عقد مؤتمر تأسيسي جديد يحل مكان الطائف… تحت شعار “الحوار”؟
حوار حول الرئاسة دون غيرها!
بعدما اقتصرت الدعوة إلى الحوار لحل معضلة رئاسة الجمهورية الشاغرة منذ تسعة أشهر على النداءات المتكررة الصادرة عن رئيس مجلس النواب نبيه بري ومثله إصرار الزعيم وليد جنبلاط على الحوار كمفتاح للخروج من الأزمة، كانت الأصوات المعارضة لهذا الحوار تنطلق من الفريق المسيحي تحديداً لغايات أقلها عدم القبول بدعوة الفريق “الشيعي” للحوار بغياب رئيس الجمهورية الماروني، ولحجة واهية في الشكل والمضمون، وهي القبول بزعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية كمرشح وحيد للرئاسة.
وإذا كانت الأصوات المعارضة للحوار قد خفّت قليلاً، كما أن أصوات الداعين اليه ازدادت خصوصاً من جانب “حزب الله”، فبات من الواضح أن الجلوس إلى الطاولة لحل المشكلة المزمنة المتعلقة بالفراغ في موقع الرئاسة الأولى هو الحل الوحيد لهذه الأزمة والذي خلص إليه وفقاً للمعلومات، الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان الذي بعدما التقى غالبية الفرقاء السياسيين بدا أنه يتجه إلى العودة محمّلاً بدعوة جدية إلى الحوار لحل أزمة لبنان.
والحوار لم يكن يوماً بعيدأً عن النهج الفرنسي في التعاطي مع لبنان، حيث أن الفرقاء السياسيين المختلفين اليوم كانوا قد لبوا دعوة فرنسية للحوار في ضاحية سان كلو ترأسها وزير الخارجية الفرنسية آنذاك بيرنار كوشنير في محاولة لتجاوز الأزمة التي اندلعت مع استقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في تشرين الثاني 2006 ما دفع فريق المعارضة آنذاك الى الزعم بأن الحكومة أضحت غير ميثاقية وكل قراراتها ستكون باطلة.
ولم تكن نتائج جلسات الحوار السابقة التي وجد الفرقاء السياسيون أنفسهم مجبرين على القبول بها مشجّعة، وأسطع مثال على ذلك، طاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال سليمان والتي أنتجت ما عرف بـ “إعلان بعبدا”، بحيث أنه لم تكد شمس اليوم التالي للتوقيع على الاتفاق تشرق، حتى سارع ممثل “حزب الله” في التوقيع عليه النائب الحاج محمد رعد الى وصف الاتفاق بأنه لا “يحرز الحبر الذي كتب به وعلى الجميع نقعه بالماء وشربه”.
وإذا كانت هذه النية لا تزال موجودة لدى فريق الممانعة، فمن المؤكد أن إعادة تجربة الحوار لن تكون مجدية بل تمييع وكسب للوقت إلى أن تأتي الظروف الملائمة دولياً وإقليمياً لفرض طاولة حوار على نسق حوار “الدوحة”، بحيث اضطر الجميع الى الخضوع لرغبات الدول الفاعلة على الساحة اللبنانية والاستجابة للورقة التي كانت هذه الدول قد اتفقت عليها مسبقاً وفرضتها على اللبنانيين.
ومن مفاعيل اتفاق الدوحة الحواري كان فرض اسم رئيس الجمهورية العتيد في حينه، كما الاتفاق على منح الفريق الممانع الثلث المعطل في الحكومة، وتخصيص بعض الوزارات لفرقاء سياسيين محددين حتى بمذاهبهم، لكن الحوار اليوم يجب أن لا يشمل مواضيع أكثر من الاتفاق على اسم الرئيس العتيد للجمهورية وشخصيته، إذ أن مجرد تعدي الحوار هذا الموضوع والتطرق على سبيل المثال إلى اسم رئيس الحكومة أو التعيينات الادارية والأمنية وخلافها، سيكون مرفوضاً بغياب المكون السني الذي يعاني من حالة تشرذم بعد اعتكاف الزعيم الأبرز للسنة الرئيس سعد الحريري.
وهذا السبب معزّز بالسؤال حول من سيكون ممثلاً للسنة في هذا الحوار، خصوصاً وأن نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة أثبتت من دون جدل وبصورة واضحة أن اعتكاف الرئيس الحريري وتيار “المستقبل” عن العمل السياسي ومقاطعة الانتخابات نتيجة قرار الحريري، لم تفرز فريقاً سنياً متجانساً قادراً على الزعم بتمثيله لهذا الفريق الأساسي في الصيغة اللبنانية في أي طاولة حوار سيعقدها ممثلون حصريون لمذاهبهم، مثل “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”الكتائب” عن الموارنة والثنائي الشيعي عن الشيعة وتيمور جنبلاط عن الدروز و”الطاشناق” عن الأرمن، وتعددية موجودة لدى الأرثوذكس والكاثوليك لكن من دون حصرية.
ولا يمكن الزعم بأن التعددية موجودة لدى السنة إذ أن عدد نوابهم يبلغ 27 نائباً وهم يتعادلون بذلك مع عدد النواب الشيعة الملتفين حول الثنائي الشيعي، لكن عدد نواب الأرثوذكس هو 14 نائباً أي نصف عدد النواب السنة وموزعون على أحزاب وتكتلات سياسية مختلفة، كما أن عدد نواب الكاثوليك يبلغ 8 نواب وهم يتعادلون بذلك مع عدد النواب الدروز، غير أن الدروز بغالبيتهم لدى جنبلاط في حين أن الكاثوليك موزعون على عدة فرقاء سياسيين، وحين كان الشهيد رفيق الحريري ومن بعده الرئيس سعد الحريري يخوضان غمار الانتخابات النيابية كانا يجمعان ما لا يقل عن 20 مقعداً سنياً من أصل المقاعد الـ 27 المخصصة للسنة، وكانا بالتالي يستطيعان الزعم بتمثيل طائفتهم خير تمثيل.
والغاية من الحوار المأمول أن يصار إلى التوافق على هوية رئيس الجمهورية العتيد، أما إذا تعدى الأمر ذلك وذهب باتجاه البحث في “ثنائية” تنفيذية أي ربط اسم رئيس الجمهورية باسم رئيس الحكومة الأولى في العهد الجديد فإن ذلك سيكون بمثابة انتقاص من دور السنة وسبباً لأزمة جديدة – قديمة ستكون نتائجها وخيمة، كما إن ذلك قد يشكّل تلبية لمطلب قديم ومزمن للشيعة تمثل سابقاً في الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي للبحث في صيغة لبنان، وهذا أيضاً سيكون تجاوزاً لخط أحمر رسمه المتمسكون باتفاق الطائف الذي أنهى حرباً أهلية موجعة كانت وبالاً على جميع المكونات اللبنانية.
لم تعد خافية على أحد نية “حزب الله” في عقد مؤتمر تأسيسي يكون مخصصاً لصياغة عقد “اجتماعي – سياسي” جديد يحل مكان الطائف، فلا يجب أن يكون هذا المؤتمر منعقداً تحت شعار “الحوار”، والاستمرار في الشغور الرئاسي يفيد الحزب من حيث استمرار حال المراوحة التي سمحت له بتوسيع انتشاره وهيمنته على الساحة السياسية.
فليكن الحوار محصوراً بالبحث عن حل لمعضلة الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية دون سواها، وأبعد من ذلك، سيكون سبباً لخلاف إضافي ليس الوقت مناسباً للخوض فيه.
صلاح تقي الدين- لبنان الكبير