خرج النقاش إلى العلن: الحزب يمهّد… فرنجية أهون الشرور أو النظام!
خرج النقاش إلى العلن. فها هو تمسُّك الثنائي، وتحديداً الحزب، بترشيح سليمان فرنجية يفتح الباب على الكلام الجدّيّ عن “ضمانات” الحزب. في الأشهر الماضية، كثرت التساؤلات عن ماهيّة الضمانات التي يريدها الحزب، فيما يغطّي نفوذه الدولة اللبنانية في الأساس. إلا أنّه مع الأيام بدأ النقاش الجدّي لطرح معادلة “فرنجية أو النظام”. هل هو تهويل فقط للقول إنّ القبول بفرنجية هو أهون الشرور، وبالتالي استخدام هذه الورقة للضغط لصالح فرنجية؟ أم هو طرح جدّي ينطلق من أنّ فرنجية وحده يحفظ للحزب المكتسبات التي حصل عليها منذ دخوله الفعليّ لعبة السلطة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإلا فإنّ الحزب مستعدّ للتوافق على رئيس شرط تثبيت مكتسبات طائفته في اتفاق مكتوب جديد يُضاف إلى اتفاقَيْ الطائف والدوحة؟
يخفي كلّ هذا النقاش في الظاهر الخلاف الحقيقي الذي امتدّ من الداخل إلى الخارج. فكما هي مواقف القوى المحلّية مختلفة على شخص الرئيس، كذلك هي قوى اللجنة الخماسية وإيران. وبالانتظار، سنستمع إلى نقاشات مختلفة في الصالونات السياسية قبل أن يتّفق المعنيون على إطلاق الدخان الأبيض.
بارود وعون والحسابات الخارجيّة
بعدما صُنّف المرشّحان سليمان فرنجية وجهاد أزعور مرشّحَيْ “مواجهة” بعد الجلسة الأخيرة، يبرز اليوم اسمان متقدّمان في الداخل والخارج، الوزير السابق زياد بارود وقائد الجيش جوزف عون. في معلومات “أساس” أنّ الخلاصة التي قدّمها الموفد الفرنسي لودريان للرئيس الفرنسي تتحدّث عن خلافات عميقة بين القوى اللبنانية لا تساعد في طرح الحوار الذي اعتقد لودريان أنّه يستطيع أن يمهّد له كما نقل عنه الرئيس برّي. الواقع أنّ لودريان عاد باسمين إضافيَّين للرئاسة لطرحهما على اللجنة الخماسية مع التسليم بأنّ فرنسا فقدت دورها الأحاديّ في حلّ الأزمة الرئاسية، وأنّ أيّ حلّ يحتاج إلى مقاربة جامعة. غير أنّ مواقف اللجنة الخماسية ما يزال بعضها غير منسجم مع البعض الآخر. ومع استمرار العجز عن إحداث أيّ خرق داخلي في ما يتّصل بفرنجية وأزعور، تتحدّث مصادر دبلوماسية عن تباينات بين باريس وبين واشنطن ودول الخليج، إذ تفضِّل الأولى زياد بارود، فيما هناك تفضيل أميركي وخليجي لقائد الجيش جوزف عون.
من جهتها، ما تزال إيران تولي الحزب إدارة هذا الملفّ، وتنأى بنفسها عن هذه التسميات بانتظار نتائج حوارها مع الأميركيين عبر عُمان. وبالانتظار تعجّ الصالونات السياسية بالكلام عن الحصص والنظام والرئاسة ومدى قدرة الحزب على فرض أيّ تعديل، فيما الأثمان الحقيقية ستُدفع في الحسابات الدولية.
تقاطعات بين الخصوم
داخلياً ينشط الكلام عن تغيير في الحصص الطائفية انطلاقاً من التغيّر الحاصل في موازين القوى على مرّ السنوات الماضية. يدرك الحزب أنّ اللعب بالصيغة شبه مستحيل في الوقت الحاضر، لكنّه يبحث عن أمرين أساسيَّين هما المحافظة على دور المقاومة وعدم تقييدها بـ”قرار الحرب والسلم” ووضع سلاحها على طاولة البحث، ووجود الطائفة الشيعية في الدولة ودورها فيها. هذا النقاش الداخلي يقوم به الحزب انطلاقاً من اصطدامه بعقبات تمثّلت بالحسابات الداخلية التي منعت صرف انتصاراته الخارجية، لكنّه سيطرحه بالصيغة المناسبة والوقت المناسب وفق ما ستؤول إليه التطوّرات الإقليمية. هل يكون مطلبه تعديل النظام أم تثبيت مكتسبات الأعوام الماضية في وثيقة مكتوبة؟ يدرك الحزب أنّ صيغة تعديل النظام غير مطروحة حالياً دولياً ومحلّياً، إلا أنّه يتمسّك بالاحتمال الأسهل، وهو البحث في تثبيت المكتسبات. وما زاد من تمسّكه بهذين المطلبين هو:
– أوّلاً: عدم رغبته بتكرار تجارب سابقة حصلت في عهد الرئيس ميشال سليمان.
– ثانياً: التجربة التي يعيشها مع حليفه “الاستراتيجي” جبران باسيل الذي لم يتردّد في الانفصال عن الحزب بناء على حسابات رئاسية.
أمّا باسيل فقد سبق أن أعرب عن رغبته بالعودة إلى تحالفه مع الحزب شرط التخلّي عن فرنجية والاتفاق على اسم آخر للرئاسة. من جهته أبلغ الحزب باسيل استعداده لاستقباله لكن تحت عنوان انتخاب سليمان فرنجية، وأنّ أيّ كلام آخر ليس وارداً لدى الأمين العام للحزب الذي لن يتخلّى عن فرنجية من أجل الاتفاق مع باسيل على رئيس آخر. إذاً الطريق مسدود بين الحزب وباسيل فيما تُسجَّل لقاءات دورية بين النائبين طوني فرنجية وملحم الرياشي المكلّفين من قبل رئيسَيْ حزبَيْهما “التطبيع بين القوات اللبنانية وتيار المردة”. يحلو للبعض أن يضع هذه اللقاءات تحت عنوان الرئاسة تماماً كما حصل قبل انتخاب الرئيس ميشال عون. غير أنّ مصادر المجتمعين تؤكّد لـ”أساس” أنّ الظروف مختلفة ومواقف كلّ من الفريقين معروفة وثابتة في الملفّ الرئاسي ولا حاجة إلى إسقاطات لا وجود لها.
هكذا تبدو الساحة الداخلية غارقة في تناقضاتها الثابتة على لاءات تمنع انتخاب أيّ رئيس للجمهورية، فيما الساحة الخارجية تترقّب نتائج جهود سلطنة عُمان بين الأميركيين وإيران، وإذا تعذّر الوصول إلى تقاطعات خارجية فإنّ النظام اللبناني الذي تحوّل نظاماً طائفياً بفعل الممارسة، سيوضع على طاولة النقاش من بوّابة تعزيز وجود الطائفة الشيعية في الدولة مقابل التخلّي عن “ضمانة رئاسة الجمهورية”.
جوزفين ديب- اساس