سر يا تيمور: شعار “كلن يعني كلن” شعار جارح لم يُنصف ما قام به جنبلاط!

بدأ تيمور جنبلاط مسيرته في رئاسة “الحزب التقدمي الاشتراكي” أمام والده وليد جنبلاط وأركان حزبه، ووعد برفع راية الحرّيات وقِيَم العروبة الديموقراطية المنفتحة في لبنان والعالم العربي عالياً، في مواجهة التحجّر والعنصرية. التزم تيمور أن يبقى حزب النضال من أجل لبنان عربي علماني ديموقراطي، ولبنان العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة.

بهذه الكلمات تسلّم رئاسة الحزب، والتزم القِيَم التي ورثها من جدّه المعلّم كمال جنبلاط ووالده وليد، الذي استقال من رئاسة الحزب بعد “46 عاماً من تحدٍ مستمر”.

كان وليد جنبلاط جالساً وسط عائلته وأحبائه في ساحة عين زحلتا اللبنانية، إلى يمينه زوجته نورا وإلى يساره ابنه اصلان وابنته داليا وزوجها جووي ضاهر، يصغي إلى خطاب نجله الذي تسلّم منه رئاسة الحزب، ومسوؤلية الحفاظ على المختارة والزعامة الدرزية.

من يعرف وليد جنبلاط لمس على وجهه تأثراً كبيراً، في لحظةٍ كان يستعيد في ذهنه ذكرياته لحياة نضالية وسياسية وشخصية مليئة بالأحداث والتطورات والتغييرات التي سيبدأ كتابتها في مذكراته قريباً. وقد تكون انتابته مشاعر الفرح لدى الاستماع إلى نجله الأربعيني، يلقي كلمته بطلاقة، ويقدّم لحزبه وللرئيس السابق والده نهجه ومشروعه، بالعمل على خطوات المعلّم الكبير كمال جنبلاط. كانت فرحة جنبلاط الأب كبيرة لاطمئنانه إلى أنّ المختارة ستبقى بأيدي النجل الذي أظهر لوالده أنّه سيكون قادراً على الحفاظ على بقاء المختارة وعلى حماية الشعب الدرزي، الذي هو جزء أساسي من لبنان.

استطاع الزعيم وليد جنبلاط أن يحافظ على وحدة الجبل عبر المصالحة التاريخية بين الدروز والمسيحيين بعد حرب الجبل، وهي الأساس في الواقع السياسي الحالي، في بلد تمزّقه الانقسامات الطائفية. من عين زحلتا حيث كان وليد جنبلاط يستمع إلى نجله يخاطب الحزب ووالده الرئيس المستقيل، كان وجهه يعكس نوعاً من الارتياح في هذه اللحظة التي يكتشف فيها زعيم المختارة قدرة ابنه تيمور على السير بمسؤولية حماية المختارة وشعب الجبل اللبناني، الذي عمل وليد ووالده المعلّم كمال جنبلاط الكثير من أجله.

كثيراً ما تمّ انتقاد الطبقة السياسية في لبنان في الآونة الأخيرة بالشعار “كلن يعني كلن”. شعار جارح لم يُنصف كل ما قام به جنبلاط، ليس فقط لشعبه في الشوف، ولكن أيضاً للبنان وشهدائه. فزيارة منطقة الشوف في لبنان وحدها تُظهر كيف اهتم الزعيم الدرزي بهذه المنطقة، وكان حريصاً على حماية البيئة فيها، قبل ان يتحوّل موضوع البيئة إلى حديث الساعة مثلما هو حالياً. ولا أحد ينسى مواقف وليد جنبلاط البطولية في العام 2005 إزاء النظام السوري الذي كان محتلاً واغتال رئيس الوزراء الشهيد رفيق الحريري.

في أحلك الأوضاع، أظهر وليد جنبلاط شجاعة لا مثيل لها. لقد أجبر نفسه، حرصاً على حماية الجبل والدروز وموقعه بعد استشهاد والده، على مصالحة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي أعطى امراً باغتيال كمال جنبلاط. عندما توفي حافظ الأسد، قال جنبلاط في نفسه، الآن باستطاعتي أن أضيء شمعة على روح والدي. ولكنه استمر في مسعاه، محاولاً إنقاذ شعبه والتحاور مع بشار الأسد في العام 2010، بعد أن كان من أشدّ مهاجميه، ولكن الزعيم الدرزي سرعان ما أدرك أنّ الحوار مع الأسد الابن بمثابة حوار طرشان. وحرب الأسد الابن على شعبه بعد كل الاغتيالات التي نُفّذت في لبنان، ألقت بثقلها على قرار وليد جنبلاط القطيعة النهائية مع نظام بشار الأسد. صحيحٌ أنّ تاريخ الزعيم الدرزي حافل بالتقلّبات، ولكنها كانت دائماً متماشية مع قراءة استباقية للأحداث في لبنان وفي المنطقة. فهو من القلائل الذين لديهم رؤية بعيدة الأمد، وكثيراً ما هي استبقائية للتطورات في المنطقة. اليوم ولبنان يشهد المزيد من التدهور، أمام وريثه تيمور مهمّة صعبة وبالغة الخطورة، في زمن لبنان مفلس والفراغ في مؤسساته يبدو مزمناً، إذ لا اتفاق بين الأحزاب المختلفة، لا على رئيس ولا على إدارة البلد، ونفوذ “حزب الله” يهيمن على قرار الحرب والسلم، وليس للجيش اللبناني، كما طالب وليد جنبلاط في خطابه الوداعي كرئيس للحزب. رغم ذلك اطمأن وليد جنبلاط عندما شاهد نجله يخطب أمامه في عين زحلتا، إلى أنّ تيمور سيكمل مسيرة والده وجدّه، ولو بطريقة مختلفة، ولكن المختارة باقية.

لا شك في أنّ إرث كمال جنبلاط كان له دور كبير في حياة وليد جنبلاط السياسية، ولكن قليلاً ما نسمع عن إرث مهمّ وثمين في حياة الزعيم الدرزي، وهو إرث والدته الست مي ابنة الأمير شكيب أرسلان، التي أورثت ابنها وليد ولعها بالقراءة والثقافة والاطلاع، إضافة إلى حنان أم عشقت ابنها الوحيد الذي بادلها هذا الحب طيلة حياتها، فكان تأثير الست مي على الزعيم الدرزي كبيراً ولعبت دوراً مهمّاً في المختارة إلى جانب وليد وأولاده. زعامة وليد جنبلاط ليست إرثاً فقط، بل هي عمل من دون انقطاع من أجل الدروز في الجبل، الذين كثيراً ما يعترفون بكرمه وطيبة قلبه وإحساسه مع المحتاجين، والاّ لما نجح في الحفاظ على شعبية واسعة في الجبل.

إنّ تغريدة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعد انتقال رئاسة “الحزب الاشتراكي” من وليد جنبلاط إلى نجله تيمور “من كمال إلى وليد وتيمور تبقى المختارة حجر الزاوية لعروبة لبنان. أصدق التمنيات للصديق ابن الصديق تيمور”، تعكس فعلاً تمني وليد جنبلاط لمسيرة نجله لبقاء المختارة.

رندة تقي الدين- النهار العربي

مقالات ذات صلة