منع تصدير الزراعات الملوّثة وشيك: نصف لبنان “موبوء”!
تتكرَّر النداءات المتعلّقة بالحدّ من تلوّث المياه، وخصوصاً مياه نهر الليطاني، التي تروي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، والتي تُنتِج كميات هائلة من المزروعات المعدّة للاستهلاك المحلّي والتصدير. ومنذ العام 2016 على الأقل، حين صدرت قوانين تتعلّق بمشاريع تنظيف حوض الليطاني من النبع إلى المصب، ومشاريع تتعلّق بالحدّ من التلوّث في بحيرة القرعون، زادت الأزمة عوض انحسارها.
وفي النتيجة، مزروعات مروية بمياه ملوّثة، تجد مسارها إلى السوق اللبناني. في حين يُرهَن ما يُصَدَّر منها بقرار الدول المستَقبِلة لها، فهي ترصد النسب المسموح بها عالمياً من المواد الملوِّثة، تحت طائلة وقف الاستيراد. وهو قرار قد يُتَّخذ في أي لحظة، ومن المرجَّح أن يمتدّ لأكثر من عام، على غرار القرار القطري المتّخذ في العام 2021، بعد رصد وزارة الصحة القطرية نسب مرتفعة جداً من متبقّيات المبيدات والرصاص وبكتيريا الإيكولاي، في النعناع والبقدونس والكزبرة والزعتر والملوخية اللبنانية.
أصوات وأموال
مع تصاعد معدّلات التلوّث وبروز مؤشرات خطرة تتعلّق بالأمن الغذائي، لناحية اصطياد أسماك ملوّثة من نهر الليطاني وبحيرة القرعون، وبيعها في السوق، فضلاً عن الخضروات والفواكه المروية بالمياه الملوّثة، تواصل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني توجيه كتبها إلى الجهات المعنية بهذا الملف، آخرها ما ذكّرت به المصلحة يوم أمس. إذ أرسلت كتباً إلى وزراء الداخلية بسام المولوي، الزراعة عباس الحاج حسن، الصحة فراس الأبيض، الاقتصاد أمين سلام، فضلاً عن محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر ومحافظ البقاع كمال أبو جودة، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، “طلبت بموجبها منع ريّ المزروعات في الحوض الأعلى لنهر الليطاني في محافظتي بعلبك الهرمل والبقاع من مياه نهر الليطاني وروافده، وضرورة تأمين مقتضيات الأمن الصحي وجودة مياه الري وسلامة الغذاء في إطار السعي والبحث عن الأمن الغذائي”.
هذا الصوت المتكرّر يجد أمامه معوّقات تتزايد إثر الأزمة الاقتصادية والنقدية، التي أطاحت بالقدرة المالية للدولة في ظل انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار. لكن قبل ذلك، كانت الأموال موجودة وبالدولار، ولم تُنَفَّذ المشاريع، وبقي الريّ بالمياه الملوّثة قائماً.
بالتوازي مع التذكير بضرورة التحرُّك، تُسأل الدولة اللبنانية، وعلى وجه الخصوص وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار، وضمناً مجلس الوزراء، عن الأموال التي صُرِفَت، خصوصاً تحت مظلّة القانون رقم 63 المقرّ في العام 2016 والذي خصّص 1100 مليار ليرة لتنفيذ مشاريع واستملاكات على نهر الليطاني، أي نحو 733 مليون دولار وفق سعر الصرف الرسمي قبل الأزمة الاقتصادية.
أيضاً، رصد في العام 2016 مبلغ 55 مليون دولار، بموجب قرض من البنك الدولي للإنشاء والتعمير، بهدف الحد من التلوث في بحيرة القرعون. وحتى العام 2020، كشف البنك أنه جرى إنجاز 4 بالمئة فقط من شبكات الصرف الصحي المفترض إنشاؤها، وجرى وصل 1.8 بالمئة من المنازل بشبكة الصرف الصحي.
فضلاً عن ذلك، هناك قروض وهبات ومنح، منها ما صُرِف ومنها ما لم يُنجَز لأسباب كثيرة، لكن النتيجة واحدة، وهي استمرار تلوث الليطاني. ومن تلك الأموال، هبة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 26.5 مليون يورو لمشروع معالجة مياه الصرف الصحي في عنجر ومجدل عنجر وقب الياس. هبة من البنك الأوروبي للتثمير، بقيمة 45 مليون يورو، لدعم مشروع المياه والصرف الصحي في جنوب لبنان. وقرض من البنك الدولي للانشاء والتعمير، بقيمة 43.5 مليون دولار لتمويل مشروع مياه الشرب والصرف الصحي في بعلبك. وغيرها الكثير.
أسباب غير مفهومة
أمام هذه الأرقام، يقول المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية، في حديث لـ”المدن”، أن أموال القانون 63 “أدرجت لسنة واحدة في الموازنة العامة، وبعدها جرى تدوير الاعتمادات، ثم تم التوقّف عن وضعها في الموازنات ولم يعد يُرصّد أي اعتماد لمشاريع الصرف الصحي، وفقدت الليرة قيمتها لاحقاً”. أما حول قرض البنك الدولي بقيمة 55 مليون دولار فيرى علوية بأنه “متعثّر لأسباب لا نفهمها، ويتحمّل البنك الدولي ومجلس الإنماء والإعمار مسؤولية التعثّر”. وينسحب التعثّر على المشاريع الأخرى التي “تسير ببطء. وليتها كانت مشاريع سدود او معامل للكهرباء، لكانت سارت بسرعة”.
ويلفت علوية النظر إلى “توجيه إخبارات للنيابة العامة المالية والتنفيذية حول تعثّر تنفيذ المشاريع”، من دون جدوى.
لبنان مساحة موبوءة
مسألة التخلّص من التلوّث الذي يهدد المزروعات اللبنانية هي معركة مستمرة بالنسبة إلى جمعية المزارعين، التي يرى رئيسها أنطوان حويّك أن أكثر من نصف مساحة لبنان بات مناطق موبوءة، وكل المجاري المائية فيه موبوءة، وليس فقط نهر الليطاني. ولذلك، فإن منع الريّ بالمياه الملوّثة هو قرار مجتزأ ولا يحلّ الأزمة، لأنه لا يمكن الطلب من المزارع فجأة عدم الريّ بمياه النهر، من دون إيجاد الحلول البديلة”. وحسب ما يقوله حويّك لـ”المدن”، فإن وضع خطة محدّدة وواضحة “يمكنه دفع المزارع إلى وقف الريّ بتلك المياه لفترة زمنية معيّنة. لكن لا يمكن دعوة المزارع لوقف الريّ بلا سبب ينتهي بمعالجة الأزمة”.
ولا تقف مسألة الريّ بالمياه الملوّثة على استخدام مياه الليطاني، لأن “الآبار التي تسحب المياه الجوفية ملوّثة أيضاً، لقربها من الليطاني. ولبدء إيجاد مياه نظيفة في منطقة البقاع مثلاً، علينا التوجّه صعوداً نحو الجبال، أما المناطق السهلية، فكلّها ملوّثة، سواء الأراضي المروية من النهر أو الآبار الخاصة”.
ولا يستبعد حويّك صدور قرارات بمنع استقبال الصادرات الزراعية اللبنانية بسبب التلوّث. وفي الوقت نفسه، ليس بالضرورة أن يشمل القرار كل المنتجات الزراعية لأن “نسب التلوث تختلف من نوع لآخر، ولكل نوع من الأشجار والنباتات قدرة على احتمال معدّلات التلوّث. وكذلك، تختلف القرارات حيال منتج وآخر تبعاً لكيفية استهلاك هذا المنتج، فالمزروعات التي تستهلك نيئة كالنعنع والبقدونس، تكون أكثر عرضة للمنع من المزروعات التي تطهى مثل الشمندر”.
المدن