صيف لبنان لن يكون حاراً… فهل يكون الشتاء ساخناً: قنبلتان موقوتتان قد تنفجران!
البرودة في الملف الرئاسي والشلل التام في البلاد، تقابله برودة امنية لافتة في الداخل وعلى الحدود، وهو امر يرجح ان يستمر اقله حتى مطلع العام المقبل، على الرغم من حروب «طواحين الهواء» السياسية التي يخوضها البعض على الساحة المحلية، وحملة الاستفزاز والتهويل التي تستمر «اسرائيل» في اثارتها على طول الخط الازرق.
لا شيء يوحي بتطورات دراماتيكية، كما تقول مصادر سياسية مطلعة، الا اذا حصل حدث ما من خارج الحسابات المنطقية، فعندئذ سنكون امام مشهد يصعب التنبؤ بما سيليه. ووفقا لتقديراتها، ثمة قنبلتان موقوتتان قد تنفجران اذا ارتكب احد الاطراف «دعسة» ناقصة، في الداخل او الخارج:
1- القنبلة الاولى على الحدود الجنوبية، حيث تواصل قوات الاحتلال عمليات الاستفزاز اليومية، فرفعت بالامس من وتيرة انتهاكاتها للخط الازرق في عدد من النقاط المحاذية لبلدات ميس الجبل، حولا، مركبا وهونين، وهو ما لاقى تصدياً من الجيش اللبناني والأهالي. في المقابل، تبقى مسألة نصب حزب الله «لخيمتين» في مزارع شبعا، محطة اختبار جدية لكيفية تعامل «اسرائيل» مع الجبهة الشمالية. وقد جاء الفشل «الاسرائيلي» الواضح في اقتحام مخيم جنين، ليمنح هذه الجبهة «حصانة» مرحلية قد تطول نسبيا، بعدما ثبت ان قوة الردع «الاسرائيلية» تآكلت فعليا. فعدم القدرة على الحسم في مخيم محاصر، واعزل بالمقاييس العسكرية، ولا تتجاوز مساحته الكيلومتر الواحد، يبعد «شبح» الحرب عن الجبهة الشمالية، التي باتت «اسرائيل» تخشاها اكثر من اي وقت مضى، وهذا ما يفسر برأي كافة المحللين «الاسرائيليين»، «الجرأة» المتزايدة لدى الحزب على الحدود، مقابل الجبن لدى القيادتين العسكرية والسياسية في الرد. وقد تظّهر ذلك في «المزارع» وقبلها في عملية «مجدو»، وبالامس في اندفاع قوة من الجيش اللبناني في التصدي لجرافة «إسرائيلية» معادية ، كانت تعمل على تجريف التربة خارج السياج التقني، وتحاول خرق الخط الأزرق ونقطة اعتلام عند حدود بلدة ميس الجبل.
واذا كان تدخل الجيش ليس جديدا، حيث منعت عناصره الجرافة من إكمال عملها وأجبرها على الانكفاء، الا ان ما يلمسه الاسرائيليون اقدام غير مسبوق ودون اي حسابات من الجانب اللبناني للتداعيات، وهو ما ترى فيه «اسرائيل» سقوط لهيبة جيشها، خصوصا انه في «الصورة» الخلفية غير المرئية، عناصر من «الرضوان» سبق وانتشروا في مواقع ثابتة ومتحركة تحت «انف» قوات «اليونيفيل».
ومن هنا، ترى تلك الاوساط، ان اي كلام عن الخشية من حالة الارباك التي يمر بها رئيس حكومة «اسرائيل» بنيامين نتانياهو، الباحث عن رد اعتبار للإخفاقات الداخلية في فلسطين المحتلة، ليس في مكانه، فاذا كان يسعى الى حفظ «ماء» وجهه امام الاسرائيليين، ويريد استعادة القوة الردعية، فان آخر خيار سيكون الحرب مع حزب الله، فالجبهة اللبنانية قد تجلب الكارثة المحتمة، وتقضي على ما تبقى من هيبة جيش الاحتلال. ولهذا يمكن الجزم ان هذا التوجه هو في آخر الجدول، واي صدام قد يحصل سيكون لاسباب خارجة عن السيطرة وغير مخطط لها مسبقا، اما فشل عملية جنين فهو يبعد الحرب ولا يقربها!
2- القنبلة الثانية داخليا هي ملف الرئاسة ، وهي مؤجلة ايضا لان معظم القوى السياسية لا ترغب في تسخين الاجواء، خوفا من «المجهول»، وتهرب الى الامام بالرهان على حراك المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، مع علمها المسبق انه «حركة بلا بركة»، لكن في ظل انعدام الخيارات اصبح «الديك ابو علي»، كما تقول تلك الاوساط، التي ترى ان الانفجار الداخلي مؤجل، وقد يحصل مطلع العام المقبل ، حيث يمكن ان تتلبد الاجواء عشية انتهاء خدمة قائد الجيش العماد جوزاف عون في الاول من كانون الثاني 2024، وعندئذ لن يكون امام حكومة تصريف الاعمال سوى خيارات احلاها مر.
ووفقا للمعلومات، لم يتمكن ميقاتي حتى الآن، من اقناع «الثنائي الشيعي» بضرورة توسيع صلاحيات الضرورة، والبدء بملء المواقع الحساسة والشاغرة، او التي ستشغر، وهو شن هجوما عنيفا استباقيا على «التيار الوطني الحر» دون ان يسميه، ملمحا الى استعاده لهذا الخيار من خلال تأكيده امس الاول « ان من يعتقد إنه يمكنه ممارسة الوصاية على عمل الحكومة، فيحدد مسبقا ما يجب القيام به، وما هي المحظورات والممنوعات، فهو مخطىء»! ولم يتأخر الرد من المجلس السياسي لـ «الوطني الحر»، الذي سلط الضوء على ما اسماه التطبيع مع الفراغ الرئاسي، الذي يهدّد بالتمدُّد الى مواقع أخرى في وظائف الفئة الأولى التي يشـغلها المسيــحيون عرفاً، محذرا «ممّا تخطط له الحكومة «الناقصة الشرعية» ومن يدعمها، لإجراء تعيينات في مواقع الفئة الأولى، لإيصال رسالة مفادها أن حكم البلاد ممكن من دون رئيس يمثل المسيحيين في معادلة الشركة الدستورية».
هذا التحذير، وقبله تهديد ميقاتي، لن يصرفا عاجلا على ارض الواقع، بحــسب تلك الاوساط، لكن الصدام قد يكون امرا محتــما في مطلع العام المقبل اذا استمر الفراغ الرئاسي، فثمة استحقاقات قد لا يكون ثمة مفر منها. واذا كان «الثنائي» يشتري الوقت اليوم، ويحاول تأجيل تجرع «الكأس المر»، فان بعض المواعيد قد تكون حاكمة لجهة ملء الفراغ في مواقع حساسة، وعندئذ قد يكون رد الفعل قاس على مستوى الشارع، الذي يلوح بتحريكه «التيار» تحت عنوان جذاب، «الدفاع عن حقوق المسيحيين ومواقعهم في الدولة»، وهو قد يجذب قوى اخرى. لهذا يبدو الجميع في سباق مع الوقت، واذا كان من المرجح الا يكون الصيف حارا، فان البلاد قد تكون امام شتاء ساخن مفتوح على كافة الاحتمالات.
ابراهيم نصر الدين- الديار