هاجس يعود الى مئات السنين: شيعة الجنوب الى جنوب العراق؟
ما كان معلوماً للملأ حول ما يجول في رؤوس القادة الاسرائيليين، أعلنه بنيامين نتنياهو أمام الكنيست «اجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية». ضمناً «اجتثاث الحالة الفلسطينية». هنا الاختبار الأخير للمراوغة الأميركية، ولتواطؤ ما يدعى «المجتمع الدولي»، بالعيون المقفلة وبالآذان المقفلة .
لبنانياً،لا بد لهذا الموقف الذي طالما حذرت منه قيادة «حزب الله»، أن يعيد الى ذاكرة هذه القيادة ما تناهى اليها عام 2006 حول السيناريو الأميركي ـ الاسرائيلي لترحيل شيعة الجنوب الى جنوب العراق، ما يضمن السلام الأبدي للدولة العبرية …
هذا الهاجس لدى شيعة لبنان يعود الى مئات السنين (لاحظوا عمليات التهجير التي تعرضوا لها عبر القرون) . الآن بدا الهاجس وهو يتأجج ثانية، في ضوء أبحاث «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» الذي يعكس رأي المؤسسة اليهودية التي لا تستطيع أن تتصور وجود تلك الترسانة البشرية، والصاروخية،على تخوم «اسرائيل».
من هنا كان الضغط المكثف على الادارات الأميركية لتوجيه ضربة قاضية الى النظام في ايران تضع «حزب الله» أمام مأزق وجودي.
في حرب 2006، كانت واضحة خطة «اسرائيل». تفريغ الجنوب اللبناني من سكانه تمهيداً لتوطين الفلسطينيين بعدما نجح اجتياح 1982 في تدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير، وتشتيت قياداتها ومقاتليها.
آنذاك، أي منذ 17 عاماً، كانت المعلومات تنهال على الحزب من بلدان مختلفة، حول سيناريو التهجير. بالتواطؤ مع أطراف داخلية، ليظهر الاختلال الدراماتيكي في التوازنات السياسية، والطائفية، اذ بدا رئيس الجمهورية اميل لحود، الحليف للحزب، عاجزاً حتى عن ابداء رأيه داخل مجلس الوزراء، للحيلولة دون تنفيذ أي خطوة في اتجاه تنفيذ ذلك السيناريو.
الأرض حسمت الموقف آنذاك، ليتحدث الكاتب ديفيد غروسمان (فقد ابنه أثناء الحرب) عن «ذلك اليوم، في وادي الحجير، الذي اهتزت فيه عظام تيودور هرتزل».
بالرغم من أجواء التسويات في المنطقة، فان الضبابية التي تكتنف المشهد الدولي الآن تجعل دولاً كثيرة في حال من الضياع . هذا ما يحمل القادة الاسرائيليين، بالعقل الاسبارطي، على الاعتقاد أن الفرصة مثالية لتنفيذ خططهم الخاصة باقامة الدولة اليهودية، وطرد «الغواييم»، أي الآخرين، منها.
مخاوف «حزب الله» لا تلقى هوى لدى قوى لبنانية ترى أنه حين جرى التهجير عام 2006، انتقل مئات آلاف الجنوبيين الى بيروت، ومناطق الجبل. أي تهجير آخر سيكون باتجاه الداخل، ما يؤدي الى زعزعة التوازنات الجغرافية، والديموغرافية، في البلاد، الا اذا كان هناك قوى محلية تستطيع أن تقفل مداخل بيروت، وطرقات الجبل . بالتالي نقل المهجرين بالباصات الى مناطق الأهوار بالجفاف القاتل .
ما قالته شخصيات سياسية، وروحية لجان ـ ايف لودريان أن طرح تلك المخاوف ورقة تكتيكية للدفع في اتجاه مؤتمر تأسيسي بغية احداث تغيير جوهري في صيـغة الطائف. حين يقول الحزب انه لم يكن بامكان لحود، الآتي من المؤسسة العسكرية، فعل أي شيء في وجه رئيس حكومته (فؤاد السنيورة)، وكان الآمر الناهي في مجلس الوزراء، ماذا يستطيع سليمان فرنجية أن يفعل؟
الشخصيات اياها قالت أمام المبعوث الفرنسي هل يمكن لحزب جاهر بأن لديه 100000 مقاتل، وأكثر من 100000 صاروخ، أن يخشى من التهجير، وهو الذي يهدد باجتياح الجليل، بمستوطناته اليهودية ؟
بحسب المعلومات المتوافرة، كان لودريان يصغي، لكنه قال أمام أحد المراجع ان حكومة بلاده على قناعة باستحالة تهجير الفلسطينيين، مهما بلغ الجنون (الايديولوجي) بقادة «اسرائيل»، كما أن معلوماته، على الأقل كمراقب، لا تشير الى أي خطة لتهجير شيعة جنوب لبنان الى جنوب العراق .
اللافت أن هناك جهات سياسية، وروحية، هي التي أبلغت لودريان بأن المسألة أكبر بكثير من الصراع على رئاسة الجمهورية. اتهام مباشر لـ «حزب الله» بأنه يضغط لعقد مؤتمر تأسيسي، مع أن الحزب نفى ذلك بصورة قاطعة، ولكن هناك من أحترف نثر الشكوك، والأشواك، على طريق القصر …
نبيه البرجي- الديار