استحقاق نهاية تموز أو “نهاية حُكم” رياض سلامة… و الضوء الأخضر الشيعي!
منصوري: عيّنوا حاكماً لمصرف لبنان!
لا شيء يطغى داخلياً على استحقاق نهاية تموز أو “نهاية حُكم” رياض سلامة في مصرف لبنان. بخلاف التسريبات لم يُسمَع أحد في السراي أو لدى مرجعيّات القرار خارجياً وداخلياً يدفش باتجاه التمديد للحاكم إلا ضمن سياق تمنّيات لم يجرؤ أحد على المجاهرة بها علناً.
فعليّاً، انحصرت الخيارات بين أمرين: تعيين حاكم جديد أو تسلّم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري صلاحيّات ومهامّ الحاكم بدءاً من أوّل آب إلى حين تعيين حاكم جديد بالأصالة. هي فترة قد تطول كثيراً وستشكّل واقعاً غير مسبوق في تاريخ الحاكميّة لجهة تسلُّم شيعي المنصب الأرفع مارونيّاً بعد رئاسة الجمهورية والذي يتساوى بالأهميّة مع قيادة الجيش لكن بالمنحى الماليّ والنقدي.
غطاء الحزب
المؤكّد أنّ قرار تعيين حاكم جديد اصطدم بعدّة معوّقات يتقدّمها غياب التوافق السياسي على الاسم، والأهمّ محاذرة قوى سياسية الذهاب في اتّجاه هذا الخيار في ظلّ حكومة تصريف أعمال لم يكن بإمكانها أن تعقد اجتماعاً واحداً لولا غطاء الحزب السياسي تحديداً ومشاركة وزيرَيْه في الحكومة.
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس”: “لا تكمن العقدة وحسب في عدم صلاحيّة حكومة تصريف أعمال في إقرار تعيينات، وهو أمر قد يحصل قريباً إذا استمرّ الشغور الرئاسي، إذ من الممكن بتّ التعيينات العسكرية، ولا أيضاً في تعيين حاكم قبل انتخاب رئيس للجمهورية، بل تكمن العقدة الحقيقية في التوازنات التي تحكم مجلس وزراء “محكوماً” من الثنائي الشيعي لا يمكنه أن يلتئم من دون الضوء الأخضر الشيعي، ووسط غياب فاقع للصوت المسيحي “التمثيليّ” المعترض أصلاً على التئام الحكومة.
نهاية الحاكم
هكذا يستعدّ منصوري لتسلّم مهامّ الحاكم في ظلّ معطيَين مالي وقضائي. إذ تشهد الليرة استقراراً ملحوظاً بعدما “نهشتها” طلعات الدولار القياسية على مدى أشهر طويلة، لكن من دون ضمانات لثبات هذا الاستقرار ولا أجوبة عن استمرارية التعاميم التي أصدرها سلامة خلال سنوات الأزمة ولا تقدير لمصير منصّة صيرفة.
أمّا قضائياً فالخناق يضيق أكثر على سلامة بعد 30 عاماً في الحاكمية. فبعد مذكّرتَيْ التوقيف بحقّه الصادرتين من فرنسا وألمانيا وصدور قرار منعه من السفر واحتجاز جوازَيْ سفره، أصدر القضاء الفرنسي قرار تثبيت الحجز على أموال وممتلكات سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك وصديقته آنا كازاكوفا بناءً على الطلبات المقدَّمة من المحاميَين الفرنسيَّين إيمانويل داود وباسكال بوفيه بتكليف من الدولة اللبنانية.
يقول مصدر قضائي لـ “أساس: “قرار محكمة الاستئناف في باريس تثبيت الحجز على ممتلكات سلامة هي خطوة تمهيدية تسبق القرار الظنّي لاسترداد الأموال التي تقدّر بمئات ملايين الدولارات لصالح الدولة اللبنانية. وهو مسار سلك منحاه القانوني من خلال ادّعاء النيابة العامّة التمييزية على سلامة، وتقدُّم رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل هيلانة إسكندر بدعوى أمام القضاء الفرنسي للحجز على ممتلكات سلامة، ثمّ خوض وزير العدل هنري خوري معركة لتعيين محامي الدولة اللبنانية”.
زيارات واشنطن
لكن ماذا عن مرحلة الاستعداد للتسليم والتسلّم بين سلامة ومنصوري؟
في الأسابيع الماضية تركّزت الأنظار على خلفيّات اللقاءات التي عقدها نائب الحاكم في واشنطن وربطها بالاستعداد لتسلّم منصوري مهامّ الحاكم.
يؤكّد مصدر مطّلع لـ “أساس” أنّ هذه اللقاءات لم تخرج عن سياق الزيارات الروتينية التي يقوم بها منصوري للعاصمة الأميركية، ولا سيّما أنّ عدم تمكّن الحاكم من السفر ألقى على عاتق الأخير مهامَّ إضافية يقوم بها بالنيابة عن رياض سلامة.
المهمّ الـ actions
يوضح المصدر: “خلال فترة تولّي منصور منصب نائب الحاكم وثّق “لينك” علاقاته مع مسؤولين في الخزانة الأميركية و”الأمن القومي” والخارجية الأميركية”، مشيراً إلى “بنائه علاقة ثقة وتعاون مع المسؤولين الأميركيين لا تحتاج إلى إعادة نظر فيها أو فحصها مع اقتراب موعد نهاية ولاية الحاكم، خصوصاً أنّ العقل الأميركي البراغماتي لا يتوقّف إطلاقاً عند طائفة أيّ مسؤول بل عند أفعاله أو الـ actions”.
في حين لم يُبدِ الجانب الأميركي أيّ ضغط باتّجاه تعيين حاكم NOW أو التلويح بالعقوبات إذا لم يتمّ ذلك، فإنّ العارفين يجزمون أنّ “الأميركيين سيتعاطون مع نائب الحاكم بصفته “حاكماً” فعليّاً منذ لحظة تسلّمه مهامّه مع التركيز على مسار عمل الحاكمية والمطلوب منها في المرحلة المقبلة بغضّ النظر عن طائفة من يشغل الموقع أو حتى المرجعية السياسية المحسوب عليها”.
منصوري: عيّنوا الحاكم
في المقابل، الممانعة الفعليّة لخيار تسلّم منصوري مهامّ الحاكم تُرصَد عند منصوري نفسه “ليس تهرُّباً من المسؤولية”، كما يُنقل عنه، “لكن في سياق الضغط لتعيين حاكم بالأصالة انسجاماً مع مصلحة مصرف لبنان واللبنانيين. وهو ضغط يمارسه كلّ أعضاء المجلس المركزي تجنّباً للتعامل مع السلطة النقدية بدءاً من آب كسلطة تصريف أعمال وليس كسلطة مخوّلة حلّ الأزمة. وهذا يعني استمرار حالة المراوحة السلبية التي تحكّمت بسنوات الأزمة”.
تقول وجهة نظر هذا الفريق ما يلي: “حجم التوقّعات بعد خروج الحاكم كبير جدّاً. وبالتالي لا يمكن لمنصوري من موقعه كحاكم “بالوكالة” مع نوّاب الحاكم أن يقوموا بأيّ مشروع جدّي يكسر جدار الأزمة من دون وجود الحكومة ومجلس النواب إلى جانبهم. واستطراداً لن تكون الحكومة العاجزة عن تعيين حاكم أصيل قادرةً في المقابل على الوقوف إلى جانب منصوري في أيّ قرار يتّخذه مع أعضاء المجلس المركزي”.
يقدّم هؤلاء “نموذجاً عن مشروع إعادة هيكلة المصارف الذي عمل عليه أعضاء المجلس لناحية زيادة ملاءة المصارف والسيولة وفق اقتراحات تدريجية لزيادة رأس مال المصارف، فيما تقدّمت الحكومة بمشروع مضادّ لشطب رأس مال المصارف. وفي الوقت نفسه ليس هناك قانون كابيتال كونترول حتى الآن يحدّد أوجه التعاطي مع المودعين”.
يضيف الفريق نفسه: “عمل المجلس المركزي مع نائب الحاكم سيكون أكثر إنتاجية وغير مكبّل مع تعيين حاكم بالأصالة يمهّد لبرنامج عمل حقيقي وشفّاف على أكثر من مستوى، ويتجاوز أيّ اعتبار طائفي قد يُواجهه “المجلس” إذا كان عمله بالنيابة عن الحاكم الأصيل”.
لا استقالات من المجلس
على ما يبدو المحاذير التي يطرحها منصوري باتت معروفة من جانب القوى السياسية، لكن لم تخرج إلى العلن بعد. لكن في النهاية سيجد منصوري نفسه، أمام واقع استحالة التعيين، جالساً إلى مكتب رياض سلامة ومحصّناً بكلّ صلاحيّات حاكم مصرف لبنان.
أمّا لناحية التسريبات والأحاديث عن استقالات محتملة من جانب بعض نواب الحاكم بعد تسلّم منصوري، فإنّ المعطيات المتوافرة تؤكّد عدم صحّتها. يقول مصدر في المجلس المركزي لـ “أساس”: “بعكس كلّ الضخّ الإعلامي فإنّ المجلس المركزي بأعضائه الخمسة، على الرغم من النقاشات داخله والتمايز في بعض الخيارات بين أعضائه، هو team work منسجم ومنتج لا تحكمه المحسوبيّات أو الغايات الضيّقة، وهو مشارك أساسي في كلّ التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان وآخرها التعميم 158 الذي أزال الهيركات عن المودعين”.
ملاك عقيل- اساس