بوتين الضعيف القوي: ما بعد أوكرانيا وبريغوجين
ليس من الصعب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يجابه مضاعفات ما بعد تمرد “طباخه” يفغيني بريغوجين الذي قاد مرتزقة “فاغنر” 780 كيلومتراً على الطريق إلى موسكو قبل التوقف بصفقة دبرها رئيس بيلاروس، لكن من الصعب عليه أن يتجاوز تحديات حرب أوكرانيا.
تأسيس “فاغنر” كان لعبة ذكية من بوتين سمحت لروسيا بأن تنشر وتعزز دورها ونفوذها في ليبيا والسودان وسوريا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وعدد آخر من البلدان، إلى جانب دور “فاغنر” على جبهة باخموت في حرب أوكرانيا من دون أية مسؤولية لموسكو عن الجرائم التي يرتكبها المرتزقة الآتون من السجون.
والحرب على أوكرانيا كانت غلطة استراتيجية كشفت عن أن معلومات بوتين حول جيشه خاطئة، ومعلوماته عن الجيش الأوكراني خاطئة، وتقديراته لرد فعل الغرب الأميركي والأوروبي خاطئة، وهي أدت إلى عقوبات وعزلة لروسيا ومواجهة وضع عسكري خطر جداً.
قوة كبرى اجتاحت دولة متوسطة في ما سمتها “عملية عسكرية خاصة” صار عمرها حتى اليوم 16 شهراً من دون نجاح، والمعادلة أمام بوتين هي أنه لا يستطيع أن يخسر ولا يستطيع أن يربح، لا أن يحصل على تسوية سياسية بالتفاوض ولا أن يسحب قواته، والمعنى الاستراتيجي لذلك أنه خسر.
وهذا ما حدث لأميركا في حرب فيتنام وغزو كل من أفغانستان والعراق، لكنها تمكنت من تحمل الخسارة التي يبدو نظام بوتين عاجزاً عن تحملها.
بوتين لن يستغني عن “فاغنر” التي ستكمل أعمالها بقيادة مختلفة بعد توقيع عقود التطوع مع وزارة الدفاع، وليس من السهل عليه التخلي عن وزير الدفاع سيرغي شويغو، وهو صديق قديم له وموثوق من قبله، لأن طموحاته محدودة بسبب انتمائه إلى إثنية قليلة العدد في سيبيريا ليست روسية ولا أرثوذكسية، فضلاً عن أنه لم يكن ضابطاً بل منحه بوتين رتبة جنرال رأساً.
لكن “الثأر يؤكل بارداً” كما يقول المثل، وثأر بوتين حتمي بعد اعترافه بأن حرب أوكرانيا والأحداث الكثيرة كشفت عن “أوجه القصور” في إدارة الجيش والأمن، وسواء شمل شويغو وغيراسيموف أو لا، فإن بريغوجين مشروع قتيل.
وبوتين الضعيف أخطر من بوتين القوي، ولن يغفر ولن ينسى أن تمرد بريغوجين كان، كما تقول المحللة الروسية المستقلة في “كارنيغي” تاتيانا ستانوفايا، “ضربة موجعة لبوتين لا تهديداً خطراً لنظامه، لكن ستكون للضربة عواقب مهمة على النظام”.
وهو أصلاً رجل ضعيف، لا هو مناضل كما كان لينين وستالين وتروتسكي، وليس له حتى تاريخ يلتسين وصعوده إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي، فهو مجرد ضابط عادي في “كي جي بي” عمل في درسدن وعلى ساعته انهار جدار برلين ثم الاتحاد السوفياتي، لكنه محظوظ، وكانت “النومنكلاتورا” والأوليغارشية وراء تقديمه إلى يلتسين بعد أن عمل سائق تاكسي في بطرسبورغ.
يلتسين عينه رئيساً لجهاز الاستخبارات ثم رئيساً للحكومة، بحيث ورث الرئاسة منه وتنامى من حوله حزب “روسيا الموحدة”، وهو معجب بستالين ومنتقد للينين لأنه أنشأ “جمهورية أوكرانيا السوفياتية”، ويؤمن بقول ستالين الذي تأكد منه عملياً في مسيرة حياته الرئاسية، وهو “أن الروس شعب قيصري يبحث دائماً عن قيصر ليعبده ويعمل من أجله”، وهو حكم كأنه “قيصر”، والقيصر اليوم ضعيف يريد استعادة القوة ومحو الصور التي أظهرت الروس يصفقون لبريغوجين و”فاغنر” خلال السيطرة على روستوف والزحف على الطريق إلى موسكو، والحاكم بأمره يحتاج في كل مرحلة إلى ضحايا.
اندبندنت