إما هو أو سمير جعجع: هل يترشح باسيل للرئاسة؟
تجيد القوى اللبنانية أن تضع نفسها في مكانة “الضامنة” للنظام والدستور، حتى وإن كان موقعها يضعها في خانة تعطيل إنجاز الاستحقاقات.
حزب الله وحركة أمل يتمسكان بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، تحت شعار الحفاظ على اتفاق الطائف، ودون ذلك ستتوالد مبررات كثيرة للذهاب إلى تعديل الدستور وتغيير بنية النظام.
التيار الوطني الحرّ يشدد على أنه لا بد من التفاهم معه لانتخاب رئيس للجمهورية، والحفاظ على الدستور. داعياً إلى الحوار في سبيل الوصول إلى إنجاز الاتفاق.
القوات اللبنانية وقوى أخرى، تحاول تعزيز موقفها برفض الحوار العام، لأنه سيكون ممهداً لطرح تعديل الدستور وضرب اتفاق الطائف. وهذا سيكون في صالح حزب الله.
بذلك يجعل كل طرف موقفه هو السبيل الوحيد للحفاظ على الكيان، وتجنّب الغرق في فراغ مديد.
دوام “تصريف الأعمال”
في المقابل، فإن كل المعطيات المتوفرة، تشير إلى ان لبنان يتجه الى حالة دائمة من تصريف الأعمال. بينما يقول رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بوضوح إن الشغور الرئاسي طويل وأن كل المبادرات الخارجية لم تنجح في تحقيق أي خروقات بجدار الأزمة. موقف يتلاقى مع ما طرحه البطريرك الماروني بشارة الراعي مؤخراً، خلال لقائه لقاء الهوية والسيادة، معتبراً أن القوى اللبنانية عاجزة عن التحاور مع بعضها البعض. وهو ما دفعه إلى تجديد الدعوة لعقد مؤتمر حوار دولي خاص بالأزمة اللبنانية، والبحث في سبل حلّها. كما طرح فكرة دولة مدنية لا مركزية حيادية.
وجزء من هذه الأفكار تقترح توسيع هامش رئاسة الجمهورية لتشمل المسيحيين ككل، لا الموارنة فقط، وكذلك رئاستي مجلس النواب والوزراء، بشكل يمكن لأي مسلم تبوئهما، لا أن يكون الموقعين محصورين بالشيعة والسنّة.
الصبر والانتظار
عملياً، لا يجد البطريرك الماروني بشارة الراعي تجاوباً داخلياً أو خارجياً حتى الآن مع طروحاته. فيما الاستعصاء اللبناني على ما يبدو أنه مستمر وسيطول في إطار لعبة الرهان على الوقت وعلى المتغيرات الخارجية التي قد تفرض تغييرات في المواقف. حزب الله أكثر من يجيد لعبة الإستثمار بالوقت، والصبر. ولكن في هذه المرحلة، تبرز طروحات عديدة لدى خصومه في وجوب الصبر أيضاً والانتظار، وتفضيل الفراغ على أن ينجح الحزب في فرض مرشحه، لأن انتخاب رئيس حليف لحزب الله سيكون من نتائجه مراكمة المزيد من الخسائر، حسب ما يعتبر خصوم الحزب، وعلى رأسهم القوات اللبنانية. وهذا كان جزءاً من نقاشات عديدة عقدت مع أفرقاء في المعارضة، وصولاً إلى تأطير فكرة رفض الحوار خارج لبنان أو داخله على سلّة كاملة أو متكاملة، والتركيز على فكرة انتخاب الرئيس بدلاً من أي أفكار أخرى قد تقود إلى طرح تعديلات جذرية لبنية النظام اللبناني.
باسيل وقطع الطرق
وفيما تقاطعت المعارضة على اسم مرشحّ لمواجهة سليمان فرنجية، فهي لا تبدو أنها قادرة على الخروج من هذا الترشيح، ولا الانتقال إلى مرشح آخر، لأن التقاطع لن يكون متوفراً في حينها. بذلك، فإن رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل مثلاً يعتبر أنه بهذا التقاطع قطع الطريق على ترشيح سليمان فرنجية. وهو لا يزال أمامه مهمة أساسية وهي قطع الطريق أيضاً على وصول قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية. من هنا تعود لعبة الرهان على الوقت، بانتظار انتهاء ولاية قائد الجيش في كانون الثاني من العام 2024. وبعد خروجه من موقعه لن يعود مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية. بذلك يكون باسيل قد حقق خطوة جديدة إلى الأمام في قطع الطريق على كل من لا يريدهم للرئاسة. وثمة من يعلّق على هذا الكلام بأن باسيل لديه رهان أساسي على الوصول إلى صيغة لرفع العقوبات عنه في السنة المقبلة.
بحال حصل ذلك، يمكن العودة إلى القواعد الأولى للعبة الانتخابية. وبما أن ترشيح فرنجية يواجه صعوبات، وقائد الجيش أصبح مستبعداً، قد يعود باسيل إلى جانب من نقاشاته مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في بداية الحديث عن الاستحقاق الرئاسي. فحينها قال نصرالله لباسيل: “هل أنت مرشح؟” فنفى الأخير ذلك. ليضيف نصر الله: “نحن نثق بك وبسليمان فرنجية، وطالما أنك لست مرشحاً فإننا ندعم خيار فرنجية”. هذا الكلام سيختار باسيل توقيت إخراجه وإعادة استخدامه، فيعلن أنه مرشح، ولم يعد مستعداً للتخلي عن حقّه بالترشح. ولعلّ هذه اللعبة قد تستدرج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والذي يعتبر نفسه أنه صاحب التمثيل المسيحي الأكبر، لطرح ترشيحه أيضاً رداً على ترشح باسيل. فبذلك يضع رئيس التيار الوطني الحرّ حزب الله أمام خيار من اثنين: إما هو أو سمير جعجع.
كل ذلك يندرج في إطار اعتماد سياسة تعبئة الوقت الضائع، وانعدام القدرة على الوصول إلى حلّ أو تسوية، فتنشغل القوى اللبنانية المختلفة في تعبيد الطريق أمام سياسات من شأنها أن تضمن لها قدرتها على التحكم في المسارات السياسية، إما تعطيلاً وإما تأسيساً لمعادلات جديدة. لكن ذلك لن يكون بالضرورة قابلاً للتحقق أو التطبيق، بانتظار حصول تطورات خارجية وداخلية تفرض وقائع جديدة.
منير الربيع- المدن