“القوات” تتراجع … لطمأنة السعوديين؟
عندما سُدّت كل السبل التي تؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية، ارتفع الخطاب الطائفي من جديد، وكاد المجلس النيابي، لولا قرار الحزب “التقدمي الإشتراكي” تأييد جهاد أزعور للرئاسة، أن ينقسم انقساماً طائفياً بين جزء كبير من المسلمين واغلبية المسيحيين، وقد ساهم هذا الصراع بعودة مشاريع التقسيم والفدرلة الى الواجهة، عُبر عنها بعبارات كـ “الطلاق”.
وبعد أن كان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أول من بادر إلى الحديث عن إعادة النظر سياسياً في كل التركيبة اللبنانية وتركيبة الدولة، اذا تمكن حزب الله من الإتيان برئيس للجمهورية يريده، كان لافتاً البيان الصادر عن تكتل “الجمهورية القوية” أول من أمس، الذي أشار فيه إلى أن “الحوار الذي تُريده الممانعة، لا يهدف إلا إلى الإنقلاب على إتفاق الطائف ونسف الدستور اللبناني”، مؤكداً إلتزام “القوات” بوثيقة الوفاق الوطني وبالمؤسسات الدستورية.
من وجهة نظر مصادر متابعة، هذا الموقف يأتي على وقع الحديث المتكرر عن رسائل خارجية وصلت إلى بعض الأفرقاء اللبنانيين، في ظل الحديث عن ضرورة الذهاب إلى حوار حول الإستحقاق الرئاسي، بأن بنود أي حوار لا ينبغي أن تطال إتفاق الطائف، نظراً إلى أن هذا الأمر يعتبر من الخطوط الحمراء، لا سيما أنه قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة في ظل إنشغال غالبية الأفرقاء المؤثرين بالساحة اللبنانية، بملفات أكثر أهمية بالنسبة لهم.
خلال الفترة الماضية، برزت مطالب حزب الله الداعية الى البحث بتعديلات دستورية بحال رغب اللبنانيون بتسوية رئاسية توصل رئيساً للجمهورية لا لون سياسيا له ولا نكهة، تعديلات تتيح للطائفة الشيعية الحصول على مكاسب مكتوبة وواضحة في السلطة التنفيذية بشكل أساسي، حيث يُعتبر الشيعة طرفاً ضعيفاً فيها، وهذا ما أثار حفيظة كثيرين على رأسهم البطريركية المارونية التي تلقت نصائح من الفاتيكان وفرنسا، خلال زيارة الراعي الأخيرة لهما، بضرورة التحاور مع حزب الله في الملف الرئاسي وغيره، لكي لا نصل الى تسوية بالمستقبل يدفع المسيحيون ثمنها، على غرار ما حصل بعد الحرب الأهلية في لبنان. لذلك يحاول معارضو الحزب اليوم التنصل من كل دعواتهم السابقة الى تغيير النظام أو تعديل بنود رئيسية فيه، متهمين الحزب بأنه يسعى لإبقاء الفراغ من خلال “تكبير الحجر”.
إنطلاقاً من ذلك، لا تستبعد المصادر نفسها أن يكون موقف “القوات” يعبّر، في مكان ما، عن رسالة سعودية، على إعتبار أن الرياض هي من أبرز الجهات التي ترفض الذهاب إلى أي مسّ بالطائف، في حين أن حزب “القوات” يُعتبر أحد أبرز حلفاء المملكة في لبنان، مشيرة الى أن هذا الموقف الأخير لـ “القوات” قد يكون بمثابة رسالة طمأنة إلى السعودية، بأنها لن تنجرف إلى الدعوات التي كانت قد تصاعدت في الآونة الأخيرة، ولو أنها اطلقت مواقف سياسية واضحة بهذا الإتجاه، تحمل مطالب ذات طابع تقسيمي أو فيدرالي، مع التأكيد على التزام “القوات” لوثيقة الوفاق الوطني.
محمد علوش- الديار