بعد تمرد فاغنر.. “الأوقات الصعبة بدأت”
أظهر تحليل مطول نشره موقع “راديو أوروبا الحرة”، الأربعاء، أن هناك تداعيات محتملة لتمرد مجموعة فاغنر داخل روسيا، وأن الأمر قد لا يقتصر على نفي قائدها، يفغيني بريغوجين، إلى بيلاروس.
وخلص التحليل إلى أنه بعد تمرد بريغوجين، فإن نخبا روسية تنتظر السقوط. وذكر أن بريغوجين نفي إلى بيلاروس بعد محاولة تمرد تحدى القيادة العسكرية الروسية، وأثار هزة في الكرملين.
وعلى الرغم من جهود الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وإدارته لإضفاء جو من الثقة والاستقرار داخل روسيا، فمن المرجح أن تداعيات تمرد فاغنر قد بدأت للتو، كما يقول خبراء للموقع.
وقال روبن ميغرابيان، أستاذ العلوم السياسية في يريفان، في مقابلة مع راديو أوروبا الحرة، إن “الصفقة الغامضة التي أدت إلى نزع فتيل الأزمة الحالية وأرسلت بريغوجين إلى بيلاروس، لم تكن سوى المشهد الأخير قبل الفاصل في الدراما التي لا تزال تتكشف” في روسيا.
ويعتقد محللون أن بريغوجين لم يكن لينفذ تمرده ما لم يتوقع دعما نشطا من كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين، الذين ورد أن العديد منهم يشاركونه ازدراءه بشأن وزير الدفاع، سيرغي شويغو، والجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس الأركان العامة لروسيا.
والسهولة النسبية التي استولت بها قوات فاغنر على “روستوف أون دون”، وهي مدينة قريبة من الحدود الأوكرانية والتي تعد موطنا للقيادة العسكرية الجنوبية لروسيا، وتحركها دون عوائق شمالا نحو موسكو، ينظر إليها على أنها مؤشرات ظرفية على الدعم المحتمل.
وقال المحلل السياسي الروسي، ميخائيل كومين، في تحليل لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “كان رئيس مجموعة مرتزقة فاغنر يعتمد على تضامن كبار ضباط الجيش، وبما أنه اقترب من الوصول إلى موسكو دون مواجهة أي مقاومة معينة، فعلى الأرجح أنه لم يكن مخطئا تماما”.
وأضاف كومين أن بريغوجين دعا في الماضي إلى استبدال شويغو، الموالي لبوتين منذ فترة طويلة، بالجنرال، ميخائيل ميزينتسيف. ويُطلق على ميزينتسيف، بصفته قائدا عنيدا، لقب “جزار ماريوبول” لسلوكه في الحصار المدمر، ولكن الناجح في نهاية المطاف، للمدينة الساحلية المطلة على بحر آزوف في أوائل عام 2022.
اختبار الولاء المفاجئ
علاوة على ذلك، اقترح بريغوجين أن يحل الجنرال، سيرغي سوروفكين، الذي كان حتى يناير الماضي القائد العام لما يسمى بـ “العملية العسكرية الخاصة” لروسيا في أوكرانيا، محل غيراسيموف.
وذكر الموقع أن سوروفكين نسق عن كثب مع بريغوجين خلال التدخل الروسي في الحرب السورية عام 2015.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أميركيين قولهم، الأربعاء، إن سوروفكين، الذي تولى قيادة قوات الفضاء الروسية، ربما كان “على علم مسبق بخطط بريغوجين”.
ولكن في الساعات الأولى للتمرد، نُشر مقطع فيديو لسوروفكين على تليغرام يدعو قوات فاغنر في أوكرانيا إلى عدم الانضمام إلى التمرد ويحثهم على التوقف.
كما أشارت الصحيفة إلى أن “المسؤولين الأميركيين لديهم مصلحة في نشر المعلومات التي تقوض مكانة الجنرال سوروفكين، الذي يعتبرونه أكثر كفاءة وأكثر قسوة مقارنة بغيره من أعضاء القيادة”.
ورفض المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، التقرير ووصفه بأنه مجرد مثال واحد من الأمثلة على “التكهنات” حول التمرد.
وفي غضون ذلك ، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلا عن مصادر استخبارات غربية لم تسمها، أن بريغوجين كان ينوي في الأصل اختطاف شويغو وغيراسيموف “خلال زيارة إلى منطقة جنوبية على الحدود مع أوكرانيا”. وقالت الصحيفة إن تلك الرحلة ألغيت بعد أن علمت دائرة الأمن الفيدرالية بالمؤامرة.
واعتبر التمرد بمثابة “اختبار للولاء” في وزارة الدفاع، و”أصبح ذريعة لعمليات التطهير الجماعي في القوات المسلحة”، حسبما ذكرت قناة “ريبار” على تليغرام، الأربعاء.
وأكدت القناة، المرتبطة بمسؤول سابق في وزارة الدفاع والتي نشرت تقارير مفصلة من داخل الجيش الروسي إلى جانب خرائط دقيقة لغزو أوكرانيا، أنه تم بالفعل عزل الضباط الروس لفشل مزعوم في الإمداد والتعبئة، ولكن “كان العذر الرسمي هو دعمهم لفاغنر”.
وزعمت ريبار أيضا أن قائد القوات المحمولة جوا الجنرال، ميخائيل تيبلينسكي، قد تولى بحكم الواقع قيادة العمليات في أوكرانيا، على الرغم من احتفاظ غيراسيموف بالمنصب رسميا.
“تجربة الاقتراب من الموت”
وفي الأيام التي أعقبت التمرد الفاشل، حاول بوتين وإدارته نقل انطباع عن الوحدة والثقة والاستقرار. والثلاثاء في 27 يونيو الحالي، التقى بوتين بمسؤولين أمنيين ومع القوات التي يزعم أنها ساعدت في قمع التمرد.
وقال أندريه كوليسنيكوف، وهو صحفي روسي سابق يعمل الآن محللا في مؤسسة كارنيغي، إن مثل هذا التبجح كان له تأثير معاكس.
وقال كوليسنيكوف لراديو أوروبا الحرة: “لقد كان من الخطأ أن يقدم الكرملين مثل هذا العرض لامتنانه لأنه من خلال القيام بذلك، أظهر بوتين ضعفه وخوفه. بوتين يُظهر أن بريغوجين أخافه حقا”.
وفي ظل هذه الظروف، قد يكون الولاء الشخصي السابق لشويغو وغيراسيموف وآخرين هو العامل الحاسم، حسبما قال بعض المحللين.
وقال مايكل كوفمان، المراقب المخضرم للجيش الروسي في منشور على تويتر الثلاثاء، “أعتقد أن (بريغوجين) توقع بالفعل أن يتم فعل شيء بشأن شويغو وغيراسيموف، وأن يحكم بوتين لصالحه. بدلا من ذلك، ربما يكون تمرده قد ضمن استمرار ولايتهما، على الرغم من الاعتراضات بأنهما غير كفؤين، ومكروهين على نطاق واسع في القوات المسلحة الروسية”.
ويوافقه الرأي روب لي، المحلل العسكري والزميل الأول في معهد أبحاث السياسة الخارجية.
وقال لي في تعليقه على منشور كوفمان في تويتر: “الولاء السياسي يتفوق على الكفاءة، حتى أثناء الحرب الحاسمة لبقاء [بوتين] السياسي. وإذا بقوا في مناصبهم، فهذا يدل على أن بريغوجين لم يحقق أهدافه في هذا التمرد”.
وعزز هذا التحليل تصريحات أدلى بها، فيكتور زولوتوف، الحارس الشخصي السابق لبوتين والذي يقود الآن الحرس الوطني البالغ قوامه 300 ألف جندي.
وقال بعد اجتماعه مع بوتين، الثلاثاء، إن قواته ستزود قريبا بأسلحة ثقيلة، بما في ذلك دبابات، للمساعدة في ضمان أمن الحكومة.
وكتب سايمون شوستر، مراسل مجلة التايمز، في تحليل أن زولوتوف “ظهر … كأحد الفائزين القلائل الواضحين في تجربة الاقتراب من الموت للنظام”.
وكتبت الصحفية، جالينا سيدوروفا، في مقال، أن بوتين ابتكر نوعا من “الإعصار السياسي”، في إشارة إلى اللعبة الشعبية التي يجب على اللاعبين فيها الحفاظ على توازنهم أثناء اتخاذ مواقف محرجة بشكل متزايد. وقالت: “آخر من يصمد هو الفائز. بوتين (…) لعب الآن كثيرا، وهو يحرك أتباعه”.
أوقات صعبة
وقال خبراء إن القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا ربما تشعر أنها من بين الخاسرين.
ويواجه الجيش الروسي هجوما مضادا أوكرانيا متسارعا، وقد تعاني معنوياته المهتزة بالفعل أكثر إذا تزايدت الشكوك حول ولاءات القادة.
وقال الخبير العسكري الأوكراني، ميخايلو ساموس، لـ”كرنت تايم” (Current Time): “خلاصة القول هي أن الروح المعنوية ودوافع القوات الروسية قد اهتزت. وسوف تتسارع هذه العملية مع استمرار الحرب. أعتقد أن تصريحات بوتين … زادت من الشكوك حول ما يحدث في روسيا. أعتقد أن الأوقات الصعبة قد بدأت للتو بالنسبة للضباط والجنود الروس”.