرف الجنوبي للجسر البري المذكور، الذي يجتاز بحر أزوف.

لكن القيمة الرمزية لأسرع تقدم أحرزته أوكرانيا منذ سبعة أشهر واضح للعيان، فالشتاء كان مضنياً. وبالتالي، سمح [التقدم الحاصل] برفع معنويات الشعب في الوقت المناسب، في دولة منكوبة لا تزال تعاني من تداعيات انهيار سد نوفا كاخوفكا، الذي قيل إنه انهار بعد أن لغمه جنود روس، متسبباً بإغراق بلدات مجاورة على امتداد أميال، وبتحويل الأراضي الزراعية في المنطقة إلى مستنقع، وبإفساد المحاصيل وإغراق الثروات الحيوانية.

مع استمرار الهجوم المضاد، تراهن أوكرانيا على الكم الهائل من الأسلحة والتدريبات والمعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها من الغرب، فضلاً عن تصميمها في ساحة المعركة وخبرتها التكتيكية وتوقها لإخراج المحتل من أراضيها، على أمل أن يمنحها ذلك مكانة متفوقة في القتال.

تدرك البلاد أيضاً أنه قد يكون عليها إحراز تقدم كبير وملحوظ خلال الصيف، لتضمن المستوى عينه من الالتزام من جانب حلفائها الدوليين مستقبلاً.

بيد أن الاستجابة التي لاقتها حتى الساعة كانت إيجابية، حيث قال أمين عام حلف شمالي الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ للرئيس الأميركي جو بايدن أخيراً: “إن الأوكرانيين يحرزون تقدماً، وهم يتقدمون. ولا تزال [العملية] في أيامها الأولى، لكننا نعرف أنه كلما زادت مساحة الأراضي التي ينجح الأوكرانيون في تحريرها، كانت أوراقهم أقوى على طاولة المفاوضات”.

من جهتها، امتنعت موسكو عموماً عن الإقرار الرسمي بأي تقدم أوكراني، وسط إصرارها بأنها تصد الهجمات بثبات وتلحق إصابات فادحة في صفوف القوات التي تعترضها.

في موازاة ذلك، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لقطات غير مؤكدة المصدر، نشرتها صفحات مؤيدة لروسيا، ظهرت فيها آليات أميركية وألمانية مدمرة، في مسعى واضح لتقويض ثقة الحلفاء بالقضية الأوكرانية.

لا مجال للشك في أن الوقت مبكر لإطلاق استنتاجات حول مصير الهجوم المضاد من هذه المناوشات التي قد يكون الهدف منها اختبار الدفاعات الروسية، أكثر منه المراهنة على تحقيق مكاسب كبيرة على صعيد استعادة الأراضي.

في سياق متصل، أعلن “معهد دراسات الحرب”Institute for the Study of War، ومقره الولايات المتحدة، أن أوكرانيا تحاول تنفيذ “عملية تكتيكية بالغة الصعوبة، وهجوماً أمامياً على مواقع دفاعية متأهبة، ويعوقها في مهمتها غياب التفوق الجوي، بالتالي، لا ينبغي استخراج العبر من هذه الهجمات الأولية لتوقع مصير جميع العمليات الأوكرانية”.

وفي حديث مع “مركز تحليل السياسات الأوروبية”، أكد بن هودجز، القائد السابق للقوات الأميركية في أوروبا، أنه كان من المتوقع أن يشمل الهجوم الأساسي، عند انطلاقه، بضع مئات من الدبابات وآليات فرق المشاة القتالية.

وقال في هذا الصدد: “من الواضح أن الهجوم المضاد بدأ، أما الهجوم الأساسي، فلم يبدأ على ما أظن… عندما نرى تجمعات كبيرة من المدرعات تنضم إلى الهجوم، فسنعرف أن الهجوم الأساسي بدأ فعلياً”.

يتوافق هذا الكلام مع تعليقات ماليار الأخيرة عبر محطة تلفزيونية محلية، حيث صرحت بأن “الأحداث الرئيسة” في سياق الهجوم لا تزال “أمامنا”. أضافت، “أن الضربة الرئيسة لا تزال مرتقبة”.

بالطريقة عينها، قال أولكساندر سيرسكي، قائد القوات البرية الأوكرانية، لصحيفة “ذا غارديان”: “أود أن أقول إن قوتنا الرئيسة لم توظف بعد في القتال، ونحن الآن نبحث ونستكشف مواطن الضعف في دفاعات العدو، بالتالي، فإن جميع الاحتمالات مفتوحة”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة