7 تموز… هل يُصبح ذكرى للإعلان عن مَنْع صناعة واستهلاك الشوكولا عالمياً؟؟؟…
يودّع المواطن العالمي الكثير من عاداته تدريجياً، منذ أزمة جائحة “كوفيد – 19”. وهو مسار استُكمِل بالحرب الروسية على أوكرانيا، وما تبعها من أزمات تضخّم، وارتفاع أسعار. هذا الى جانب ما لا يتّضح بعد تماماً حتى الساعة، من انعكاسات مستقبلية كاملة لمفاعيل التغيّر المناخي على الإنسان العالمي.
“صديق”
فهذه المشكلة تدفع الدول الى الإكثار من الحديث عن ضرورة الإسراع في مجال التحوُّل نحو الطاقات النّظيفة، كبديل “صديق” للبيئة والطبيعة، مع ما سيكون لذلك من انعكاسات على السلوكيات اليومية للناس، نتيجة التخلّي عن مصادر الطاقة الأحفورية.
وفي ظلّ هذا الجوّ الذي يُضاعف القلق، وحالات عَدَم اليقين بمعدّل يومي، يحتفل العالم باليوم العالمي للشوكولا (7 تموز من كل عام)، بمزيد من الخيارات التي تُبحَث حول مستقبل تلك السّلعة.
رفع الصوت
فما يُسلَّط الضّوء عليه كثيراً منذ سنوات، هو العبودية التي يُعاني منها الملايين من مزارعي الكاكاو، ومن العاملين في حصاده، في أفريقيا وبعض دول أميركا اللاتينية، فيما نسبة لا بأس بها منهم هي من الأولاد.
فهؤلاء يعانون من ظروف عمل خطيرة، ومن التعرّض لمواد كيميائية، ولحروق في الحقول خلال الحصاد، ومن الإجهاد الشديد في رفع ونقل الأحمال الكبيرة من الإنتاج. وهو ما يدفع الى رفع صوت بعض الجماعات حول العالم، لمقاطعة شراء الشوكولا، كسلوك يساهم في مقاطعة العبودية، وفي احترام حقوق الإنسان، وتوفير التغذية والتعليم والتربية السليمة للأولاد، خصوصاً أن الأرباح السنوية لتجارة الشوكولا لا تعود الى المزارعين والأولاد بشيء، حتى إن بعضهم لم يتذوّق ولا حتى قطعة شوكولا واحدة، في أي يوم من الأيام. كما تَعِد بعض أكبر شركات صناعة الشوكولا، باحترام معايير منظمة العمل الدولية لمكافحة عمالة الأطفال، في مسار الحصول على الكاكاو.
“بدائل أخلاقية”
والى جانب الجدل هذا، يكثر الحديث عن “بدائل أخلاقية” من الكاكاو، وذلك من أجل الالتزام بسياسات “صديقة للبيئة”، ولتخفيف حدّة التغيُّر المناخي. فزراعة الكاكاو قد تساهم في زيادة التصحُّر، وفي تخفيض التنوّع البيولوجي والنباتي، وقد تؤذي الحياة البرية، وتساهم بتقليص الغابات في بعض مناطق زراعتها، للحصول على أراضٍ زراعية جديدة. كما أن تغيّر المناخ ودرجات الحرارة في عدد من المناطق، قد يخفّض إنتاجها في وقت لاحق، وهو ما سيزيد المنافسة، والانغماس في السوق السوداء، مع تأثير ذلك على الأسعار.
هرمونات السعادة
ومن بين البدائل في صناعة الشوكولا، الى جانب الكاكاو، استخدام الشاي، والبنّ، وبودرة التّمر، والدّبس، وبودرة أوراق الخرنوب… وغيرها من المواد غير المُؤذية للصحة، والتي توازن بين نِسَب الكافيين، والتأثير على هرمونات السعادة لدى الإنسان، مع احترام هوية كل شركة مُصنِّعَة بالـ Parfum الخاص بها، والذي يميّزها بالرائحة والمذاق، عن الشركات الأخرى.
سياسة جديدة؟
فهل بات العالم مُجبراً على استيعاب سياسة تحوُّل جديدة، في مجال صناعة واستهلاك الشوكولا، تماماً كسياسة التحوُّل في مجال الطاقة؟ هذا مع العلم أن “الشوكولا الأخلاقي” هو ذاك الذي يُفتَرَض أن تقتصر دهونه على عمليّة فصل زبدة الكاكاو، عن بودرة الكاكاو. وأما إدخال البدائل غير الدّهنية بالنّسبة الكافية (الشاي مثلاً، أو الدّبس…)، فهو يعني المزيد من اللّجوء الى الزيوت النباتية المهدرجة في صناعة الشوكولا، لتعويض زبدة الكاكاو التي لن تكون كافية، عندما تنخفض نسبة استعماله (الكاكاو) في لوح الشوكولا الواحد، من 60 أو 80 أو 100 في المئة، الى 40 أو 20 أو ربما 5 في المئة، فقط.
سلعة صراعات
أشار المهندس الزراعي حنّا مخايل الى أن “الوعي حول مساوىء العبودية التي ترافق زراعة الكاكاو يزداد حول العالم. وهذه مسألة إنسانية قبل أن تكون زراعية. وهناك الكثير من الناس الذين يستهلكون دبس الخرنوب مثلاً، كبديل من الشوكولا، وحتى في لبنان أيضاً. ولكن أكثرية ساحقة من الشعوب قد لا تحبّذ شراء شوكولا مصنوعة من بدائل أو من نِسَب قليلة جدّاً من الكاكاو، وهذا تحدٍّ أساسي يطرح نفسه على الشركات”.
وشدّد في حديث لوكالة “أخبار اليوم” على أنه “يُمكن التعامل مع الكاكاو كالقمح، والذهب، أي كسلعة يحوم حولها الكثير من الجدل والصراعات، لأنها باتت مُسيطرة جدّاً على العادات الاستهلاكية، وموجودة في كل المنازل”.
الأسعار
ولفت مخايل الى أن “البدائل من الكاكاو مطروحة، وهذا صحيح. ولكن الى أي مدى ستتمكّن الشركات التي تصنّع الشوكولا منها (البدائل)، من حجز مقعد ثابت ومُستدام لها في السوق، الى جانب شركات الشوكولا الكبرى والمُهيمِنَة على الأسواق، والتي تحقّق نِسَب أرباح مرتفعة؟ فالشركات الكبرى تفرض نفسها ومصالحها في السوق، وبدائل الكاكاو قد تخفّض مستوى الشوكولا المصنوع من جانبها. فضلاً عن ضرورة الانتباه الى مستقبل سهولة أو صعوبة زراعة تلك البدائل، وتوفّرها”.
وأضاف:”مسألة أساسية تفرض نفسها على تجارة الشوكولا أيضاً، وهي السّعر. فالشوكولا الجيّد هو ذاك الذي يكون مصنوعاً بحرفيّة عالية، فيُصبح سعره مرتفعاً. وبالتالي، يمكن أن يكون سعر لوح الشوكولا 25 سنتاً، كما يمكن أن يكون ثمنه 45 دولاراً. ولكن عائلة مؤلَّفَة من أربعة أولاد، وبقدرة شرائية محدودة، قد ترتفع حظوظ كل ولد فيها بالحصول على شوكولا الـ 25 سنتاً، أو النّصف دولار بالأكثر”.
التغيّر المناخي
وردّاً على سؤال حول إمكانية أن تفرض الدول الكبرى ضرائب على شركات الشوكولا الكبرى، لتعزيز الصناعة القائمة على بدائل، وذلك تماماً كما هدّدت بفرض ضرائب على بعض شركات النّفط خلال العام الفائت، أجاب مخايل:”أكثر الدول التي تتحدّث عن التغيّر المناخي، وتستضيف وتنظّم المؤتمرات في شأنه، هي نفسها أكثر من يتسبّب بأكبر نِسَب تلوُّث وانبعاثات ضارّة، وبتدهور أحوال المناخ”.
وختم:”هذا وضع يدعو الى السخرية. فتلك الدول تتحدّث عن قرارات مهمّة جدّاً لمكافحة التغيّر المناخي، ولكنّها لا تطبّق الكثير منها، وحتى إنها قد لا تطبّق أي التزام”.
أخبار اليوم