لبنانيون يزايدون على اليمين الفرنسي: “المزرعة كثيرة على هؤلاء”

فيما تريث الكثير من الفرنسيين في إطلاق تعميمات على المحتجين في مدن فرنسية عديدة على مقتل الشاب من أصل جزائري نائل برصاص شرطي، جاء “الدعم” من لبنانيين ومهاجرين عرب، في حفلة مزايدة على الفرنسيين أنفسهم، وعلى الشرطة الفرنسية التي أوقفت الشرطي مطلق النار، وعلى الأمم المتحدة التي دعت باريس لمعالجة “المشكلات العميقة المتعلقة بالعنصرية والتمييز العنصري في إنفاذ القانون”.

والتريث الفرنسي، في أغلبه، ينطلق من ثقافة متصلة بالحريات والمساواة والركون الى الدولة. لم يعتد الفرنسيون على متملقين للسلطة، رغم مرارة المشهد الموثق في كاميرات الهواتف وعرضته وسائل الإعلام، لإحراق ممتلكات عامة ووسائل نقل وأبنية. يفصل الفرنسيون بين الأمرين، وتعالج الشرطة الاعتداءات بتوقيف المتورطين في أعمال الحرق والتخريب والشغب، بينما يغرق الفرنسيون في النقاش حول الحريات والعنصرية والمخالفات الإنسانية والأخلاقية.

ينقسم النقاش الى شقين. الشق المتصل بالفعل، والشق المتصل بردّ الفعل الناتج عن حادثة مقتل الشاب في منطقة نانتير غربي باريس.

وبعدما وُصف نائل بـ”المخرب”، وتم تنميط المتظاهرين بعبارات تُشير الى العنصرية والفوقية، جاء بيان الأمم المتحدة التي دانت الحادثة، إذ أبدى مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم الجمعة قلقه إزاء مقتل شاب على يد الشرطة الفرنسية. وقالت رافينا شامداساني، المتحدثة باسم المكتب: “هذه فرصة للبلاد لتعالج بجدية المشكلات العميقة المتعلقة بالعنصرية والتمييز العنصري في إنفاذ القانون”، وأضافت “نشدد أيضاً على أهمية أن تكون التجمعات سلمية. ندعو السلطات إلى ضمان أن يكون استخدام الشرطة للقوة في التصدي للعناصر العنيفة في المظاهرات وفقاً لمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب وعدم التمييز والحيطة والمساءلة”.

ومع أن الخارجية الفرنسية ردت على البيان، إلا أنها ليست المرة الأولى التي تدين فيها الأمم المتحدة طريقة أداء الشرطة الفرنسية ومسألة الحديث عن العنصرية، فخلال شهر أيار/مايو الماضي وجهت الأمم المتحدة انتقادات إلى باريس على خلفية هجمات ضد مهاجرين وتنميط عنصري وأعمال عنف تمارسها الشرطة، وذلك خلال اجتماع عقده مجلس حقوق الإنسان في الهيئة الأممية للنظر في سجل فرنسا على هذا الصعيد.

ينطلق انتقاد الأمم المتحدة من إعتبار الخلل في أداء الشرطة الفرنسية ووجوب معالجته، وتطرّق في ما بعد إلى إدانة أعمال الشغب التي لحقت الحادثة، إذ إعتبر أن الخطأ يبدأ في الأصل في التعاطي مع الجاليات، وهذا ما أنتج ردود أفعال وموجة غضب ونيران أشعلت الشوارع الفرنسية.

هذه الاعتبارات، لا تقنع أصواتاً عربية، وتحديداً لبنانية، لتزخيم النقاش بين الحق والواجب، وبين انتقادات التجاوزات القانونية والانسانية من جهة، وضرورة الحفاظ على الممتلكات العامة والحق بالتعبير سلمياً تحت مظلة القانون. ما ظهر، يبرز أن الاصطفاف في هذه الحالة يتخطى مسألة الهواجس اليمينية الفرنسية من مسألة المهاجرين، ومحاولة للتفريق بين نوعين من المهاجرين: المهاجر “المثقف”، والمهاجر “البربري”.

تقول مغردة لبنانية تعليقاً على فيديو لمتظاهرين يحطمون سيارة وسط الشارع: “المزرعة كثيرة على هؤلاء.. لماذا توجهوا الى فرنسا؟”، ويسأل لبناني آخر: “أين الشعب الفرنسي لا يتحرك؟ شعب ثاني يحتله ويكسر بلده، وهو ساكن لا يتحرك”.

في العرف القانوني، أي عملية تكسير أو إحراق لمرافق عامة هي تعبير يتخطى الإطار القانوني والحقوقي السلمي. لكن الأمر المُلفت لدى بعض المغرّدين ومواقفهم، أن غالبية من صرّحوا ووصفوا المتظاهرين بالمُخرّبين وأطلقوا توصيفات عامة وعنصرية أيضاً على بعض الجاليات العربية في فرنسا، لا يعيشون هناك ومنهم لبنانيون في لبنان، وهي مواقف غير مفهومة، وتظهر مزاودة على اليمين الفرنسي نفسه.

غضب وادانة
وأثارت حادثة مقتل الفتى، غضب العالم، ورافقها انتشار عبارة “العنصرية في فرنسا” في بعض وسائل الإعلام العربية والغربية، كما إنتشر وسم #فرنسا_العنصرية في المنصّات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. إنها موجة من الغضب والإستنكار الرسمي والشعبي جرّاء الحادثة التي على أثرها أعرب عدد من نجوم الرياضة ومشاهير الفن بفرنسا عن استنكارهم.

وقال نجم المنتخب الفرنسي وباريس سان جيرمان، كيليان مبابي، في تغريدة في تويتر: “أتألم مما يحدث لفرنسا.. هذا الوضع غير مقبول”، مضيفاً: “كل تفكيري مع أسرة نائل وأقاربه، هذا الملاك الصغير، غادرنا مبكراً”.

وقال لاعب فريق بايرن ميونخ الألماني، ماتيس تيل، في إنستغرام: “كان عمرك 17 عاماً، وعمري 18 عاماً.. كلانا أتينا من ضواحي باريس.. أقول لنفسي بألم إنه كان من الممكن أن أكون أنا (ضحية الحادثة)”.

وهاجم لاعب المنتخب الفرنسي غول كوندي، تعاطي بعض وسائل الإعلام والصحافيين الفرنسيين مع الحادث المأسوي، مشيرا إلى أن بعضهم ذهب في تغطيته نحو “تشويه الحقيقة وتحميل الضحية المسؤولية”.

المدن

مقالات ذات صلة